2024-11-27 08:31 م

 الأزواج الشابة والبنوك

2021-12-30

بقلم: خالد البطراوي

 صديقي وزوجته تزوجا قبل نحو ثمانية أعوام. إستأجرا شقة سكنية ووفقا لتخطيطهما فقد قاما بالاستئجار على أساس أن يكون ذلك لمدة عامين بأجرة شهرية قدرها (400$). رزقا بابنتين غاية في الجمال والذكاء وما زالا في الشقة السكنية.

قبل أيام إتصل بي الزوج لأقوم أنا المهندس بمعاينة شقة سكنية دفعا "عربونا" لشرائها وسيتم الشراء عن طريق البنك مساحتها حوالي (170 مترا مربعا) بمبلغ (150000 دولار أمريكي).

قال صديقي الزوج أنه على إمتداد السنوات الماضية دفع مبلغ (48000$) أجرة للشقة السكنية ما شكل ويشكل إستنزافا كان يتوجب وقفه، فلجأ الى خيار الشراء عن طريق البنك خاصة وأنه وزوجته موظفان يعملان في دوائر حكومية وهو خيار كما قرار تقسيم فلسطين " أفضل أسوأ الحلول".

كنت اثناء حديثه أستشعر في داخلي حجم الثقل الملقى على كاهل الزوجين وهما يتخذان قرارا صعبا مصيريا من هذا القبيل. ولا أخفيكم أنني صببت جام غضبي علينا جميعا، رسميين وغير رسميين ونحن نضع جيل الشباب ذكورا واناثا أمام خيارات صعبة، رغم أننا نردد المقولة المشهورة " الشباب أغلى ما نملك"، وتزداد الغصة عندما نسبر غور مشاكل شبابنا في القدس.

أول ملامة تقع داخل الإطار العائلي للازواج الشابة الذين "يشنشلونهم" بالديون في مصاريف ما قبل الخطوبة والخطوبة نفسها والزفاف، فلماذا لا نوفر ذلك كله بحيث تصبح نقود " النقوط" وما تم توفيره من مصاريف الزواج دفعة أولى من ثمن أي شقة سكنية؟

ثم أين الجهات الرسمية من هذه المسألة، لماذا لا تنتهج سياسة تقضي بأن لكل عقد زواج يتم ابرامه ... شقة سكنية خلال عامين بحد أقصى من ابرام العقد، بحيث يتولى "صندوق الاستثمار الفلسطيني" أو غيره هذه المسألة، إما بالبناء المباشر بنفسه على الأراضي الحكومية أو بالشراء من أصحاب المباني السكنية كافة الشقق الجاهزة غير المسكونة في كافة محافظات الوطن، بصفقات " لا يموت فيها الذيب ولا يفنى الغنمات" وبشروط دفع يتم الاتفاق عليها مع الملاك وفورا يتم منح الازواج الشابة هذه الشقق أيضا وفقا لمعادلة يتم التوافق عليها وترسيمها قانونا؟

لماذا لا تحدد الجهات المختصة السقف الأعلى للفائدة البنكية على القروض السكنية وتخفف من شروطها المتعلقة بالكفلاء وتكتفي ببوليصة التأمين على الحياة وتحويل الراتب؟

لماذا لا تقوم شركات القطاع الخاص بشراء شقق سكنية لموظفيها كل في المكان الذي يختاره وفقا لنظام خاص بذلك لدى الشركة؟
لماذا لا يتم الاستفادة من عوائد أموال الزكاة مثلا لتوسيع رقعة تأمين شقق سكنية لمستحقي أموال الزكاة؟

لماذا لا يتم اللجوء الى الدول الصديقة ليس لتمويل مشاريع اسكان جديدة ستستغرق وقتا ومصاريف ادارية على طواقم المتابعة، وإنما لشراء شقق جاهزة للسكن من الملاك لهذه الغاية؟

لماذا تريد كل الجهات رمي الحمل على ملاك العقارات الغارق أكثرهم في المديونية للبنوك دون أن نتحمل جميعا هذا العبء كل بنسبة مسؤوليته؟ ولا أدافع هنا بالمناسبة عن الملاك، الذين بدورهم أيضا يفترض أن يساهموا.

لماذا لا يخصص مثلا "طابع ايرادات" بقيمة "شيكل واحد" تحت عنوان " دعم شقق الازواج الشابة"؟

لماذا لا تصدر الجهات المختصة قرارا بإعفاء ألازواج الشابة من الرسوم الجمركية على أثاث المنزل والأدوات الكهربائية؟

لماذا لا تصدر الجهات المختصة قرارا باعفاء الأزواج الشابة ولمدة خمسة أعوام مثلا من أول مائة شيكل من فاتورة الكهرباء الشهرية وخمسين شيكلا من فاتورة المياه، وخمسين شيكلا من فاتورة هاتف المنزل وخدمة النت، و 50% من ضريبة المعارف والاملاك والنفايات عن الشقة وغيرها من الرسوم؟

وعودة الى صديقي وزوجته الذي سيأخذ قرضا بقيمة (150000$) ويسدده على دفعات شهرية قيمة كل دفعة 800 دولار ولمدة  (25 عاما) أي 300 شهر، بحيث يصبح اجمالي قيمة القرض (234000) دولار، فإنه يلزمه وعلى امتداد 25 عاما أن ينتهج سياسة ليس فقط "شد الأحزمة على البطون" بل حتى "عدم شراء كيلو قطايف في رمضان" كي يتمكن بما تبقى من راتبه وراتب زوجته لتأمين قوت العائلة ومستلزماتها اليومية ودراسة البنات.

صديقي وزوجته اتخذا قرارا مصيريا جريئا بوقف نزيف الايجار ورغم ثقل المبالغ التي سيتم دفعها الا أنهما في ذات الوقت قاما بتوفير (120000$) هي أجرة الشقة على امتداد ال 25 عاما القادمة فيما لو استمرا في الايجارة، فتم اللجوء الى هذا الخيار " مكره آخاك لا بطل".

للعلم عندما يتم تسديد القرض، سيكون عمر الابنة الكبرى 31 عاما والصغرى 26 عاما، أي  ستكون الأولى  - باذنه تعالى - قد تزوجت وبدأت تعاني من ذات المشكلة  وهي مشكلة تأمين شقة مجددا، والابنة الثانية على وشك بناء " عش الزوجية".

أترحم على والدي الذي قال لي يوما " يا خالد ... لا تمزح مع البنوك".


المصدر: وطن للانباء