2024-11-27 04:29 م

الكاوبوي يغتصب... الموناليزا

2022-03-04

بقلم: نبيه البرجي
يذكر ايلي فيزل، الكاتب الأميركي الروماني الأصل، والناشط اليهودي الناجي من الهولوكوست، أنه حين كان يجري حواره الطويل مع فرنسوا ميتران والذي انتهى بكتابه Verbatim، قال له الأخير رداً على سؤال «لنتصور الكاوبوي يضاجع الموناليزا. ربما المشهد أكثر بشاعة اذا ما تابعنا مسار العلاقات الأميركية ـ الأوروبية. الكاوبوي يغتصب الموناليزا»!

الرئيس الفرنسي (آنذاك) الذي طلب عدم ادراج العبارة في الكتاب أضاف «لا بد أنك قرأت الكثير عن رؤية سيغمند فرويد لعقدة أوديب. الغرابة هنا أن الأميركيين لم يصابوا بهذه العقدة حيال ما فعلوه بأوروبا، وانما أصيبوا بعقدة العظمة . الكاوبوي ـ الأمبراطور . الأوروبيون، بمن في ذلك نحن، تحكمنا عقدة النورماندي (الانزال الشهير بقيادة دوايت ايزنهاور). البحث الأبدي عن الخشبة الأميركية. أين؟ بين الأمواج الأميركية الهوجاء».

بعيداً عن قعقعة السلاح، وعن صراخ الضحايا، مناقشات بين مفكري القارة حول الأسباب التي حالت دون الاتحاد الأوروبي، بالامكانات الاقتصادية، والجغرافية، والتكنولوجية، والتحول الى أمبرطورية على غرار الولايات المتحدة بدل التبعية، التبعية العمياء، لها حتى في سياساتها المجنونة في أكثر من مكان في كوكبنا.

وكانت الفظاظة قد بلغت بليو شتراوس (اليهودي الأميركي، والفيلسوف، أو النبي الايديولوجي للمحافظين الجدد) حد القول «ان تخلف الجنوب الأميركي عن الشمال، على ذلك النحو الدراماتيكي، مسألة لاهوتية تتعلق بالفارق بين رؤية البروتستانت ورؤية الكاثوليك للعالم و... لله»!

اسئلة شتى تطرح ألم يمنح فرنكلين روزفلت، وبدعم من الحصان الأنكليزي، حصان طروادة، دول شرق أوروبا، ودول القوقاز، وحتى دول البلطيق، لجوزف ستالين؟

أيضاً، لماذا تعامل جورج بوش الأب مع روسيا، واثر تفكك الأمبراطورية السوفياتية، كدولة لقيطة يتنازعها قطاع الطرق، ولصوص الشوارع، الذين نهبوا مؤسسات الدولة، بدل التنسيق من أجل بناء عالم أقل فوضوية؟ هنا أيضاً، خطيئة الأوروبيين الذين فتحوا صدورهم، ومصارفهم ، لعرابي المافيات، الى أن ظهر فلاديمير بوتين ليعيد الى بلاده مكانتها التاريخية في خارطة العالم.

أيضاً، وأيضاً، الكل يعلم أن حلف شمال الأطلسي أنشئ عام 1949 لمواجهة الاتحاد السوفياتي، وكان «الشريك الرائع»، كما وصفه افريل هاريمان، ابان الحرب العالمية الثانية، وفي «الصفقات الساخنة» التي عقدت في مؤتمر يالطا عام 1945 . لماذا استبقي بعد زوال تلك الدولة؟ فقط ليكون «عصا الشيطان» في يد لاعب الشطرنج، بحسب قول يفغيني بريماكوف.

بالرغم من أن جثثنا، كعرب، تتكدس قي الزوايا دون أن يكترث لها أحد، يهزنا الموت المجاني في أوكرانيا. من صنع كل هذا، ولماذا؟ الضمير الغربي الذي بقي نائماً أثناء التراجيديا الكورية، والتراجيديا الفيتنامية، والتراجيديا الأفغانية، والتراجيديا العراقية، والتراجيديا السورية، استيقظ الآن. كوميديا أميركية مضرّجة بالدم.

هكذا باستطاعة هاري ترومان أن يلقي القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي، بعدما كانت اليابان تتحوّل، عسكرياً وسياسياً، الى جثة هامدة، وهكذا يغزو جورج دبيلو بوش العراق من أجل براميل الكلس التي أوحى للعالم أنها مستودعات لليورانيوم . بهذه الطريقة تقاد البشرية...

السقوط الأوروبي في المقبرة الأميركية . لعلكم تذكرون كيف تعاطى معلقون وباحثون أوروبيون مع خروج بريطانيا من الاتحاد. «هكذا تريدنا الولاِيات المتحدة، قبائل من الهنود الحمر، بعيون زرقاء، وقد تبعثرت على الضفاف الأخرى للأطلسي».

الآن وقت الكلام الضائع، والرؤوس الضائعة . عقوبات تلو العقوبات، دون الالتفات الى صرخات فولوديمير زيلنسكي بأن احتلال روسيا لبلاده سيؤدي الى زعزعة الأمن الأوروبي من أدناه الى أقصاه، ليبقى راعي البقر المايسترو الذي يحرك الثيران كيفما يشاء...

لم يعد هناك جيمس مونرو، ومبدأه الشهير . ليقال له «أنت الذي خشيت من البعد البربري في التاريخ الأوروبي أن يدق على أبوابكم ، ها أن خلفاءك في البيت الأبيض يدقون أبواباً كثيرة بأسنان هولاكو» ...

المصدر: الديــار اللبنانية