2024-11-22 08:39 م

يستهدفون مسلمي جيش روسيا.. ماذا تعرف عن القوميين البيض في الجيش الأوكراني؟

2022-03-04

بالتزامن مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوميين البيض في أوكرانيا بأنهم «إرهابيون»، ودعا الجيش الأوكراني لإطاحة حكومة زيلينسكي، وربما قد لا يعرف الكثير أن حديث بوتين عن خطر القوميين البيض ليس أمرًا وليد التوتر الأخير بين البلدين، فوجود هذا التيار اليميني المتشدد بدأ بالتزامن مع أزمة القرم بين البلدين عام 2014.

فمن هم القوميون البيض الذين تحولوا إلى مليشيات مسلحة تحمل السلاح في وجه قوات بوتين، وتستهدف في حملاتها العنصرية مسلمي الجيش الروسي الذين انضموا للحملة العسكرية الروسية الأخيرة؟ حتى إن بوتين قال عنهم أثناء بدء الحرب الروسية على أوكرانيا أنه يستهدف «نزع النازية» عن أوكرانيا.

مليشيا آزوف: من هم القوميون البيض في أوكرانيا؟
يُعرف مقاتلو مليشيات القوميين البيض في أوكرانيا، باسم مقاتلي «آزوف»، وهي مليشيات أحد أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوكرانيا حزب «أبطال أوكرانيا (Patriot of Ukraine)» الذي أسسه اليميني أندري بيليتسكي عام 2005، على أسس عنصرية عرقية تبرز تفوق العرق الأبيض عن باقي الأعراق؛ وهو ما يتطابق مع المنهج النازي الذي قامت عليه النازية في ألمانيا.

مارس حزب أندري بيليتسكي أعمال عنف عنصري داخل أوكرانيا في الفترة من عام 2010 وحتى عام 2014، وشارك بقوات مسلحة في الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا عام 2014، المعروفة باسم «حرب الدونباس»، والتي قام خلالها الجيش الأوكراني بمعاونة تلك المليشيات – مقاتلو آزوف- بمحاربة وإبادة جماعات من المتمردين على الحكم الأوكراني في إقليم دونباس، بحسب الرواية الروسية، بينما كان رد مقاتلي آزوف وقائدهم بيليتسكي أنهم مؤمنون بأنهم ليسوا نازيين لكنهم يحافظون على استقلال أوكرانيا من «التمرد المدعوم من موسكو».

ونفوا – على لسان أحد أفرادهم عام 2014- أن يكون لهم عداء وكراهية مباشرة نحو فكرة «روسيا العظمى» أو حتى القوميين البيض الروس، ولكن عداءهم الأول مع بوتين الذي وصفوه بأنه ليس روسيًّا بل (يهوديًّا) – في إشارة تحقيرية – وفي تصريح آخر للمليشيا قالوا إن حربهم الأساسية ضد الانفصاليين في إقليم دونباس من أجل أوكرانيا مستقلة، وهو ما يشير إلى أن العقيدة القتالية للمليشيا نفسها لم تتلخص في محاربة شعب (أبيض) آخر هو شعب الروس، ولكن توجهت عقيدتهم إلى فكرة (القومية) الأوكرانية ومحاربة الانفصاليين المدعومين من (نظام بوتين)، وهو ما قد يشير إلى أن أهدافهم (السياسية) في أوكرانيا لم ترتبط بعقيدتهم وممارساتهم العنصرية تجاه الأعراق الأخرى.

أبدت بعض التحليلات الغربية – آنذاك في 2014- تخوفها من خطر هذا الفيلق المتطرف في حكومة أوكرانيا على سير العملية الديمقراطية؛ بل وصفتهم صحيفة «الجارديان» البريطانية بأنهم «أعظم أسلحة أوكرانيا التي قد تهددها أيضًا» نظرًا إلى عقيدتهم العرقية المتشددة.

