2024-11-01 01:22 م

قصة اتفاقيات الغاز بين القاهرة وتل أبيب من الألف إلى الياء

2022-09-02

من الرابح مصر أم إسرائيل؟..

ثمة شبه إجماع بين خبراء الطاقة على أن الغاز الطبيعي سيلعب دوراً حاسماً في تلبية احتياجات الطاقة في العالم، ويرجع ذلك لمجموعة أسباب اقتصادية وسياسية وتكنولوجية مهمة، مثل الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، واستمرار تحرير أسواق الغاز والكهرباء، وتفضيل الغاز باعتباره أنظف من البترول، وانخفاض تكلفة إنتاج ونقل الغاز الطبيعي المسال، كل ذلك قد أرسى الأساس لدور موسع للغاز الطبيعي في الاقتصاد العالمي.

ولكن هناك مجموعة من العوائق التي تحول دون استغلال الإمكانات الطبيعية الكاملة للغاز الطبيعي. ففي حين أن زيادة التجارة في الغاز الطبيعي المسال تفتح إمكانية حقيقية للسوق العالمي للغاز، فإن وتيرة هذا النمو ونطاقه النهائي وإمكانات تطويره لا تزال موضع شك كبير.

 فالتحول من الحكومات للقطاع الخاص كلاعبين رئيسيين في مشاريع خطوط الأنابيب الرئيسية والغاز الطبيعي المسال، على الرغم من الترحيب به، فإنه يثير أسئلة مهمة حول ثقة المستثمر، والبيئة التنظيمية والمخاطر السياسية والمنافسة من الآخرين وكذا المنافسة بين الغاز الطبيعي والوقود الهيدروكربوني ومصادر الطاقة المتجددة.

يطرح صعود الغاز الطبيعي أيضاً أسئلة جيوسياسية شائكة. فقد تم العثور على نصيب الأسد من احتياطيات الغاز المؤكدة في مناطق، مثل الشرق الأوسط وفي القلب منه دولة مثل مصر، ولكن لا أحد يعلم  لمن تعود عوائد هذه الاكتشافات.

ويتناول هذا التقرير الغاز الطبيعي في مصر، والتعاون المصري-الإسرائيلي في مجال الغاز الطبيعي، مناقشاً إمكانيات مصر في مجال الغاز الطبيعي من ناحية الاحتياطيات والإنتاج والتشغيل ومن ناحية التسييل، وتطور ما يسمى التعاون المصري الإسرائيلي في تجارة الغاز الطبيعي وصولاً لاتفاق الطرفين مع الاتحاد الأوروبي على نقل الغاز إليه بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ويطرح سؤالاً مركزياً: من الرابح من الطرفين في مجال الغاز الطبيعي؟

الغاز الطبيعي في مصر كم وأين يذهب؟

تعد مصر حالياً من بين الدول الأسرع نمواً للغاز الطبيعي المسال، حيث كشف أحدث تقرير لمنظمة أوبك أن مصر صدرت حوالي 1.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثاني من عام 2021، بعد عدم تصدير أي غاز طبيعي مسال خلال نفس الفترة من عام 2020.

ساهمت مصر بنحو 5% من إجمالي صادرات الدول العربية من الغاز الطبيعي المسال، والتي بلغت 28.3 مليون طن في الربع الثاني من عام 2021. وعلى الرغم من مساهمة مصر الصغيرة نسبياً في الإجمالي، إلا أنها مثلت أكبر نسبة (47%) من نمو الغاز الطبيعي المسال العربي. الصادرات خلال الربع الثاني من عام 2021، ارتفعت من 25.3 مليون طن في الفترة نفسها قبل عام، ويوضح تقرير أوابك العديد من الدراسات التي تنبأت بأن مصر ستصبح لاعباً رئيسياً ومنافساً بارزاً في سوق الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.

تمتلك مصر 2.186 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وفقاً لشركة BP وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، مما يجعلها في المرتبة الـ16 على مستوى العالم. وتعادل هذه الاحتياطيات حوالي 1.6 مليار طن من الغاز الطبيعي المسال.

