2024-11-27 06:41 م

إشكاليةُ نظام وشعب.. وسُفرةُ عشاء أخير

2022-01-22

بقلم: فؤاد البطاينة
بلا ضجيج دولي أو مقاومة داخلية، يواجه الأردن والأردنيون أزمة وجودية الطبيعة تجري لمستقر لها في حضن الصهيونية الإسرائيلية بفعل إشكالية ثنائية الطبيعة. وإن كان هذا قدراً فعلينا مواجهته والنتائج من جنس المقدمات. أما الطبيعة الأولى للإشكالية، أن النظام الرسمي هو الذي يوفر الغطاء القانوني للعدو ويضطلع بتنفيذ مكونات مخطط هذه الأزمة الجرمية بمساعدة وإشراف العدو الصهيو أمريكي واستقواء به، حيث أن ما يجري بهذا الصدد يتفق شكلاً مع القانون الدولي، ولكن زيف واحتيال كزواج المصلحة التي تنتهي وينتهي العقد معها. وهو عقد النظام مع الصهيو- أمريكي ذاته. فالنظام في حالتنا صوري يتصرف بمقدرات الشعب وأمواله ومنجزاته كملكية خاصة، وبالمقابل يترك السلطة والقرار والسيادة على الأرض تحت تصرف هذا العدو ويتحول لغطاء قانوني لعملية استباحة دولة واحتلال وطن وشتات شعب.
الوجه الثاني للإشكالية هو أن ما يجري ويُنفد في الأردن هو مع شعب وبشعب فاقد التواصل والرابطة القانونية مع نظامه ومهمش بلا حقوق المواطنة وتُطمس وتحارب هويتة من دون وجود معارضة أردنية وطنية ممأسسة تفرض نفسها كمرجعية شعبية وطنية تُعبر عن وجود هذا الشعب أمام أمريكا واسرائيل والعالم، وعن رفضه سياسيا وتعبئته في مواجهة النظام ومُستخدميه وتعرية صورية النظام وفساد تمثيله، أمام المجتمع الدولي كسند لمواجهة سيرورة الإحتلال الصهيو أمريكي ولوضع القضية الأردنية على الأجندة الدولية.
السؤال الكبير، هو هل يُخطط الصهيو- أمريكي للعبور في الأردن للمستقر المرسوم له سلما وبنعومة أم من خلال الفوضى الخلّاقة وعمادها الإرهاب المُفتعل ودمويته. أقول من الأرجح استخدام العنف والفوضى في مرحلة قادمة. وهذا ليس لمجرد الشواهد بل أيضاً شرطاً لتأمين مستلزمات سياسية وقانونية يحتاجها تنفيذ مخطط المرحلة. فمن ناحيه، أمريكا توسع وجودها العسكري والوجود الاسرائيلي في الأردن حجماً ونوعا بشروط لا تكون بين حليفين ولا دولتين مستقلتين بل بشروط وقواعد احتلال بمسمى قانوني صوري فاجر. وبذات الوقت يجري تقزيم الجيش الأردني حجماً ونوعاً ووظيفة، وطمساً لتاريخه بازدراء، وبناء كتائب عسكرية متعددة الجنسيات ومرتزقة، بتدريبات خاصة، وسيطرة أمريكية على أجهزة الدولة الحساسة لحساب إسرائيل. وهناك أمريكا تمتلك ناصية الإرهاب ومنظماته في المنطقة والعالم.
أما العاملان السياسيان اللذان يتطلبان افتعال واستخدام الفوضى والعنف بإدخال الإرهاب لتنفيذ مخطط المرحلة فهما. الأول\ لتوفير المسوغ أو الذريعة القانونية أمام العالم وأمام الأردنيين لتدخل الحلفاء التاريخين المباشر والمعلن في الأردن، إضافة لذريعة التهديد الأمني الوجودي على إسرائيل لشرعنة اشتراكها. أما العامل الثاني \ فمرتبط بتجسيد انتهاء الدور الوظيفي لنظام الدولة الوديعة وبحلول استحقاق الإطاحة بالقيادة الهاشمية التاريخية وذات الإعتراف الدولي بمُلك ملك ونظام، وتفكيك عرى الدولة والذي لا يسهل تنفيذه بغير خلط الأوراق من خلال الفوضى الدموية. حيث سيتسنى للصهيوأمريكي تجاوز مرحلة القيادة الهاشمية والإعلان عن وصاية أمريكية أو تعيين وجوه محلية بديلة بوظيفة جديدة تتكامل مع سلطة رام الله التي ستلاقي حتفها في تلك المرحلة وتُستبدل بأخرى مكشوفة النوايا المعلنة قوامها التنسيق مع سلطة عمان الجديدة.
