2024-11-27 05:57 م

هل سقط وهم الخلافة العثمانية في الأذهان وهل سيتوقّف الطّرق على الباب العالي؟

2022-08-19

بقلم: كمال خلف
بعد مفاوضات وحوار وتبادل للزيارات أعلنت انقرة وتل ابيب عودة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بين الطرفين، واعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد أن إسرائيل وتركيا قررتا تبادل السفراء. وليس خافيا حجم الخلافات التي حكمت العلاقة بين الطرفين خلال السنوات الماضية والتي يؤرخ لها المتابعون للملف من اللحظة التي اشتبك فيها الرئيس رجب طيب اردوغان كلاميا مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتدى دافوس عام 2009. هذه الحادثة كانت بداية دخول اسم الرئيس” اردوغان” الى البيوت العربية باعتباره نموذجا واعدا من القادة ممن ينتصرون للقضية الفلسطينية، القضية الرازحة في وجدان الشعوب العربية والمسلمة. كانت فلسطين بوابة الترحيب العربي بالدور التركي آنذاك.

جاءت حادثة مجزرة “سفينة مرمرة” المتجه لكسر الحصار عن قطاع غزة في مايو 2010، حيث قتل الجنود الإسرائيليون عدد كبير من النشطاء على متن السفينة وبينهم مواطنون اتراك، لتدشن مرحلة من تدهور العلاقة بين انقرة وتل ابيب، سرعان ما تحولت الى قطع للعلاقات الدبلوماسية.

عربيا وفلسطينيا تم ربط حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركية وصاحب الجذر الإسلامي بهذا التحول، على الرغم من ان الحزب يحكم تركية منذ العام 2002، وخلال السنوات الثمانية قبل قطع العلاقات مع إسرائيل، كان التعاون وثيق بين تل ابيب وانقرة، والمناورات العسكرية المشتركة بين الجيش التركي والإسرائيلي تجري بشكل منتظم، كما حاولت تركية العدالة والتنمية لعب دور الوسيط بين سورية وإسرائيل في قضية الجولان السوري المحتل عامي 2008 – 2009.

لم يكن دعم الفلسطينيين بحدود الممكن، والتعامل بشكل مميز وخاص مع الشعب الفلسطيني حكرا على العدالة والتنمية خلال وصوله الى سدة الحكم، كما يصور ويتصور البعض من أبناء جلدتنا، دأبت الحكومات السابقة على اختلاف توجهاتها والشعب التركي وجمعياته الاهلية ومؤسساته المدنية على ذلك، رغم العلاقة القائمة مع إسرائيل. ولك ان تتصور ان اول رئيس وزراء تركي زار إسرائيل كان في العام 1994، كانت رئيسة الوزراء “تانسو تشلير” من فعل ذلك بعد ثلاثة وعشرين رئيس وزراء تركي تعاقبوا على الحكم.

بيد ان توجه تركية العدالة والتنمية شرقا نحو المنطقة العربية بعد اغلاق الاتحاد الأوروبي الباب امام حلم الانضمام التركي اليه، مع ايقاظ التاريخ المشترك العربي التركي، وطيف الخلافة الأخيرة في تاريخ المسلمين، وزيادة انخراط انقرة في القضايا العربية، وصولا لتسلمها زمام ناصية حركات الإسلام السياسي مع دخول المنطقة العربية عصر ما عرف “بالربيع العربي”. وتدخل تركية المباشر في النزاعات الداخلية. كل ذلك جعل جزء من النخبة العربية، تقودها التيارات الإسلامية، وبشكل خاص تيار الاخوان المسلمين تضفي على الرئيس اردوغان صورة الخليفة العثماني العائد بامجاد التاريخ الغابر. واعتبار انقرة المعادل العصري” للاستانة” قاصدين بابها العالي، للمبايعة، وطلب الدعم والمساندة والنصرة في الصراعات الداخلية. بل والذود عن مصالح تركية في بلدانهم، والضرب بسيفها، ورد كل منتقد لها، او مخالف لسياساتها، مع حلم التكامل لتحقيق مشروع ترسيخ نموذج الإسلام السياسي التركي في عموم المنطقة العربية ولو بالقوة.


شكل موقف تركية ” اردوغان” الداعم سياسيا للفلسطينيين، مع تفضيل وتقريب حركة حماس، مقابل العلاقة المتردية والمقطوعة مع إسرائيل، ذخيرة للدفاع عنها عربيا، وترويج خيرات مشروعها، الذي اعتبروه مباركا واضفوا عليه هالة التاريخ واحلام المستقبل. تلك حقبة ماضية الى أفول وفق ما نشهده من احداث. فتركية من الواضح انها تعيد تموضعها السياسي، وقد جهدت لاعادة العلاقة مع مصر والسعودية والامارات بعد عداء السنوات الماضية. وتفاصيل الخلافات والمواقف خلالها معروفة ولا داعي لعرضها. وهي شرعت بالبحث عن المسار الصحيح لحل الخلاف مع سورية رغم تعقيدات الملف، ونعتقد ان مفتاح عودة العلاقة مع دمشق يكمن في الانسحاب التركي من الأراضي السورية.

اما إعادة العلاقة كاملة مع إسرائيل فله وقعه الخاص ومعناه المختلف. اغلب الخبراء حسب المتابعة أشاروا الى ان الغاز في شرق المتوسط في ظل السياق الدولي والاقتصادي هو كلمة السر في عودة العلاقة بين تل ابيب وانقرة، وهذا الرأي قد يكون له وجاهة. الا ان وجوب ربط هذا التطور وفق قواعد التحليل السياسي بالمشهد الكلي، والمسار العام للسياسة الخارجية التركية، يؤشر الى ان الفوائد الاقتصادية ليست سوى جزء في استراتيجية تركية جديدة، قائمة على البراغماتية وإعادة صياغة العلاقات الخارجية وفق المصالح والظروف، والتماهي والتكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية والوقائع الموضوعية.

عودة العلاقة مع إسرائيل ختمت حقبة فيها من الأمال والعواطف والنظريات والاوهام الكثير الكثير.

قد تصاب بعض الاطراف عربية بالخذلان من موسم المراجعات التركية في ملفات مختلفة. فلا خلافة قامت ولا خليفة نادى هل من مبايع ولا باب عالي ينتظر الطارقين عليه طلبا للسلطة. ففي تركية لكل حقبة ظروفها وسياساتها ومفردتها.

اما الشعب الفلسطيني فلن يعتريه الخذلان مطلقا مع عودة العلاقات التركية الإسرائيلية الى سابق عهدها، فقد خذلهم بعض الاخوة العرب قبل هذا وناصبوهم العداء ووقفوا في صف محتل ارضهم، وما لانت عزيمتهم، فقد ادركوا ان الاعتماد على النفس والوقوف خلف المقاومة هو الطريق لتقرير المصير ومن يقف متضامنا وناصرا في هذا العالم الظالم فحيّاه الله.