2024-11-27 11:42 م

عن الاحتلال "المريح" لإسرائيل .. والفلسطينيين!

2022-02-25

بقلم: انطوان شلحت
تشير "ورقة سياسات" صادرة حديثًا عن "المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية"، بشأن موضوع الخطاب الدولي المتعلق بالدفع قدمًا بـ"السلام الإسرائيلي - الفلسطيني"، وإنْ بشكل ضمنيّ، إلى أن أحد أسباب عدم إقدام الحكومة الإسرائيلية الجديدة على ما تسمّيه "إطلاق خطوات سياسية كبيرة وذات أهمية في الموضوع الفلسطيني" يعود إلى أن اللاعبين الدوليين المركزيين، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، وضعوا الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في درجةٍ أولويةٍ متدنيةٍ جدًا، وباتوا لا يبدون أي اهتمام أو نية للتدخل الجادّ في حلبة هذا الصراع. كما أنه تنعدم، في الوقت الحالي، أي نياتٍ مُعلنةٍ من هؤلاء اللاعبين لممارسة أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وهم يكتفون بمطالبة إسرائيل بـ"عدم اتخاذ خطواتٍ تصعيديةٍ أو خطواتٍ من شأنها مسّ فرص الحل السياسي المستقبلي". وبموازاة ذلك، يثمّنون إعادة فتح قنوات الاتصال والحوار بين مسؤولين رفيعين من الجانبين، وما نجم عن ذلك من خطوات محدودة تنطوي على "إجراءات حسن نية اقتصادية ومدنية تجاه السلطة الفلسطينية"، مع أنها تلمّح إلى أن هذه الإجراءات لا تشكّل بديلًا لعملية تسوية بعيدة المدى للصراع.

تستعين الورقة بتقييم سائد بشأن الخطاب العالمي الراهن حيال الصراع، مؤدّاه أن المجتمع الدولي يجد الآن صعوبةً جمّة في فهم الموقف الدقيق الذي تتبنّاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة في الشأن الفلسطيني، من جرّاء وجود تناقضاتٍ عميقةٍ بين التصريحات والأفعال التي تصدر عن أوساط متعدّدة في الحكومة تشدّ إلى اتجاهات مختلفة، بما يعفي مُعدّي الورقة من تحديد هذا الموقف.

يجوز أن ثمّة شدًّا إلى اتجاهاتٍ مختلفةٍ داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، كما تؤكّد الورقة. ولكن في الموضوع الفلسطيني، لا يبدو سقف عملها أقل انخفاضًا من سقف عمل الحكومات السابقة التي توصف بأنها يمينية صرفة. ولدى كتابة هذه السطور، أكد أحد وزراء "يمينا"، حزب رئيس الحكومة، مقولة المفكر الإسرائيلي، يشعياهو ليبوفيتش، التي نطق بها عام 1991، بالتزامن مع انطلاق "عملية السلام" بين إسرائيل والفلسطينيين، في إطار مؤتمر مدريد، وأشار فيها إلى أن استمرار السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 بالقوة، تحوّل في إسرائيل إلى "قيمة سامية"! والمقصود وزير الشؤون الدينية، متان كهانا، الذي قال، أمام مؤتمر خاص عقد للتحذير من مغبة ما أسمي "سيطرة الفلسطينيين على أراضي منطقة ج في الضفة الغربية بصورة غير قانونية"، إن أهمية أراضي الضفة بالنسبة إلى إسرائيل ليست دينية وقومية فحسب، إنما أيضًا أمنية، فمع هذه الأراضي تبلغ رحلة قطع مساحة إسرائيل جوًّا خمس دقائق، ومن دون تلك الأراضي، تبلغ الرحلة نفسها نصف دقيقة! لكن يبقى الأهم قوله "إن الحكومة الحالية ملتزمة بتقديم كل ما يلزم لمشروع الاستيطان، وستواصل عمليات الاستيطان في أراضي الضفة. وطوال الأعوام الماضية، لم تحارب دولة إسرائيل بالحزم المطلوب عمليات السيطرة على أراضي الدولة في الضفة من جانب الفلسطينيين. ولا يجوز لنا أن نخسر في هذه المعركة، كونها معركة على أرض الآباء والأجداد"!

ثمّة نقطة أخرى تحضر في هذا المقام، مرتبطة بالسؤال: إلى أي مدى استحال الاحتلال في أراضي 1967 إلى احتلال "مريح" أو غير مُكلف؟ في هذا الصدد، تؤكد الورقة، موضوع حديثنا، أن الهبّة الفلسطينية في مايو/ أيار 2021 ثقبت هذا الوضع، لكنها لم تحرّك المياه في دواليب اللاعبين الدوليين ولا الإقليميين، بمن فيهم الدول المُطبّعة. وكانت الهبّة بمثابة اختبار مُهم لاتفاقيات تطبيع إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب. وعلى الرغم من أن هذه الدول عبّرت عن قلقها مما حدث في القدس، ودعت إلى وقف القتال في غزة، إلا أن ذلك لم يؤثر في علاقاتها مع إسرائيل بتاتًا، بل استمرّت الجهود الرامية إلى إنشاء علاقات اقتصادية وثقافية ومدنية بكل زخمها.

ولعل ما يمكن قوله الآن أن سياسة إسرائيل لن تتعدّى غاية جعل الاحتلال "مُريحًا" بالنسبة إلى الفلسطينيين أيضًا.