بقلم: شارل ابي نادر
ما يجري في اليمن اليوم من تدمير وإجرام وقتل، وصل بفظاعته لمستوى أبعد من أن يكون أشبه بإبادة جماعية تجاوزت كل الأعراف والقوانين والأنظمة عبر التاريخ، ولم يعد مسؤولية تحالف العدوان وحده، بل أصبح وبشكل كبير مسؤولية الأمم المتحدة ومؤسساتها بكافة اختصاصاتها وبكل ما أنيط بها استنادًا للقانون الدولي.
وأن تعمد قاذفات تحالف العدوان على اليمن إلى تنفيذ هذه المناورة الجوية التدميرية، عبر إجراء مسح شامل للمناطق السكنية والتجارية بما تحوي من منازل ومنشآت مدنية وانسانية، فالأمر أصبح أقرب إلى الجنون منه إلى القصف الجوي الذي تلجأ إليه بالعادة الوحدات العسكرية، إذا كان لدعم تقدم ميداني، أو إذا كان للضغط اثر تعثّر ميداني. وإذا كان التحالف أساسًا قد تجاوز في عدوانه على اليمن كل منطق أو عرف أو قانون، ولم يكن يملك أي تبرير أو مشروعية لهذا العدوان، ومواجهتُه أو مُساءَلتُه لم تعد تنفع وأصبحت سرابًا، فكيف يمكن مقاربة دور مؤسسات الأمم المتحدة أمام هذه المجازر غير المسبوقة عبر التاريخ؟ وهل أصبحت أيضًا خارج اطار المساءلة وخرجت عن مهمتها ودورها؟
إذا صحَّ ما تقوله وسائل إعلام تحالف العدوان ومتحدثه العسكري، بأن وحداته قد حققت تقدمًا ميدانيًا وعسكريًا في بعض مديريات شبوة، واقتربت هذه الوحدات (كما تدعي هذه الدول والوسائل الاعلامية) من خطوط الضغط التي تنفذها وحدات الجيش واللجان الشعبية على جنوب مأرب، فلماذا اللجوء إلى جرائم القصف الجوي ضد المدنيين والمنشآت الانسانية والخدماتية؟ ولماذا لا تتم متابعة التقدم الميداني الذي ادعوه، والابتعاد عن الجنون التدميري والهستيري الذي يستهدف المدنيين والاطفال والمنشآت الانسانية والخدماتية؟
طبعًا، العدوان يعلم في قرارة نفسه أن حركة الميدان التي يدّعي أنه تقدم قليلًا عبرها، لا تتعدى كونها مؤقتة وهزيلة، وهي عمليًا دون أية مفاعيل ذات قيمة عسكرية في الميدان، ولم يكن تحرير تلك المديريات أساسيًا بالنسبة لوحدات الجيش واللجان اليمنية، إلا تحضيرًا واستكمالًا لخدمة مناورتها بمحاصرة مأرب من الجنوب والجنوب الشرقي. كما أن العدوان يعلم جيدًا، وحسب خبرته حتى الآن من مسار العدوان، بأن أي مناورة هجومية برية، ترى فيها وحدات الجيش واللجان الشعبية وانصار الله ضرورة لمتابعة مسيرة التحرير، هي بالنهاية تقوم بها وتنجح، مهما كانت الصعوبات والمعوقات، وحتى مهما كانت التضحيات. ويشكل سقوط آلاف العناصر بين قتلى ومصابين للعدوان حتى الآن على أبواب مديريتي عين وحريب، مع خسائر لا تقدر في الآليات والعتاد، ومشاهد تدمير وإحراق العشرات من تلك الآليات، خير دليل على ذلك. وهذه النتائج ليست بعيدة عن الكثير من نتائج مناورات الاستدراج القاتل التي وقع فيها التحالف حتى الآن، ولا ضرورة لتعدادها أو لتذكير العدوان بها.
من جهة أخرى، صحيح أن ما يحصل من تدمير وإجرام وقتل في مدن صنعاء وصعدة وعمران والحديدة مؤخرًا، يشكل ضغطًا غير بسيط على موقف الجيش واللجان اليمنية و"انصار الله"، حيث تتزايد أعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ، بالإضافة لتوسيع مروحة التدمير وخروج الكثير من المنشآت الحيوية والضرورية من الخدمة، مع الحاجة الملحة لها اليوم في ظل الحصار الخانق، ولكن العدوان أيضًا، يعلم جيدًا علم اليقين ونتيجة مسار طويل من التجارب في عدوانه، بأن هذا الأسلوب غير مجدٍ بتاتًا بمواجهة أبناء اليمن الذين برهنوا أنهم تحت الضغط يثبتون ويصمدون أكثر وأكثر، فلماذا اذًا يستمر العدوان في عمليات القتل والتدمير، مُمْعِنًا أكثر وأكثر في الدوس على شرعة الأمم المتحدة وقوانينها؟
في الواقع، أصبح واضحًا أن تحالف العدوان على اليمن قد يئس من إمكانية الانتصار في الميدان، وبات اليمن بشكل شبه كامل إمّا خارجًا عن سيطرته ومحررًا وإمّا إمكانية الاحتفاظ بما يزال من هذا الميدان تحت احتلاله أصبحت مستحيلة. وهو كما يبدو يعمل على هدف آخر، يتجاوز موضوع السيطرة على اليمن ووضع يده عليه، وهذا الهدف يقوم على توسيع مستوى التدمير لكل الأعيان والمنشآت والبنى التحتية بشكل واسع، لدرجة يُصبح مستحيلًا على أية سلطة يمنية، أن تعيد بقدراتها الذاتية هذه الخدمات والأعيان الى المستوى المقبول للانطلاق بدورة الحياة الطبيعية، من دون اللجوء إلى طلب المساعدة من الدول الإقليمية والغربية، الأمر الذي وباعتقاد تحالف العدوان سوف يُجبر السلطة اليمنية على لعودة إلى مربع الارتهان والرضوخ وتسليم القرار، بعد أن شُن العدوان أساسًا على خلفية خروج أبناء اليمن الأحرار منه، واختيارهم السير بمسار السيادة والقرار الحر، فكان حينها العدوان على بلادهم وكانت الحرب عليهم.
ويبقى المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة، شاهد الزور الأكبر على مجازر العصر والتاريخ، يتفرج على أشلاء أطفال اليمن، بعد أن استقال من واجباته ومن دوره، مستسلمًا لهيمنة المال الخليجي الغدار ومنصاعًا لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية.