بقلم: نبيه البرجي
2000 ... 2006 ... 2022 : هذه أيام للبنان، لأرض لبنان، لأهل لبنان، لكبرياء لبنان. لننزع عن وجوهنا أي أثر للطائفية، وأي اثر للمذهبية، ولنغتسل جميعاً بترابنا المقدس!
لأننا كنا دولة الأبواب المشرعة للغزاة. حتى الأشقاء حين حلوا في ديارنا تحولوا الى غزاة (غلاة الغزاة) بعدما اعتدنا أن نضع ظهورنا وأكتافنا وسطوح منازلنا في المزاد العلني . لاحظوا كيف يصل رئيس جمهوريتنا عبر التسويات، وعبر الصفقات، جثة هامدة الى القصر...
أحدهم من أهل الفقه (فقه البادية الذي حذرنا منه الأزهر حين كان الأزهر) نادى السلطان العثماني "أدخل الى دمشق غازياً أو فاتحاً"، لكأنه يقول "ادخل الى بيروت غازياً وفاتحا". ولقد قالوا ذلك لأرييل شارون مثلما قالوه لأبي بكر البغدادي. حين تكون اللحى مرصعة بالعار، ليكون لبنان أريكة الشيطان لا أريكة الله ...
ألا تكفيك أيها الشيخ الجليل، ونحن نراك بوقارك على الشاشات، أربعة قرون من الغياب (والغيبوبة)، من القهر (والقهقرى)، من الجهل (والجاهلية) ؟
قد يكون اتفاق اليوم اتفاق الممكن، أو أكثر من الممكن بقليل، أو أقل من الممكن بقليل . ولكن ما هي أوراقنا، حين نكون شظايا مبعثرة طائفياً وسياسياً وحتى قبلياً، ويكون القانون الدولي قانون الأقوياء لا قانون الضعفاء . أنظروا مدى الحبور على وجوهنا، مدى الضحكة التي تجلجل في صدورنا، حين نظهر تماماً كـ "ذيل الحصان" في الصور التي تجمعنا بأصحاب السعادة السفراء!
وكنا قد تعلمنا في الكتب المدرسية أننا بلاد الأبجدية، وبلاد الأرجوان، وبلاد الآباء الذيين كانوا يرصفون الجماجم عند مداخل المدن ليثيروا هلع الغزاة . وقالت الكتب اننا لم نأت من لبل الكهوف، ولم نصل على العربة التي تجرها... حمالة الحطب.
لهذا نقول للسيد كان الجهاد الأصغر حين كسرت المستحيل، وفتحت أمامنا بوابة الخلاص، والآن الجهاد الأكبر ضد من ينتظرون الغاز (وهم مافيات المحروقات، ومافيات الطحين، ومافيات الدواء، والأهم مافيات اللحم البشري) لكي يتوارث الأبناء والأحفاد، مهنة نهب المال العام . أكلة لحومنا، وأكلة عظامنا ...
هذه الدولة السريالية. لا اتفاق بوجود ميشال عون على رأس الدولة (اللادولة) . لكن حظ الجنرال، كيلا يخرج خاوي الوفاض ولو بالنزر اليسير من التاريخ، أن كل شيء ينبغي أن يحصل قبل انتخابات "الكنيست" . ها أن جو بايدن يعترف به وبدوره، بعدما أدار الأميركيون ظهرهم له منذ اليوم الأول لدخوله القصر.
حتماً لا ننسى موقفه الرائع في حرب تموز 2006، حين أعدّوا السكاكين، سكاكين الداخل، لتقطيع المقاومة (مقاومة البربرية) . هذا لا يبرر التسويات والصفقات التي حملت الينا المصائب وان كانت حصيلة 30 عاماً، بل 80 عاماً، من الفساد، ومن الاستئثار، ومن العفن، أو من الصدأ، الذي يعتري الضمائر.
لا ضمير سياسياً لقيام الدولة، ولا ضمير اجتماعياً لقيام المجتمع. شتات سوسيولوجي بثقافة الفانتازيا لا بثقافة من بعيد تشكيل التاريخ، بل ويعيد تشكيل الزمن...
هذا يوم آخر للبنان الآخر. أي يوم آخر، ونحن تحت عباءة أولئك الديناصورات الذين حوّلونا، كجيران للقمر، الى متسوّلين على أرصفة الأمم التي لا تختلف في أي حال، عن أرصفة جهنم،
لذلك نقول للسيد حسن نصرالله، لأن يوم لبنان هو يوم نصرالله، يا صاحب الاصبع الذي زلزل الهيكل، وحاخامات (وجنرالات) الهيكل، ارفع هذا الاصبع في وجه من حفروا قبورنا ونحن أحياء، ومن أعادوا عقارب الساعة الى العصر الحجري. لا ماء، ولا كهرباء، ولا طرقات، ولا دولة، ولا شعب . حقاً، أي هويتنا كبشر فبل أن نسأل أين هويتنا كلبنانيين؟
أمام أنظار العالم كنا طوابير الماعز . يا لديموقراطية الماعز أمام صناديق الاقتراع ! حتى صراخ "التغييريين" تحوّل الى ثغاء على أبواب أولياء الأمر.
أيها السيد، اننا بحاجة الى اصبعك، الى قبضتك، من أجل أن نصنع من هذا الركام حياة تليق بالحياة.