باختصار، قد يبدو هذا الرقم ضخماً، لكنه لا يضع مصر بين الدول العربية الرائدة من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، مثل قطر والسعودية والإمارات والجزائر والعراق. ويوجد في الشرق الأوسط أيضاً دولة غير عربية غنية بالغاز هي إيران. وعلى المستوى العالمي، تتصدر روسيا القائمة باحتياطي يبلغ 47.8 تريليون متر مكعب.

يعد الاستهلاك المحلي المحدود إحدى خصائص العديد من كبار منتجي ومصدري الغاز الطبيعي وهو ما لا ينطبق على مصر، التي تستهلك 158 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، مقارنة باستهلاك قطر والجزائر اليومي البالغ 96 مليون متر مكعب 

و118 مليون متر مكعب على التوالي.

كيف تستفيد مصر من دول الجوار؟

يمكن اعتبار مصر حالة خاصة من حيث إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره. فهي لا تستمد موقعها الحالي كمصدر ناشئ للغاز الطبيعي المسال أو كمصدر محتمل له كلاعب رئيسي في سوق الغاز من إنتاجها أو احتياطياتها الضخمة، كما تفعل معظم الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال. بدلاً من ذلك، فإن مكانتها هي نتيجة كونها محاطة بمصدرين أصغر، وإمكانياتها غير المستغلة في مجال تسييل الغاز، وعلاقاتها الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي.

شجع قرب مصر الجغرافي من كل من قبرص وإسرائيل، اللتين تطمحان إلى تصدير فائض إنتاجهما من الغاز إلى أوروبا، على إبرام اتفاقيات بين كل منهما ومصر. وتنص هذه الاتفاقيات على أن قبرص وإسرائيل ستصدران فائضهما إلى مجمعات تسييل الغاز المصرية في إدكو ودمياط، ثم تقوم مصر بتسييله وتصديره إلى الاتحاد الأوروبي، وقد تسير اليونان في نفس الطريق قريباً.   

إن توافر سعة التسييل غير المستغلة لا يميز مصر فقط عن دول شرق البحر المتوسط ​​والعراق. إنما يمكن أن تكون إحدى الميزات التنافسية لمصر على دول مثل روسيا والجزائر، خاصة إذا كان التركيز على الصادرات إلى الدول الأوروبية، التي تفضل الغاز الطبيعي المسال حالياً، علاوة على ذلك، تتمتع مصر بتاريخ طويل من العلاقات المستقرة مع الاتحاد الأوروبي، على عكس روسيا، التي فُرضت عليها عقوبات اقتصادية من قبل الكتلة منذ عام 2014 بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا، وتفاقت هذه التوترات في ظل الوضع الحالي عقب اجتياح روسيا لأوكرانيا والموقف الأمريكي – الأوروبي المعارض لهذا الاجتياح.  

في ضوء العوامل المذكورة أعلاه، يبدو من المرجح أن تلعب مصر دوراً رئيسياً ومتزايداً في تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال، لا سيما بالنظر إلى أن فائض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي الذي وصل إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً في عام 2021، بطاقة إنتاجية تبلغ 7.2 مليار قدم مكعب مقارنة 

باستهلاك 5.6 مليار قدم مكعب.

تطورات سياسات الغاز الطبيعي في مصر

قد يكون لسياسة مصر في التعامل مع مورد الغاز فيها الدور الأساسي في الحالة التي مرت بها ثروة الغاز المصري، ففي في العام 2013 كان الغاز يشكل نسبة 51.5% من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يُستخدَم في إنتاج 76.8% من التيار الكهربائي الذي يتم توليده. لم يكن هذا الاعتماد على الغاز الطبيعي يطرح مشكلة عندما كان هناك فائض في مصر. وفقاً للمراجعة الإحصائية التي وضعتها شركة "بي بي" عن الطاقة العالمية للعام 2015، بلغ الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي الذروة مع 6.06 مليار قدم مكعب في اليوم في العام 2009، عندما كان معدّل الاستهلاك لا يتعدّى 4.11 مليار قدم مكعبة في اليوم. لكن بحلول العام 2014، كان إنتاج الغاز المحلي قد تراجع بنسبة 22.3% ليصبح 4.71 مليار قدم مكعبة في اليوم .

