بقلم: فؤاد البطاينة
لو قيظ لاستفتاء حر أن يجري في الأقطار العربية على سؤال “هل أنت مع نظام الحكم القائم ” فقد لا يختلف اثنان على أن النتيجة ستكون في معظم الأقطار ب “لا” بنسبة 99%. وربما يكون هذا مرتبطاً بطبيعة مُنتج الأنظمة الشمولية التي تسود أقطارنا، ولكن لو صارحنا أنفسنا نقول بأن هذه النسبة العالية معزوة للحالة المعيشية والإقتصادية التي يعيشها المواطنون دون حل. ولو أجرينا الإستفتاء على سؤال أخر هو ً ” هل أنت راض عن سياسة نظامك إزاء القضية الفلسطينية ” فقد تكون الإجابة بـ”لا” تداني ال 100%. وحيث أن المشروع الصهيوني هو الإسم الأساسي للقضية الفلسطينية، فإن السؤالين والإجابتين بحمولتيهما مرتبطتين ببعضهما كالمقدمة والنتيجة.
أي أن حالة الإفقار والضنك المعيشي للمواطنين العرب وفشل دولهم التي تجعلهم رافضين لحكامهم وأنظمتهم معزوة في الواقع الى الرضوخ لمتطلبات المشروع الصهيوني الذي تقوم عليه نهوج أنظمتنا السياسية، وليس إلى قصور هذه الأنظمة في إدارة البلاد أو لنقص في الخبرات أو في الموارد أو لفسادها من دون ربط كل هذا بنهوجها السياسية المرتبطة بالمشروع الصهيوني وبالرضوخ لكيان الإحتلال. بآليات التطبيع. وهذا ما يجب أن تدركه عامة شعوبنا، والأمر لا يحتاج لإثبات، فالأنظمة نفسها تروج لشعوبها بأن التطبيع وسيلة أساسية لحل مشاكل شعوبها الاقتصادية.
بمعنى أن الحكام العرب يعتقدون غباءً أو يسوقون أحط الخيانة بأن “التضحية بفلسطين” هو الحل. وفي حين أن الجوعى من ناس شعوبنا والذين يفتقدون الأساسيات حياة أسرهم يميلون في غياب الحقيقة وانسداد الأفاق عليهم لتصديق الوعود، يجنح الأثرياء وهم القلة للجوء لمن بيده السلطة حماية لمكتسباتهم. وهذا ما كان وراء تراخي شعوبنا في مواجهة المعاهدات الثلاثة (ديفيد وأوسلو وعربه). والمهم هنا هو المفهوم القاصر لحكام التطبيع، وهوأن المشروع الصهيوني ينتهي بفلسطين وما عليهم إلّا بيعها. إلّا أن الحاكم العربي الذي يبيع فلسطين ويتخلى عن شعبها من المؤكد أنه سيبيع قطره ويتخلى عن شعبه، ويبيع شرفه وعرضه بكل سهولة. إنها مسألة “مبدأ الخيانة ” فلا قيم أو عروبة أو عقيدة ولا أوطان يقف أمام هذا المبدأ.
بينما الواقع أن المشروع الصهيوني جاء مبتدئا بفلسطين، وحتى لو جاء منتهيا بها افتراضاً فإن السلام المتكافئ مع الدول العربية لن يكون منطلقاً لكيان الإحتلال ولا هدفاً، لأن هذا يهدد مستقبله الوجودي في فلسطين نقطة انطلاقه. فالمطلوب حُكماً له من سلام التطبيع لا يتعدى اختراق الدول العربية لإحكام قبضته عليها ونهبها وربط أمن حكامها وسلامة عروشهم به ومحاربة الديمقراطية فيها وإبقائها متراجعة عسكرياً واقتصاديا وقِيميا وصولاً لفرض سرديته التوراتية علينا. فالمشروع الصهيوني له مراحل، ونحن في المرحلة الثانية، مرحلة غزو الأردن جغرافيا وسيادة، كجزء متمم لفلسطين، وكذلك ترسيخ ضم الجولان دولياً. أما المرحلة الثالثه فهي السيادة على الخارطة التي يتصورونها وتشمل أجزاء من السعودية ومصر. والرابعة هي الانطلاق بالمشروع للعالمية..
وعلى ما تقدم نخلص للنتيجة وهي أن مشاركة شعوبنا في الصراع أساسية، وتفعيلها يبدأ بتغييرها للعبة العدو التجويعية التي يفرضها عليها، وذلك بتغيير خطابها من اقتصادي إلى سياسي. فإن كانت شعوبنا تبحث عن التخلص من الضغوطات المعيشية، عليها أن تعلم بأنها ضغوطات استراتيجية هادفة في مخططات العدو الصهيوني، قوامها ثالوث الفساد والإفقار وعدم الشعور بالأمان. وكل ما انشغلت شعوبنا بها وخاطبتها تزداد حدتها، وإن ركعت وارتمت بحضن الصهيونية فستتوسع هذه الضغوطات وتزداد حدتها أكثر، وشعب أي قطر عربي لا يشعر بهذه الضغوطات اليوم فستلاحقه لتظفر منه. لا نهاية في المشروع الصهيوني للضغوطات طالما بقي المشروع الصهيوني والإحتلال قائما على قدميه في فلسطين. وأرى من المحرمات على شعوبنا أن تجعل من مواجهة هذا الثالوث المُضلل قضيتها، بل عليها أن تجعل من هدفه وأسبابه السياسية محلاً لمواجهتا إن أرادت التحرر وسلامة العيش والإرتقاء.
وعندما تتولد القناعة بهذا لدي شعوبنا وتُدرك بأن مشاكلها ومعاناتها سياسية بحتة ومرتبطة بمخططات المشروع الصهيوني، فستدرك حينها بأنها المعنية بمواجهة الإحتلال الصهيوني لفلسطين وبأخطار التطبيع والإنفتاح على كيان الإحتلال، وبأنها المعنية بكل تفاصيل معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله. وستدرك بالتالي حيوية الإقبال على الانخراط في العمل السياسي المنظم على أجندة فلسطين قضيتنا والمقاومة طريق التحرير، والمشروع الصهيوني غريمنا. وعلى هذا الأساس تواجه شعوبنا حكامها. فأعداء الداخل أحصنة طروادة. وسيوفاً مزخرفة للعدو الخارجي بين ظهرانيا.
كاتب وباحث عربي اردني
المصدر/ رأي اليوم