ترشح أندري بيليتسكي للبرلمان الأوكراني لاحقًا في عام 2014، وترك قيادة المليشيات العسكرية المباشرة، ونجح بالفعل في أن يكون عضوًا  بالبرلمان الأوكراني، ثم عاد وأسس في عام 2016 حزبًا يمينيًّا رسميًّا مسلحًا هو «National Corps Party» أو (الفيلق الوطني)، وتلقى تمويلًا مباشرًا من وزراة الداخلية الأوكرانية، واعترفت به الحكومة الأوكرانية رسميًّا عن طريق لجان التطوع البرلمانية بوصفه «قوة تحارب الانفصاليين في أوكرانيا».

هذا بخلاف تقارير أخرى خلصت إلى أن الحزب المسلح تلقى تمويلًا من أحد أبرز رجال الأوليجارشية؛ إيجور كولوميسكي – الذي دعم وموَّل الحملة الانتخابية الخاصة بالرئيس الأوكراني الحالي، والممنوع من دخول الأراضي الأمريكية بسبب تهم متعلقة بالفساد واستغلال السلطة – ثم لم تلبث انضمت مليشيا آزوف رسميًّا – ممثلةً لقوات الفيلق الوطني- إلى قوات الحرس الوطني الأوكراني!

هل مليشيات القوميين في أوكرانيا نازيون حقًّا؟
برغم إنكار القوميين البيض وعلى رأسهم مليشيا آزوف أنهم «نازيون» بالمعنى العنصري للكلمة؛ فإن هناك العديد من الشواهد قد تؤكد عكس ذلك؛ ففي عام 2015 جاء تصريح على لسان أندري ديجاشينكو المتحدث الرسمي باسم حركة آزوف أن ما يتراوح بين 10 إلى 20% من مقاتلي الحركة هم من النازيين بالفعل، كما صرَّح بأن حركته تدعم استقلال أوكرانيا وقوتها، ومنع أي فكرة انقلاب على حكومة أوكرانيا، وألقوا آنذاك اللوم على بوتين واتهموه بإشعال الحرب في دونباس 2014.

بخلاف مظاهر أخرى لفكر النازية؛ تتجلى في رايات مليشيا آزوف التي تحمل رمز فولفجانج – الذي تتخذه النازية الجديدة (Neo Nazi) شعارًا لها- بخلاف ظهور رموز نازية قديمة مثل «صليب سواستيكا» المعقوف وعلامة «قوات SS» النازية على أزياء بعض مقاتلي الخلية.

كما تطابقت بعض أعمال العنف العنصري التي تمارسها جماعة آزوف مع أمثالها من أعمال الحركات النازية البيضاء في العالم؛ ومن أبرزها اعتداءات عام 2018؛ عندما قامت دوريات من ميليشيات آزوف بتمشيط شوارع العاصمة الأوكرانية كييف بحجة ما عرف باسم «دوريات الاستعادة» لحفظ الأمن؛ لكن بدلًا عن ذلك هاجم مقاتلو المليشيا تظاهرات سلمية قام بها أقليات عرق «الروما»، وبعض الأقليات الأخرى بالفؤوس والمطارق وهدموا كل معسكرات التظاهر لهم، بينما لم تحرك قوات الشرطة الأوكرانية ساكًنا للرد عليهم أو منعهم، وبحسب موقع «The Nation» الأمريكي؛ فإن الجيش الأوكراني النظامي «هو الجيش الوحيد في العالم الذي يحتوي على نازيين جُدد في قوامة قواته الرسمية».

يستهدفون المسلمين ويهزأون من معتقداتهم
في آخر استعراض لعقيدتهم العنصرية، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا مقاطع لمقاتلي آزوف وهم يقومون بتشحيم طلقات بنادقهم بدهن الخنزير في إهانة وسخرية، بعدما ظهرت كتائب من مسلمي الشيشان الروس والذين يقدر عددهم بنحو 10 آلاف مقاتل، في صفوف القوات الروسية، وظهر الجندي الأوكراني وهو يقول ساخرًا: «أعزائي الأخوة المسلمين.. في بلادنا لن تدخلوا الجنة».