ما أريد أن يفهمه النظام الأردني هنا، بأن العدو الأمرو صهيوني عازم في هذه المرحلة على توريطه في عداء مستحكم وحرب مع الشعب الأردني لأهداف أساسية قادمة واستحقاقية بمخططه، وعلى رأسها مشهد إنهاء الحكم الهاشمي ونظامه برمته من خلال الفوضى الخلّاقة والأمر الواقع. وأذكِّر قيادة النظام بأن هذا هو منطق الأمور في المحصلة الإستعمارية وصداقة العدو أو العمالة له، وليس لهذه القيادة أن تتساءل لماذا يطاح بها والأردن كدولة وكنظام وجغرافيا وبغير إرادة الأردنيين كان وما زال في خدمة مصالح أمريكا والصهيونية والغرب عامة، ولم تتمرد أو تخرج عن الدوران في هذا الفلك، وبأنها قد قدمت لإسرائيل من خدمات سياسية وأمنية وعسكرية بدءا من إنشاء كيانها لليوم بما لا يُقدّر بثمن مادي، ويستعصي شراؤه أو توفيره دون مساعدة للأردن الذي لم يحظ من أمريكا بحل مشكلة واحدة له ولا أكثر من التنقيط في الحلق ليبقى حياً حياة العبيد يقدمون ولا يأخذون. نعم كان للنظام أجره في حماية ملكه وإطلاق أنيابه في لحم الأردن وشعبه، لكن هذا في المنطق الإستعماري والأمرو- صهيوني بالذات ليس بأكثر من حماية نعجة وإطعامها وليس بعد الحلب إلّا الذبح.
الأمر بتداعياته مطروح أمام النظام، ولا يرتجى أو يُطلب منه تغيير ارتباطاته ونهجه، فأوصال التغيير تقطعت بيديها والحبل ملتف. لكن هناك خيارات لنهاية أفضل له وأفضل بكثير للأردنيين وللأردن وفلسطين وعليه البحث عنها، والأخذ بأحدها ليعفيه من خيار الحرب مع الشعب الأردني، الخيار الأقذر والأسوأ والذي يدفعه العدو إليه دفعاً. فهناك خيارات الصفر لجأ اليها البعض على خلفيات أخرى في الوقت المناسب وأنجوا أنفسهم بها وحقنوا دماء، ويمكن الإستفادة منها بطريقة مختلفة. وقد يكون للأقربين ولرجال النظام المنتهية صلاحيتهم دوراً إيجابيا في ذلك يُكفرون به عن تاريخ من دعمهم المضلل والضال للنهج المجرم على مذبح مصالحهم.
.
 أما على الصعيد الشعبي، فالصهيو أمريكي والنظام يراهنون على نجاح وسائل ترحيل صمت الأردنيين وتعايشهم مع المُستجدات بالقوة المفرطة لحين الوصول لمرحلة سياسية لا يمتلكون فيها خصوصية هوية وطابع شعب الدولة، ولا جيشاً أردنيا كما عرفوه، ولا رقماً فيما بعد يُلفت الأنظار في غبار ساعة الصفر التي ستسودها الفوضى واختلاط الحابل بالنابل وتسيد امريكا وإسرائيل لساحتها لدموية في مواجهة جحافل منظمات الإرهاب المُفتعل والذي توجه أمريكا قياداته. وأما إن سقط رهانهم وأخذ الشعب زمام الأمور مبكراً بفوضوية وبلا قيادة، فستكون شرارة ثورة عمياء بنتائج مدمرة تشبه للعدو نتائج عدم اشتعالها.
ومن هنا فإني إذ انوه بأن بعض ما أكتبه مبني على مستحقات النظرية السياسية الخاصة بإنشاء الدولة ونظامها، وعلى المجريات الميدانية الطويلة التي لا لبس فيها، وبأن فشلنا أساسه إنكار نخبنا للطبيعة الإستعمارية التي تحكم النظام والدولة، وأولوية إزالتها أولاً، فليس أمامنا في الوقت بعد الله إلّا التعويل على انعطافة تاريخية لشخصيات الأردن السياسية والفكرية والإجتماعية الوازنة، نحو القفز عن الذات وخواء الزعامات المغموسة بالذل والوهم، وعن واقع الثرثرة والإختباء خلف التصريحات والبيانات والإدانات والأيدولوجيات وتحليل المحلل، وعن شرذمة الأحزاب والتنظيمات ومساراتها، وعن شماعة الإصلاح الفاقد لأرضيته وأسسه، وتحمل مسؤولية ضياع وطن وإذلال شعب هي حصراً أمانة في أعناقهم، وذلك بضرورة الإسراع للتلاقي على تشكيل مرجعية شعبية أردنية واحدة تعبر عن وجود شعب رافض ومتمسك بدولته ووطنه، واضحة البرنامج المرحلي التعبوي لهذا الشعب وواضحة الرؤية السياسية للمرحلة القادمة. وهذا وحده الذي سيصنع الفرق ووحده اليوم فيصلا بين الخيانة والشرف.
كاتب وباحث عربي