بقلم: نبيه البرجي
أورهان باموق، التركي الحائز على نوبل في الآداب، لاحظ أن «مشكلتنا في أن بعض كبار قادتنا لا يمتلكون فقط أفئدة الذئاب، وانما أيضاً رؤوس الذئاب. الذئاب اياها التي تعتقد أنها اذا نامت، ولو لبرهة ماتت»، داعياً لـ «اعادة السيف العثماني الى غمده لأن السلاطين لن يخرجوا من قبورهم، ولو بقينا نقرع الطبول الى الأبد»..
كلام باموق جاء تعقيباً على نظرية أحمد داود أوغلو حول «النيوعثمانية»، وقد ظل ينفخ في رأس رجب طيب اردوغان الى أن رأى في نفسه خاقان البحر وسلطان البر، وبالمدى الجغرافي للسلطنة التي راحت تناثرت قطعة قطعة منذ بدايات القرن التاسع عشر.
دمشق بالذات هي البوابة الى السلطنة آنذاك، سأل الصحافي البارز جنكيز تشاندار « أتتصور، أيها الرئيس، حتى لو أبدلت العمامة الاسلامية بالقلنسوة اليهودية أن «اسرائيل» ستقبل بأن تضع يدك على سوريا لتصل دباباتك الى حدودها، وان كانت راية الهلال والنجمة ما زالت ترفرف الى جانب نجمة داود منذ أيام عصمت اينونو ودافيد بن غوريون» ؟
أوغلو كان يرى أن استعادة السلطنة، ان بالبعد الايديولوجي أو بالبعد الجغرافي، لا يكون بالقنابل النووية الخمسين في قاعدة انجرليك الأميركية، بل أن تكون لتركيا قنبلتها الخاصة على غرار باكستان، وعلى خطى ايران، كون البلدان الثلاثة تشكل القوس الاسلامي في منطقة تعتبر الأكثر حساسية والأكثر هشاشة في العالم . بالفعل اقتنع اردوغان بفكرة أوغلو قبل أن تنصحه أنغيلا ميركل بألاّ «يطلق النار على قدميه»!
لسنوات طويلة، ظل هاجس السلطنة يلاحق رجب طيب اردوغان بعدما اعتبر أن «الاخوان المسلمين» الذين تأثر بافكارهم يمكن أن يشكلوا النيوانكشارية. الهاجس ما لبث أن راح يتلاشى، لتتحول الجماعة الى عبء، وحتى الى عبء استراتيجي . وكانوا يمثلون الرهان الذهبي للاستيلاء في غضون أيام على السلطة في سوريا لتشكل مع مصر «قوة الصدم» التي تفكك سائر البلدان العربية ...
المعارضون الأتراك كانوا يصفونه بالثعلب الأميركي، قبل أن يتبين له أن الأميركيين أحاطوه بالخطوط الحمر. هكذا الرقصة التركية داخل حلقة زجاجية. توجه نحو فلاديمير بوتين، وحصل، وهو العضو في حلف الأطلسي، عل منظومة «اس «اس ـ 400 «. آنذاك وصفت «النيويورك تايمز» اردوغان بـ «رجل الروليت الروسية». بالكثير من الهلع قرأ ما كتبته الصحيفة، ليكتشف أن ثمة في واشنطن من يتوعد بازالته ...
واذا كان المعارضون السوريون رأوا في أنفسهم أكياس القمامة على أرصفة اسطنبول (هكذا قال لي أحدهم)، بدأ «الاخوان المسلمون» التشكيك بمواقفه وبسياساته، بعدما مد يده الى مصر والسعودية والامارات، لينتقلوا الى الهجوم عليه، ما حمل أحد صحافيي «العدالة والتنمية» على وصفهم بـ «جرذان الأقبية».
الصدمة الكبرى كانت عندما رفضت ادارة جو بايدن، وبفظاظة، محاولته مد أنابيب الغاز «الاسرائيلي» الى أوروبا عبر الأراضي التركية. وبالرغم من أن دعوة اسحق هيرتسوغ لزيارة أنقرة كمدخل لاطلاق مشروعه، بدت بمثابة الخنجر في ظهر فلاديمير بوتين، فقد نقلت معلومات ديبلوماسية قول الرئيس الروسي له، تريد أن تتفادى الزلزال الداخلي الذي ينتظرك اذهب الى دمشق، لا على حصان السلطان وانما سيراً على الأقدام.
هو الذي فتح أبواب سوريا أمام تلك الحثالة الآتية من ليل الصفيح، ماذا تراه يفعل ببقايا النيوانكشارية، وماذا تراه يفعل مع المشكلة الوجودية التي يمثلها الأكراد سوى التنسيق مع دمشق ؟
لقاء مولود شاويش أوغلو مع فيصل المقداد، حتى ولو كان «على الواقف»، أو «لدقائق قليلة»، يعني أنه يدق باب بشار الأسد الذي لديه شروطه. هل يمكن لتلك الفصائل التي باعت أهلها للثعبان، أن توصف بالمعارضة ؟
حتماً نرحب بعودة السيف العثماني الى غمده . لكن سوريا تعاني ما تعانيه من ذئاب الخارج، كما من ذئاب الداخل . دور رجب طيب اردوغان أكثر من أن يكون قذراً . كيف للسوريين أن يصفحوا، أو أن ينسوا ؟
الكرملين ينصح بالقفز فوق الجراح. العلاقة الطبيعية مع أنقرة تريح سوريا، وتريح السوريين، ولكن ما العمل مع تلك الحثالة ؟!
(الديــار)