على جانب آخر، أفاد تقرير رسمي للأمم المتحدة في 2016، يصف الوضع في أوكرانيا، بأن حركة آزوف المسلحة قد ارتكبت جرائم تخالف القانون الدولي؛ وذكر التقرير تحديدًا الفترة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 إلى فبراير (شباط) 2016، إذ استخدمت قوات آزوف مباني مدنية مأهولة بأسلحتهم، بوصفها أماكن وقواعد لاحتجاز المتمردين وتعذيبهم في إقليم دونباس.

الدعم الأمريكي للقوميين البيض في أوكرانيا
بعدما تصاعدت العديد من الأصوات أثناء حرب الدونباس 2014 تطالب العالم بالانتباه لخطر مليشيات القوميين البيض وعلى رأسهم مليشيا آزوف، قررت حكومات الولايات المتحدة وكندا رسميًّا أنها لن تساعد أو تدرب أي مليشيات قومية لها ميول نازية في أوكرانيا، لكن في العام التالي رفع  الكونجرس الأمريكي هذا الحظر عن مليشيا آزوف، واستمر الدعم اللوجيستي والعسكري لها حتى عام 2018 عندما ضغط عدد من النواب الأمريكيين لمنع المعونة عنهم مرة أخرى؛ وهو ما حدث بالفعل، لكن فشلت محاولات أخرى في عامي 2019 و2021 لتصنيف آزوف على أنها مليشيا إرهابية أو متطرفة.

على جانب آخر كانت هناك دعوات لمنع أية أنشطة أو دعاية للقوميين البيض ومليشيتها آزوف على منصة «فيسبوك»، وفي عام 2016 صنف موقع «فيسبوك» ميليشيا آزوف على أنها «منظمة خطرة» مثلها مثل «حركة KKK» المعادية للسُود وصفحات تنظيم الدولة (داعش)، ومنع أي وجود لها. لكن بالتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، سمح «فيسبوك» بدون سابق إنذار بوجود صفحات القوميين البيض ومليشيا آزوف، وهو ما ساهم في انتشارها بشدة بين أوساط النازيين الجدد والقوميين البيض؛ وبدأت دعوات صريحة من مليشيا آزوف لتجنيد عناصر جديدة في صفوفها.

وفي السياق نفسه علقت شركة «ميتا» المالكة لموقع «فيسبوك» على لسان متحدث رسمي لها قال: «في الوقت الحالي نحن نسمح باستثناء (ضيق) لدعم حركة آزوف وبشكل محدود يقتصر على مسألة الدفاع عن أوكرانيا، أو على دورهم بوصفهم جزءًا من الحرس الوطني الأوكراني، لكننا مستمرون في منع كل أشكال خطاب العنف، والترميز للكراهية، وأي دعم علني لأي شيء ينتهك معاييرنا المجتمعية».

لكن دعم القوميين البيض، لم يقتصر على البنتاجون، وشركة «ميتا» فقط؛ فقد نشرت مجلة «جاكوبين» اليسارية الأمريكية في 15 يناير (كانون الثاني) 2022 تقريرًا يفيد بأن مليشيا آزوف تلقت تدريبًا وتمويلًا من جهاز الاستخبارات الأمريكي (CIA) منذ عام 2015 بهدف مواجهة أي اجتياح محتمل من الروس لأوكرانيا، وتذكر المجلة أن الدعم الاستخباراتي الأمريكي لمليشيات متطرفة ليس الأول من نوعه؛ فقد دعمت جماعات أخرى أبرزها كان دعم المتطرفين المعادين للرئيس الكوبي السابق، فيدل كاسترو في الستينيات، وجماعات إسلامية متطرفة في أفغانستان في الثمانينيات لمواجهة القوات السوفيتية.