بقلم: نبيه البرجي
الفصائل الفلسطينية، دون استثناء، اما رهينة ترهل، وبيروقراطية، وزبائنية، السلطة، او رهينة الدوامة الجيوسياسية، والجيوستراتيجية، التي تدور فيها المنطقة دون أي بارقة في الأفق.
برنارد لويس، المستشرق الأميركي، الذي طالما جلس القرفصاء في رؤوس العديد ممن تعاقبوا على مراكز التخطيط، كما على مراكز القرار، لم يحمّلنا فقط مسؤولية موت التاريخ، أيضاً، وبكل فظاظة، وبكل فظاعة، المسؤولية عن موت الله في الشرق الأوسط !!
لم نعد حملة القضايا، ولا حملة البنادق، بل حملة الأزمات، وحملة الخناجر. لا قضية فلسطينية بل أزمة فلسطينية، مثلما لا قضية لبنانية بل أزمة لبنانية. هكذا يقول أصدقاؤنا في الغرب . يحق لكم أن تسخروا من عبارة «أصدقاؤنا في الغرب». لم يعد هناك الفيلسوف جان جينيه الذي صرخ بين القبور في صبرا وشاتيلا أيها البرابرة، ولا مثل روجيه غارودي يشق أمامنا الطريق الى ... ألأمل .
الكتاب، والصحافيون، والفلاسفة، هناك، بمن فيهم كتّاب عرب (أدونيس، والطاهر بن جلون، وأمين معلوف ...) لا يرف لهم جفن أمام جثث الأطفال في غزة، وقد ضاعت تحت الحجارة . ذات مرة أصابت شظية في عسقلان عنق طفل اسرائيلي. للتو استعاد الفيلسوف اليهودي آلان فينكلكروت، مشهد المحرقة (الهولوكوست). العيون ميتة، لترى الهولوكوست الفلسطيني .
جثثنا، لكثرتها، لم تعد تهز أحداً، لا في العالم، ولا في العالم العربي الذي ما زال اياه. بيانات شجب وتنديد، وبكائيات، وعنتريات، وتخيلات، على الشاشات، حتى لتحسب عبد الباري عطوان، بكل ضحالته، وبكل انتهازيته، يوحنا فم الذهب أو عبدالله بن المقفع (كم نحن بحاجة الى بيدبا يضيء لنا الطريق الى ... كليلة ودمنة !) .
لا قوة مركزية، ولا دولة مركزية، عندنا. صراعات حول ملء الفراغ (باعتبارنا كثبان الرمل وتذرونا الرياح). تركيا السنية، وايران الشيعية، واسرائيل اليهودية (من يستطيع أن يحصي العرب اليهود ؟
الأقلية المسيحية على طريق الجلجلة حين تبتلى بثقافة السواطير في العراق، وبتكشيرة الحاخامات في بيت لحم، وفي لبنان بأولئك القادة الذين بمواصفات يوضاس، وهو يدفع بالسيد المسيح الى الخشبة ...
نخشى أن تكون قد انتقلت الى حركة «حماس»عدوى الرقص حول الضوء، ووراء الضوء، من «الاخوان المسلمين»، وقد شهدنا أهوالهم في مصر، وفي سوريا، وفي تونس. متى لم يكن ورثة حسن البنا وسيد قطب العربة (عربة العار) التي يجرها حيناً الحصان الانكليزي، وحيناً الحصان الأميركي، وحتى الحصان الاسرائيلي ؟
نستذكر وصف دافيد بن غوريون لغزة بـ»القنبلة الديموغرافية» التي تمنى زوالها من الوجود. أكثر بكثير من أن يكون هناك بابلو بيكاسو ليضع تلك الغرنيكا الأخرى، وحيث تمتزج عظام الأطفال ببقايا التنك، وببقايا الخبز. أين هم أولئك الأوثان الذين فوقنا؟
أزمة فلسطين، وأزمة الفلسطينيين . من هي الجهة الفلسطينية، أو الجهة العربية، التي وضعت تحت أنظار الموساد كل تحركات تيسير الجعبري الذي نعلم من كان يتوجس منه، ويتربص به ؟ ذاك الرداء الفلسطيني، الذي كان يفترض أن يكون الرداء الفولاذي، مليء بالثقوب . بالعين المجردة، تستطيعون رؤية رؤوس الأفاعي وهي تطل من تلك الثقوب .
أجل من قتل الجعبري ؟ ومن قتل أطفال القطاع ؟ أكثر مما نتصور عرب بني غانتس، وعرب آفيف كوخافي . وهذا هو السؤال المنطقي، السؤال الضروري، الذي يدوي في أذاننا، وفي وجوهنا . منذ الأزل، سكاكين العرب تقطع لحوم العرب، وأرواح العرب . لطالما قلنا أن حجر قايين ظل يتدحرج، عبر الأزمنة، الى أن استقر في عقر دارنا .
متى يقتنع هواة الجيوبوليتيكا، بأقنعتهم الزجاجية، في المنطقة، وخارج المنطقة، أن غزة لاتصلح أن تكون للاستخدام التكتيكي، أو للاستخدام العبثي . هل تريدون دليلاً أضافيا على أن الدم يذهب هباء، ولا يخدم سوى حلم بن غوريون بزوال تلك القنبلة البشرية من الوجود ؟
مللنا من قرع الطناجر، ونحن نظن، بعيوننا المقفلة، وبآذاننا المقفلة، أننا نقرع الطبول (طبول الفتح) . الشاشات وحدها من تبتهج بالحدث لأنها تقتات من النيران، ومن الجثث، ومن رماد الهولوكوست الآخر . من هم القادة الذين يعملون من أجل فلسطين ؟ ألواح خشبية ومبعثرة بين البلاط والبلاط .
مات زمن الحجارة، ودفن تحت الورود والثلوج في تلك الليلة الليلاء . الليلة الاسكندنافية ـ أيها السادة ـ
كم نحتاج الى نجوم السريالية في العالم، أو حتى الى فلاسفة اللامعقول، ليصفوا أحوالنا ؟ بصدور مشرعة على كل رياح الأرض لا مشكلة لدينا في اتهام برنارد لويس لنا باغتيال التاريخ وحتى باغتيال ...ألله !!
الديار اللبنانية