د. حسن مرهج
دون أدنى شك، فإنّ زيارة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة إلى دمشق، تحمل الكثير من الأبعاد الإقليمية، أوّلها في التوقيت، لا سيما أنّ المنطقة تشهد تغييرات جذرية في المضمون والأهداف، وثانيها أنّ التطورات بأبعادها الدولية وتأثيراتها على عموم المنطقة، تحتاج إلى تنسيق عالٍ مع دول المنطقة، والأهمّ في كلّ ذلك، أنّ زيارة لعمامرة إلى دمشق، ولقاءه الرئيس السوري بشار الأسد، تؤكد بأنّ سورية الدور والموقع المؤثر، لا تزال الرقم الصعب في الكثير من المعادلات الإقليمية.
هنا لن نتحدث عن الروابط التاريخية بين دمشق والجزائر، فهذا التاريخ تحفظه الأجيال عن ظهر قلب، لتبقى العلاقة بين سورية والجزائر، استراتيجية بالمستويات كافة. ودليل ما سبق، بيان الرئاسة السورية، الذي أكد أنّ سورية والجزائر اتفقتا على تعزيز العلاقات الأخوية المبنيّة على المبادئ والقيم المشتركة والمحطات التاريخية التي جمعت بين الشعبين والعمل على تطويرها في المجالات كافةً، وكذا فقد أوضح لعمامرة في مؤتمر صحافي مع نظيره د. فيصل المقداد أنّ القمة العربية ستعقد في الجزائر يومَي 1 و2 تشرين الثاني، وأنّ الشعب الجزائري مع سورية قلباً وقالباً، وأكد لعمامرة أنّ سورية عنصر أساسي على الساحة العربية، وعضو مؤسّس في الجامعة العربية، وأنّ العالم العربي بحاجة إلى سورية وليس العكس، مشيراً إلى أنّ الجزائر ستكون مع سورية وستنسّق معها في الوضع العربي والدولي خلال رئاستها للقمة كما كانت دائماً.
في جانب مواز، وضمن المنطقية السياسية في قراءة المشهد، فإنّ بعض الدول العربية، تعارض وتمانع حتى الآن، عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وبحسب الأصداء الواردة من العاصمة الجزائرية، فإنّ ملف عودة سورية إلى مقعدها الشاغر بالجامعة العربية «لم يُحسم بعد» من قبل الدول العربية.
وفي خضمّ ذلك، ثمة فرضيتان اثنتان حول احتمال ملء دمشق مقعدها الشاغر في القمة العربية المقبلة في الجزائر مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. الأولى، وهي أن «تُفضي المشاورات المسبقة بين العواصم العربية إلى مشاركة وفد سوري رسمي في القمة العربية للمرة الأولى منذ 10 سنوات». أما الفرضية الثانية التي يراها مراقبون «الأكثر ترجيحاً» في ظلّ استمرار الخلافات بين عواصم عربية هو «إدراج موضوع عودة سورية إلى الجامعة العربية ضمن أجندة القمة العربية للمناقشة والتصويت من قبل قادة وزعماء الدول العربية في قمة الجزائر».
في ذات السياق، فإنّ عدم إشارة بيان وزارة الخارجية الجزائرية لأن يكون ملف القمة العربية المقبلة ضمن أجندة مباحثات لعمامرة مع القيادة السورية عكس ما تمّ الكشف عنه في زياراته السابقة لعدة عواصم عربية، أثار المزيد من الغموض حول احتمالات مشاركة دمشق في قمة الجزائر. والمؤكد أنّ الجزائر التي أوفدت وزير خارجيتها إلى نحو 10 دول عربية في الأشهر الأخيرة، تسعى للوصول إلى توافق عربي حول عودة سورية إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية، خصوصاً بعد تأكيدها رغبتها في أن تكون القمة العربية المقبلة على أراضيها «للمّ الشمل العربي».
وعلى الرغم من الظروف التي تعيشها سورية، إلا أنّ غالبية القوى الإقليمية، تدرك بأنّ دمشق لا يزال بإمكانها لعب دور إقليمي مهمّ في المستقبل القريب، والمتعلق بإعادة التوازنات وإعادة الاستقرار في المنطقة نظراً للعمق الاستراتيجي للدولة السورية، الذي يمكن أن يكون بمثابة جسر جيوسياسي مهمّ يساهم في إعادة التوازنات السياسية في المنطقة التي تعرف تجاذبات وصراعات إيديولوجية ومذهبية كبيرة، بين قوى تسعى إلى بسط نفوذها على المنطقة والسيطرة عيها.
حقيقة الأمر، أنّ المراهنات الكثيرة والتي أُطرت في سياق إخراج سورية من موقعها الإقليمي المؤثر، إلا أنّ كلّ ذلك باء بالفشل، ولا شك بأنّ دمشق والتي تمكنت من إيقاف الهجمة الدولية بأبعادها كافة، ستتمكن من الوصول إلى معادلتها الاستراتيجية في المنطقة، وقد قلنا سابقاً ونكرّره الآن، فإنّ أبواب دمشق مشرعة لكافة القوى الإقليمية والدولية، وستبقى كذلك، خاصة أنّ الموقع الاستراتيجي لسورية لعب تاريخياً في رسم خارطة التوازنات، وها هي دمشق اليوم، تلعب دوراً عربياً جامعاً، وستكون كلمة دمشق مفتاحاً لحلّ جُلّ مشاكل وأزمات المنطقة.
المصدر: جريدة البناء اللبنانية