2024-11-27 10:47 ص

وسقط غصن الزيتون

2022-09-28

بقلم: اسيا العتروس
 لم يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس صراحة في كلمته من على منبر الامم المتحدة أول أمس اسقاط  غصن الزيتون الذي ورثه عن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات  من على نفس المنبر و لكن كل الاشارات و الرسائل توحي بأن المرحلة لم تعد مرحلة غصن الزيتون المعطر  بالسلام الذي تلاشىت رسائله و تبخرت رائحته على مدى عقود طويلة من سياسات الاحتلال و انتهاكاته على الارض في حق الشعب الفلسطيني ..و قد لا نبالغ اذا اعتبرنا و ان محمود عباس برغم محاولاته الظهور بمظهر المتماسك وهو يلقي كلمته كان يبدو منهكا و كأنه بصدد القاء رسالة الوداع أمام المجتمع الدولي و الضمير الانساني الذي تخلى عن الشعب الفلسطيني في معركته المشروعة …و رسالة الوداع ليست مرتبطة بالضرورة بالوفاة لا سمح الله فهذه مسائل لا يعلمها الا الله و لكنها قد تكون مرتبطة بمرحلة جديدة في المشهد الفلسطيني تنتهي معها مرحلة الانتظار و الترقب لما يمكن ان يقرره صناع القرار لمصير و مستقبل اربعة عشرة مليون فلسطيني في الداخل و الخارج الى مرحلة عودة الوعي و عودة الوحدة الفلسطينية المصادرة لاستعادة وحدة القرار …
لسنا في وضع التكهن بما يمكن ان يؤول اليه الوضع الفلسطيني في غياب الافاق و البدائل و الامال بامكانية استعادة الحقوق المسلوبة و لكن خطاب عباس و برغم اصراره على التحلي بالهدوء و الديبلوماسية يعكس احساسا بالخيبة و بانعدام رفاهية الخيار أمام مشهد يزداد تعقيدا و قتامة أمام الفلسطينيين …
طبعا لم يكن بامكان محمود عباس أن يعلن صراحة سقوط غصن الزيتون و أن يتحمل تداعيات مثل هذا الخيارالذي كان يمكن ان يرتبط بمنعه من العودة الى رام الله و لكن كلمة محمود عباس في الدورة ال77 لاشغال الجمعية العامة للامم المتحدة كانت على درجة من الاحباط الذي لم يكن بامكان الرئيس الفلسطيني اخفاؤه و هو يلوح بصور اطفال غزة الذين تعرضوا للقصف خلال العدوان الاسرائيلي و لا ايضا و هو يستعرض المعاناة اليومية للاسرى و للجرائم اليومية الجماعية و المحارق التي تقترفها القوات الاسرائيلية في حق الاهالي  ممن يجبرهم نظام الميز العنصري المدعوم من القوى الكبرى  على هدم بيوتهم بايديهم …يمكن القول ان خطاب عباس الذي اختلف الفلسطينيون في قراءته و تاويله بين مدافع  لا سيما المقربون من السلطة و حركة فتح و منتقد و مقصود بذلك حركتا حماس و الجهاد التي اعتبرت و انه اجترار لخطاباته السابقة و ان عباس لم يرتق مرة اخرى الى تطلعات الشارع الفلسطيني و لم يذهب الى حد الاعلان عن ايقاف التنسيق الامني مع الاحتلال …و لاشك ان محمود عباس الذي اتجه الى الجمعية العامة للامم المتحدة و هو مثقل بالازمات و الملفات العالقة لم يجانب الصواب في تقييمه للمشهد الفلسطيني و في مواجهة المجتمع الدولي و تحميل اصابع الاتهام لنظام الاحتلال العنصري البغيض اخر انواع الاحتلال المتبقي في العالم …ولعل المهم في هذه الدورة ال77 للجمعية العامة أنها اعادت الى القضية الفلسطينية الاهتمام و فرضتها على انظار و اسماع العالم المنهمك بتطورات الحرب الروسية في اوكرانيا وبالمخاوف من حرب نووية لا تبق و لا تذر ..و كشفت ان هناك شعب يصر على تقرير المصير رغم كل المعاناة كما انها اسقطت بقية من قناع يتستر به رئيس الوزراء الاسرائيلي لبيد الذي يبحث معركة انتخابية مبكرة عن زيف ادعاءاته عندا طرح حل الدولتين و هو يدرك جيدا انه لا يمكن لاي فلسطيني مهما كانت الضغوط التي يتعرض لها ان يقبل بالشروط التعجيزية لاقامة هذه الدولة التي ستكون كانطونا في قلب اسرائيل لا يتسرب له الهواء من أي جانب لقد كان من المهم ان يعيد عباس الحديث عن المجازر والمذابح التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، و بحق الأسير ناصر أبو حميد، لتذكير العالم بأن هناك احتلال يمارس أبشع صور العدوان…
-وكان من المهم أيضا احياء القرار 181 حتى و ان كان  لايتصف بالواقعية لعدة اعتبارات لا يتسع المجال لرصدها ..
-و كان من المهم  ايضا طرح القرار 194 و التذكير بحق الاجئين في العودة و لكن ربما بقي الاهم و هو ما انتظره الكثيرون ان يمضي قدما في وقف التعامل مع إسرائيل ومراجعة الاتفاقيات الامنية وهي مخاطرة كبيرة تحتاج للكثير من الحسابات ميدانيا و لا يمكن بالتالي اعلانها في اروقة الامم المتحدة رغم انها اول من خذل الفلسطينيين ..نعم لم يعلن محمود عباس سقوط غصن الزيتون و لكن كل المؤشرات تؤكد انه سقط منذ زمن طويل …
كاتبة تونسية

المصدر: رأي اليوم