شهد العام 2015 ثلاثة تطورات مهمة قلبت الأوضاع رأساً على عقب بالنسبة إلى إمدادات الغاز الطبيعي في مصر:

 أولاً، بدأت مصر خلال العام 2015 تسلم شحنات من الغاز الطبيعي المسال من عدد من شركات النفط والغاز الدولية، منها "بي بي" و"شيل" و"بتروتشاينا"، عن طريق وحدتَين عائمتين للتخزين وإعادة التغويز تتيحان لمصر حالياً استيراد 0.70 مليار قدم مكعبة إضافي يومياً عبر كل واحدة منهما.

 ثانياً، في أغسطس/آب 2015، اكتشفت شركة الطاقة الإيطالية "إيني" حقل غاز "عملاقاً" في البحر المتوسط في أحد المواقع حيث حصلت من الحكومة المصرية على امتياز للتنقيب.

 ثالثاً، أُحرِز تقدّم كبير نحو التوصل إلى اتفاق بين مصر وإسرائيل وعدد من شركات الطاقة في القطاع الخاص من أجل تصدير الغاز من حقل لوثيان بواسطة أحد خطوط الأنابيب إلى مصر.   

وقد ترتب على ذلك أن كشفت مصادر بوزارة البترول المصرية في منتصف سبتمبر/أيلول 2018 وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والتوقف عن الاستيراد .

مصر وإسرائيل والغاز الطبيعي.. من الرابح؟

بدأت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين مصر وإسرائيل في عام 1980، ففي 8 مايو/أيار 1980، وبعد التوقيع على معاهدة السلام، وافق البرلمان المصري على الاتفاق التجاري الأول مع إسرائيل. وتمّ تشكيل عدد من اللجان المشتركة لتعزيز المشاركة في مختلف القطاعات، إلا أن التعاون الفعلي بقي ضئيلاً خلال فترة الحكم الطويلة للرئيس الأسبق حسني مبارك.

في عام 2005، وقعت الشركة القابضة للغاز (بصفتها ممثلاً للحكومة المصرية) اتفاقاً مع شركة إي إم جي لتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لإسرائيل، ولمدة 20 عاماً. وخرجت احتجاجات واسعة في مصر ضد هذه الاتفاقية، حتى إن حملة تأسست باسم "الحملة الشعبية لوقف تصدير الغاز المصري (لا لنكسة الغاز)". وخاضت الحملة نزاعاً قضائياً أمام الحكومة المصرية، في محاولة لإلغاء الاتفاقية وإلزام الحكومة بوقف التصدير. وكان من بين النقاط الأكثر إثارة للجدل آنذاك هي سعر بيع الغاز لإسرائيل، الذي تحدد عند سعر يتراوح بين سبعين سنتاً و1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. في حين أن تكلفة إنتاج نفس الكمية تبلغ 2.65 دولار. لكن الاتفاقية نُفذت بالفعل وبدأ ضخ الغاز عبر خط عسقلان-العريش في فبراير/شباط عام 2008. وقُدر آنذاك أن مصر تمد إسرائيل بحوالي 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.

لكن وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني بدأ ما سمي بهجمات "الملثم" في فبراير/شباط 2011 استهدفت خط عسقلان-العريش، إذ تعرض على مدار حوالي عام ونصف للتفجير أكثر من 15 مرة. وفي كل واقعة تفجير، كانت المسؤولية توجه لمجموعة من "الملثمين" مجهولي الهوية. ثم في أبريل/نيسان عام 2011، وجه رئيس الوزراء آنذاك، عصام شرف، بمراجعة كل عقود تصدير الغاز بما في ذلك التعاقد مع إسرائيل والأردن. وفي أبريل/نيسان 2012، أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز إلغاء اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل.

وصدر حكم قضائي في يونيو/حزيران 2012 ضد وزير البترول المصري السابق، سامح فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم، بالسجن 15 عاماً في قضية تصدير الغاز لإسرائيل. وذكرت المحكمة أن كلاً منهما تورط في تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة "كبّدت الدولة قرابة 715 مليون دولار". لكن بعد قرابة ثلاث سنوات من النقض وإعادة المحاكمة، تمت تبرئة المتهمين في فبراير/شباط 2015.

