2024-11-27 04:29 م

5 ساحات.. هواجس مواجهة محتملة تؤرق اسرائيل

2022-09-21

بقلم: شرحبيل الغريب
تصريحات اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي ومفوّض شكاوى الجنود سابقاً إسحاق بريك لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية التي حذر فيها من خطر التهديد الوجودي لـ"إسرائيل" وهواجس المواجهة الشاملة التي أصبحت تؤرقها، وهشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفقد الجيش الإسرائيلي القدرة على القتال متعدد الأذرع في ظل حالة التصدع والتفكك الكبيرة وسقوط استراتيجية الحرب البرية لجنوده بعد الحروب التي خاضها في وجه المقاومتين الإسلاميتين في لبنان وفلسطين، جميعها تعد معطيات تمثل معضلات كبيرة وعميقة أمام هرتسي هليفي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الجديد.

يقول بريك لصحيفة "يديعوت أحرونوت" "نحن في خطر تهديد وجودي، أهم التحديات أمام إسرائيل عدم جاهزية الجبهة الداخلية التي تتجه لأن تكون مركز الحرب المقبلة والتي ما زالت تعاني نتيجة تجاهل قيادة الجيش والحكومة الإسرائيلية لها، وستتلقى في أي حرب مقبلة ثلاثة آلاف صاروخ في اليوم ويدمّر أكثر من 100 موقع في داخل إسرائيل".

ويضيف للصحيفة نفسها "التقديرات في المناورات العسكرية الأخيرة أن حزب الله سيسقط يومياً 2500 صاروخ على إسرائيل، الجيش غير جاهز لذلك وليس لدينا قوات كافية للتعامل مع 5 ساحات بالتوازي: حزب الله في لبنان، وسوريا ستدخل على الخط، وهناك أشبه بانتفاضة متصاعدة في الضفة الغربية، والنشاط الواضح للفلسطينيين في مناطق الداخل، ومعهم حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة".
يحذر اللواء بريك القادة الإسرائيليين، من أن "الجيش" فقد القدرة على القتال متعدد الأذرع، وفقد أيضاً امتلاك زمام السيطرة في الحرب البرية باعتبارها أهم استخلاصات حرب عام 2014 التي وقعت في قطاع غزة حيث قتل فيها 70 جندياً إسرائيلياً، وأسرت حماس الضابط هدار غولدين والجندي أرون شاؤول على حدود القطاع، وهذا باعتراف صحيفة "يديعوت أحرونوت" بحلول الذكرى الثامنة لوقوعها.

يشير بريك إلى أن فقدان الجيش الإسرائيلي السيطرة في الحرب البرية بدا أكثر وضوحاً بعد اعتماده على سلاح الطيران كخيار استراتيجي له في المواجهة العسكرية التي وقعت في أيار/مايو عام 2021، التي عُرفت بمعركة "سيف القدس" فلسطينياً، و"حارس الأسوار" إسرائيلياً.

وحذر كذلك عدد من الخبراء العسكريين في "إسرائيل" من مغبة الأمر، وهي ليست المرة الأولى التي يتحدّث فيها اللواء بريك صراحة عن فقدان ثقة الجيش الإسرائيلي بقادته، وتراجع العقيدة القتالية بين صفوفه وعدم جاهزيته للقتال، وهشاشة الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وخشية "إسرائيل" الكبيرة من هاجس الحرب ذات الجبهات الخمس، إذ يستند فيما يقول إلى تقارير خاصة صدرت في عهده حينما كان يشغل منصب مفوض شكاوى الجنود الإسرائيليين، وتعزز هذه النتائج حصيلة سنوات ماضية خاض فيها الجيش الإسرائيلي حروباً على لبنان، في تموز/يوليو عام 2006، وعلى قطاع غزة عام 2014 في معركة استمرت 51 يوماً تعرّض فيها لانتكاسة كبيرة، وصولاً إلى المعركتين الأخيرتين "سيف القدس" عام 2021 ووحدة الساحات عام 2022.

تسليط الضوء على قضايا جوهرية تمس بنية الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية الإسرائيلية يمكن تفسيره في غير اتجاه أمام تزايد اعترافات خبراء إسرائيليين حاليين وسابقين، باتوا يجزمون بأن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لحرب شاملة، ولا يمتلك الكفاءة لمواجهة المقاومة بمختلف ساحاتها في آن واحد، وهذا يعود إلى:

- الإقرار بالفشل وتكوّن صورة ذهنية جديدة إزاء حالة التراجع في العقيدة القتالية لدى الجيش الإسرائيلي تدلل أنه أصبح جيشاً مترهلاً شبه مشلول، وأن الرهان عليه في أي معركة مصيرية مقبلة لن يجني منها سوى الخسارة المؤكدة والهزيمة الكبرى.

