2024-11-27 07:56 م

للمرة الألف.. قيادات المقاومة غير منضبطة

2022-08-12

بقلم: د. وليد عبدالحي
أعلم وبقدر كبير صعوبة وتعقيدات الواقع الذي تعيشه المقاومة، واعلم الفجوة الكبيرة في موازين القوى بينهم وبين أعدائهم من صهاينة ومن ذوي القربى.. وأعلم ان غزة تعيش ظروفا لا يطيقها الا من كان ايمانه بوطنه راسخ كالجبال، ولكن ذلك يستوجب الوقوف عند نقطة أراها مهمة وهي “الانضباط في الخطاب السياسي” لقادة المقاومة.
في كل ما قرأته من دراسات، يعرف الباحثون ميزان القوى بأنه محصلة لثلاثة ابعاد: القوى المادية (جيش وسلاح واقتصاد وسكان وجغرافيا…الخ) والقوى المعنوية (الايمان بالقضية، مستوى المعرفة والعلم، ودرجة التضامن الداخلي في المجتمع، ومستوى الديمقراطية في اتخاذ القرار.. الخ.
اما البعد الثالث فهو “فن ادارة المعركة”.
ومن ضمن مقومات فن الادارة الحربية هو البعد الاعلامي.. ومن ضمن الاعلامي “الخطاب السياسي” الذي يتمثل في الخطابات السياسية والتصريحات والبيانات التي يلقيها المسؤولون.
اقول وبكل صراحة ووضوح، وبعيدا عن التطاول وعن الادعاء، ان قيادات المقاومة غير منضبطة في تصريحاتها وبياناتها، وان المسافة الفاصلة بين ما يقولون وما يستطيعون مسافة اراها بدلا من ان تضيق فانها تتسع.
وقد جمعت حتى الآن 52 تصريحا لقيادات الفصائل الرئيسية في غزة، (وستنشر لاحقا) وحاولت ان اقوم بتحليل المضمون لها والتركيز على مفرداتها، وقد لا حظت ما يلي:
1- ان “بعض” التصريحات عالية النبرة هي جزء من
“مماحكات داخلية بين الفصائل او داخل الفصيل الواحد”.
2- ان الخطابات في الغالب ليست معدة مسبقا ولا يجري حوار حولها قبل طرحها.
3- ليس هناك نقاط محددة يجب الالتزام بتناولها وعدم الخروج الى موضوعات لم يجر نقاشها داخل هيئة صنع القرار.
4- الصراخ والتهديد والوعيد استجداء للتصفيق احيانا، واستجابة لرغبات العقل الباطن للمسؤول احيانا اخرى.
5- الاعجاب بالرطانة والتعبيرات البلاغية على حساب تداعيات الخطاب.
6- الخلط بين التعبئة المعنوية وبين الدعاية السياسية وبين الموقف السياسي.
وبعيدا عن الاسماء، والتنظيمات اقول: ان عبارات خط احمر، وسنزلزلهم، وانتظروا المفاجآت، وسنقلب الطاولة على رؤوسهم، وسنشل الكيان بكامله، والنصر قريب  قريب، ومبالغات دور الغرفة المشتركة…الخ، تضر اكثر مما تنفع.
ان تصريحات بعض قادة التنظيمات – مع كل التقدير والاحترام – هي انعكاس لثقافة لا تميز بين حروب “السيف” التي تعتمد بشكل اساسي على شجاعة حامله، او قوة الجواد الحامل له وبين حروب يديرها العلم والتخصص الدقيق، فالحرب الان تدور بالعقول والتخطيط المعقد جدا في ظل تداخل المعطيات وانعكاساتها على بعضها، ومن ابرز هذه الجوانب الحرب النفسية.
 وهنا اسأل: كم خبير نفسي يشرف على وحدات الاعلام الفلسطيني، هل عرض اي مسؤول فلسطيني تصريحاته او بياناته على متخصص في الحرب  النفسية قبل اصدارها؟
أتمنى ان يقرأ مسئولو  المقاومة مذكرات مارغريت ثاتشر لمعرفة وزن علماء النفس في صياغة خطاباتها او تصريحاتها.
 وتكفي هنا الاشارة الى العناصر التي يجري بحثها عند صياغة البيان او الخطاب او التصريح:
1- تحديد الهدف المركزي للخطاب.
2- تحديد المفردات  والمصطلحات او المفاهيم التي تخدم الهدف اكثر من غيرها والالتزام بذلك.
3- ممارسة قياس اثر الخطاب سلبا وإيجابا على الجبهة الداخلية وعلى جبهة العدو او الطرف الآخر.
4- اختيار زمن ومدة الخطاب وتفسير اسباب الاطالة او التقصير واسباب اختيار الزمن.
5- تحديد من يقول في شأن معين.
والآن انتقل البحث الى الاعلام الرقمي، وكيفية توظيفه، وماذا اقول على تويتر او الفيسبوك…الخ، ومتى اقول ..الخ.
 واتمنى ان نطلع على العديد من الدراسات التي تتناول موضوع فن الخطاب السياسي في لحظات الازمة (دراسة Galina A. Kopnina) ومجموعتها عن الخطاب السياسي الروسي خلال الازمات، او الدراسات التي تنشرها مجلة Journal of Advanced Military Studies عن الحروب المعاصرة والعلاقة بين الخطاب السياسي والحرب النفسية او الدراسة الصادرة عن جامعة سويدية تحت عنوان Israel’s usage of Psychological Warfare against Hezbollah.. أو دراسة (Lisa M. Brennen) وعنوانها
” Hezbollah: Psychological Warfare Against Israel” .. الخ من مئات الدراسات في هذا المجال.
اتمنى ان يكون لتنظيمات المقاومة –لكل تنظيم- وحدة اعلامية وبها خبراء علم نفس، وان يكون لهذه الوحدة دور في دراسة الخطاب او التصريح قبل صدوره من حيث ضبط الخطاب طبقا للنقاط الخمس التي اشرت لها في الفقرات السابقة.
أما ارتجال المواقف والمفردات فهذا يصلح في سوق عكاظ لا في سوق “السايبورغ”.(Cyborg).
لقد أدارت المقاومة المعركة – اعلاميا- بشكل ترك شكوكا وهواجس لدى جمهور المقاومة اكثر مما ترك تعميقا للثقة بالنفس أو تاثيرا على العدو.. اما الأداء في الميدان العسكري فهذا شأن آخر ويحتاج لمناقشة مختلفة.
كاتب اردني

رأي اليوم