 بداية جديدة للتعاون

أما في فبراير/شباط 2018 أعلنت شركة "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية عن توقيع عقد لمدة عشر سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي لمصر، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضاً علاقاتها الإقليمية، واصفاً الاتفاق بأنه "يوم عيد"،  

 من جانبه، علّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الضجة التي أُثيرت حول قضية استيراد الغاز من إسرائيل، قائلاً إن الحكومة ليست طرفاً في هذا الموضوع وهو أمر يخص القطاع الخاص، وبحسب ما ذكرت "بوابة الأهرام"، والتي نقلت عن  الرئيس المصري أن عملية تسييل الغاز ومشتقاته إما كانت تحدث في لبنان أو إسرائيل أو قبرص أو تركيا أو مصر.. لكن مصر هي التي أحرزت "جول كبير جداً" بالنجاح في الاستفادة من الغاز الذي يخرج من دول المتوسط، عبر المنشآت البترولية المصرية، على حد تعبيره، وتابع: "سمحنا للشركات الخاصة بأن تستورد الغاز من هذه الدول ثم تستخدم المنشآت البترولية المصرية في عمليات التكرير والتسييل والمعالجة والتنقية، على أن يتم تصديره مرة أخرى"، مشيراً إلى أن بلاده ستستفيد مادياً من كل هذه المراحل.

وفي سبتمبر/أيلول 2018 أعلنت شركتا "ديرليك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأمريكية أنهما وشركة غاز شرق المتوسط المصرية، ستستحوذ على 39% من الشركة المالكة لخط أنابيب الغاز الطبيعي الذي بين مصر وإسرائيل، مقابل 518 مليون دولار، وقالت الشركتان، في بيانين على موقعهما الإلكتروني، إن الاتفاقية الجديدة تكفل إعادة تشغيل خط الغاز بين البلدين، خلال فترة العقد الذي سبق أن وقعته شركة دولفينوس لاستيراد الغاز من حقلي "تمارا" و"ليفاتان" الإسرائيليين لمدة 10 سنوات، كما ستتنازل الشركة عن دعوى التحكيم التي سبق أن تم الحكم فيها بتعويض ضد هيئة البترول المصرية والشركة المصرية للغاز الطبيعي "إيجاس" بقيمة 1.75 مليار دولار بسبب وقف تصدير الغاز عام 2012، على أن "يدفع الجانب المصري المبلغ على فترة 8 أعوام ونصف، مقابل أن يتنازل الجانب الإسرائيلي عن جميع مطالبه التي أقرها التحكيم في عام 2015″.

وزاد الجدل بشأن الصفقة ومبرراتها تأكيد الخارجية الإسرائيلية أن هذا الغاز مخصص للاستخدام في السوق المحلي المصري بخلاف المعلن من قبل الجانب المصري بأنه للتصدير الخارجي. ويتعارض هذا التأكيد مع ما أعلنه مسؤولون مصريون في أوقات سابقة عن اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي وتصديرها الفائض، وسعيها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، ويشكك في تقارير صادرة عن وزارة البترول تؤكد تلبية كامل احتياجات الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي.

وبدأت إسرائيل تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر فى شهر يناير/كانون الثاني 2020 بموجب إحدى أهم الصفقات التي جرى إبرامها بين الدولتين منذ إقرار السلام قبل عقود. ويتم توريد الغاز عبر خط أنابيب يمتد تحت البحر يربط بين إسرائيل وشبه جزيرة سيناء المصرية، الأمر الذي وصفه وزير البترول المصري بأنه "يمثل تطوراً هاماً يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكّن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية، وذلك في إطار دور مصر المتنامي كمركز إقليمي للغاز"، مؤكداً أن الهدف منه هو التصدير.

 المخابرات والغاز

لكن على الجانب الآخر، هناك تحليل مغاير للقصة يقدمه أحد وكلاء وزارة الطاقة مفاده أن الحديث عن الاكتفاء الذاتي لمصر وتصدير الفائض يومياً هو محض تلاعب بالحقائق. فالغاز ليس ملكاً للبلاد كما يسوقون، الغاز المصري يتم اقتسامه بنسب بين الشركة المنقبة، فمثلاً حقل ظهر تمتلك مصر (ممثلة في الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"). ما يقرب من 40% فقط من إنتاجه أما الباقي فموزع بين شركات إيني الإيطالية، بريتيش بتروليوم البريطانية، روزنفت الروسية، ومبادلة الإماراتية. 