- ارتباط فشل "إسرائيل" في ترميم التصدعات الكبيرة داخل الجيش بالعقلية الإسرائيلية التي باتت تخشى على حياة الجنود على الأرض وفي الميدان، وأصبح قادة الاحتلال الإسرائيلي ينأون بقراراتهم خلال أي مواجهة عسكرية عن اتخاذ قرارات بخوض حروب برية وزج الجنود فيها نظراً إلى تكلفة فاتورتها أمام تطور أداء المقاومة.

- هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وحال التصدعات الكبيرة التي أصابتها على مدار حروب خاضتها "إسرائيل"، جعلاها وجيشها عاجزين عن تحمل عبء أي حروب جديدة، وتزداد حال العجز نتيجة ارتفاع وتيرة التحديات وتعدّد ساحات المواجهة أمام "إسرائيل" في آن واحد، وهو ما يشكل لها عوامل قلق وتهديد كبيرتين.

- تركيز قادة الاحتلال الإسرائيلي على تخصيص ميزانيات كبيرة خاصة بسلاح الطيران الإسرائيلي وحروب السايبر فقط، وإهمال تطوير وتعزيز أداء الجيش البري الإسرائيلي واقتصار النشاطات العسكرية على مناورات مكررة، خلقا حالاً من انعدام الثقة بقدرات الجيش، وأصبح تالياً عامل الإهمال حاضراً في العقلية الإسرائيلية لدى قادة الاحتلال تجاه الجيش الإسرائيلي بدرجة كبيرة.

هواجس "إسرائيل" نابعة من رؤيتها الأمنية أن ساحة الضفة الغربية أصبحت خاصرة ضعيفة أمامها، وتزايدت تلك الهواجس أخيراً على نحو ملحوظ إثر تصاعد وتيرة العمليات الفدائية ضد الجنود والمستوطنين التي آلمت "إسرائيل" وجعلتها أمام تحديات أمنية جديدة وكبيرة.

تعاظم مجموعات المقاومة في شمالي الضفة الغربية، وتشكّل بؤرة اشتعال أصبحت تضرب عصب منظومة الأمن الإسرائيلية باتا أيضاً عامل قلق كبير، في وقت أصبحت فيه الأوساط الإسرائيلية تقر بقدرة هذه المجموعات على اتخاذ زمام المبادرة في العمل الفدائي وإشغال الاحتلال واستنزافه في كل مكان.

باتت "إسرائيل" تنظر إلى حال المقاومة المتصاعدة في ساحة الضفة الغربية على أنها تشكل خطراً كبيراً على أمن المستوطنين والجيش الإسرائيلي، في وقت أصبحت حاضنة المقاومة تمثل الداعم الأكبر لها بل وجاهزة للاشتباك في أي لحظة.

السياق الأهم في المنظور والتقديرات الإسرائيلية نابع من ظهور مجموعات مقاومة في ساحة الضفة الغربية قادرة على الفعل المقاوم أصبحت تشكل بؤرة لانتفاضة قد تشتعل في أي لحظة وقد تمتد إلى مختلف الساحات الفلسطينية الأخرى باتت اليوم أيضاً تشكل نقطة إشغال دائمة ومنطلقاً لعمليات متعددة الساحات، وهذا يعد عاملاً مؤثراً في موازين القوى القائمة، لكن الأخطر من ذلك وفق المخاوف الإسرائيلية من أن تؤدي حالة الاشتباك القائمة مع قوات الاحتلال إلى تدهور الأوضاع والدخول في مواجهة كبيرة على مستوى المنطقة وبخاصة مع المقاومة في قطاع غزة.

ما يجري على الجبهة الشمالية في لبنان ليس ببعيد عما يجري من حالة تسخين متدرجة في شمالي الضفة الغربية، إذ تعد التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تجاه أزمة حقل غاز "كاريش" أشبه بساحة تحدٍ جديدة أمام "إسرائيل" التي باتت تتغول في موارد المنطقة وثرواتها، إلا أن حزب الله نجح بدرجة عالية في منع "إسرائيل" من البدء باستخراج الغاز، وهو ما يعد فرضاً لمعادلة جديدة، في وقت أصبحت فيه "إسرائيل" تخشى أي مواجهة محتملة مع حزب الله وتحسُب لها ألف حساب.
المصدر/ الميادين نت