هذه الشركات يحق لها بيع المنتج إما إلى الحكومة المصرية، أو تصديره للخارج، وهو ما يحدث بالفعل، الجدير بالذكر أنه قد تم تمرير القانون رقم 100 لسنة 1971 الخاص بجهاز المخابرات العامة في فبراير/شباط 2022، وفتحت التعديلات الباب لمزيد من القدرة على ممارسة النشاط الاقتصادي، بعد أن منحت الجهاز الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء أو أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات، الأمر الذي انعكس بقوة في ملفات الغاز، فمعظم اتفاقات الغاز وخصوصاً مع إسرائيل ومنذ نشأة العلاقات في هذا الملف تتم بواسطة المخابرات المصرية وليس الوزارة.

وتم توظيف ملفات الغاز لحل مشكلات وأزمات معقدة، ومنها أزمة الحكم الدولي الصادر ضد مصر بدفع غرامة قدرها 1.7 مليار دولار لشركة كهرباء إسرائيل نتيجة للإخلال بالعقد المبرم بين مصر وإسرائيل في 2005،  وأزمة الحكم الصادر ضد مصر بدفع ملياري دولار كتعويض لشركة "يونيون فينوسا" الإسبانية عن توقف إمداد الغاز المصري إلى محطة إسالة دمياط والتي تمتلك مصر 20% منها فقط والباقي ملك الشركة الإسبانية. ومن هنا أتت الفكرة كحل بدا عبقرياً للمفاوض المصري لتسوية كافة النزاعات بضربة واحدة؛ يستورد الغاز الإسرائيلي في مقابل تسوية القضية معها، ويتم تسييله في محطة دمياط في مقابل تسوية القضية مع الإسبان.

 اتفاقية مصر وإسرائيل لنقل الغاز للاتحاد الأوروبي

 وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2022 مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب التوقيع، إن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أجبرت المفوضية على تنويع مصادر الطاقة، مشيرةً إلى أن المفوضية تدعم مصر لتكون مركزاً إقليمياً لنقل الطاقة. 

من جانبها، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار: "إن هذا الاتفاق الأولي يدلل على أن مصر وإسرائيل تلعبان دوراً محورياً لتأمين احتياجات الطاقة للشركاء الأوروبيين"، وتوقع مسؤولون زيادة شحنات الغاز من مصر إلى الاتحاد الأوروبي بموجب هذا الاتفاق، لكنهم يرجحون أن الأمر قد يستغرق سنتين على الأقل حتى ينعكس أثر هذه الزيادة بشكل واضح على الصادرات المصرية، ويُعد هذا الاتفاق اعترافاً بالدور الرئيسي الذي يلعبه الغاز الطبيعي في سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030.

الرابح إسرائيل ودلافين الوطنية في مصر

استعراض البيانات والمعلومات والرؤى للمتخصصين والخبراء تؤكد أن "إسرائيل" هي المستفيد الأكبر من الاتفاق من الناحيتَين الاقتصادية والجيوسياسية، فالصفقة المبرَمة تعدّ فرصة هائلة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في مصر، إذ إنها لا تملك منشآت لتسييل الغاز، الأمر الذي يعني أنه بدون مصر لن تكون استفادة إسرائيل كما هي الآن، الأكثر خطورة من ذلك أن مصر بهذه السياسة تسهم في أن تكون إسرائيل لاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمي، لا سيما السوق الأوروبي، وما سيجلبه لها ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة. فهذه الاتفاقية بجانب أنها تعفي تل أبيب من كلفة بناء بنية أساسية لتسييل الغاز بميزانيات باهظة، فإنها تجنّبها كذلك المخاوف البيئية الناجمة عن وجود مثل تلك المصانع وسط الكتلة السكانية، فضلاً عن المخاوف الأمنية من سهولة استهدافها من قبل المقاومة بما يهدد أمن واستقرار المستوطنين، فالأمر بين مصر وإسرائيل يجب ألا تحدده فقط العوائد المالية، خصوصاً أن بين البلدين العديد من الملفات التي يجب حسابها بدقة بعيداً عن حسابات صغار التجار في الحواري والأزقة المصرية. 


المصدر: عربي بوست