2024-11-25 05:37 م

لماذا تكره إسرائيل غزة؟

تضاعف عدد سكان القطاع ثلاث مرات بين عامى 1947 و1948

2021-12-29

لطالما كان يُنظر إلى قطاع غزة باعتباره مكانًا حقيرًا يستحق فرض إجراءات قمعية استثنائية، لكن يبدو أن السلطات الإسرائيلية تدرك وصمة العار التى تحيط بالقطاع.

وفى بداية احتجاجات شهر مايو الماضى فى حى الشيخ جراح بالقدس، حيث قادت العائلات الفلسطينية، التى تمت مطالبتها بإخلاء منازلها، حركة احتجاجية قال بعض المحللين إنها ساعدت فى تحفيز التوترات فى البلدة القديمة بالقدس، والتى أعقبها صراع فى غزة، لكن السلطات الإسرائيلية ادعت بسرعة بأن حركة حماس كانت مسؤولة عن «التصعيد» فى القدس وذلك على الرغم من عدم وجود دليل على تورط الحركة، وفى نهاية المطاف، أطلقت إسرائيل عملية «حارس الجدران»، وتحولت عناوين الأخبار بعيدًا عن الطرد القسرى للفلسطينيين فى القدس.

ويبدو أن غزة تميل دائمًا إلى أن تكون أداة لتحويل الانتباه بعيدًا عن المسائل الأساسية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين فى الأرض والسيادة والتحرير الوطنى، وهو ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات فى القدس، ولكن لا يعد القطاع مجرد أداة لتحويل الانتباه فقط، بل على العكس من ذلك، فإن السياسة المتبعة فيه هى إلى حد كبير بمثابة تجسيد ونتيجة للسياسات الأوسع لإسرائيل وفلسطين.

وتجسد غزة التأثير الذى نتج عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 على فلسطين والفلسطينيين، فقبل النكبة (أو ما يمكن أن نسميها الكارثة)، لم يكن يُنظر إلى غزة على أنها منطقة منفصلة بجانب كونها جزءًا من المنطقة الجنوبية من الانتداب البريطانى لفلسطين، ولكن بعد النكبة، أثرت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على التركيبة الديموغرافية للمنطقة بأسرها، كما أنها أدت أيضًا لخلق غزة وشكلت مستقبلها السياسى والاقتصادى.

وقد تضاعف عدد سكان القطاع ثلاث مرات بين عامى 1947 و1948 مع تدفق 220-250 ألف لاجئ فلسطينى من يافا والمنطقة الساحلية الجنوبية، وأصبحت غزة فجأة ليست مجرد واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية فى العالم، بل باتت الآن مكانًا يعد غالبية السكان فيه من اللاجئين. ولطالما كانت غزة فى طليعة النشاط الثورى الفلسطينى، وكما يقول الكاتب الفلسطينى- الأمريكى إدوارد سعيد فإن غزة هى «الجوهر الأساسى للمشكلة الفلسطينية، وهى بمثابة الجحيم المكتظ بالسكان على الأرض إذ تتكون إلى حد كبير من لاجئين مضطهدين، يتعرضون لسوء المعاملة، كما أنها دائمًا ما تكون مركزًا للمقاومة والنضال».

ويميل المتعاطفون مع معاناة سكان غزة إلى النظر إلى القطاع باعتباره مكانًا يتعرض لمعاناة استثنائية، وهنا يجب تسليط الضوء على تأثير الحصار الخانق والعديد من الحملات العسكرية الإسرائيلية على الحياة فى غزة، حتى إنه فى عام 2012، أعلنت الأمم المتحدة أن القطاع سيكون غير صالح للعيش فيه بحلول عام 2020، كما كانت الأزمة الإنسانية فى القطاع أكثر وضوحًا مع ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، ولكن لا ينبغى أن يكون ذلك مفاجئًا، إذ إن هناك سببا يجعل غزة هدفًا للإجراءات القمعية الاستثنائية ومكانًا للمعاناة الشديدة.

فلطالما كان القادة الإسرائيليون يتحدثون علنًا حول ازدرائهم للقطاع، وذلك لأن وجود غزة، ودورها التاريخى باعتبارها جوهر النضال الفلسطينى ضد العواقب الديموغرافية والاقتصادية والسياسية للاحتلال الإسرائيلى، يمثل تحديًا أساسيًا لمفهوم إسرائيل الذاتى كدولة عادلة وديمقراطية، ويبدو هذا العداء متجذرًا أيضًا فى حقيقة أن غزة تتعارض مع جوهر الأسطورة التأسيسية لدولة إسرائيل والتى تقول إنها بُنيت على «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».

ونتيجة لذلك، فإن غزة قد باتت اليوم تقع فى صميم الالتزام العسكرى تجاه الحركة الوطنية الفلسطينية، ولكن هذا يعنى أيضًا أن قسوة معاملة إسرائيل لغزة ما هى إلا انعكاس للتحدى الذى تفرضه على فكرة أن تل أبيب قد بُنيت على أرض لم يكن الفلسطينيون موجودين فيها.

والحقيقة هى أن غزة ليست استثناء، بل إنها هى القاعدة، ويجب التعامل معها على أنها نموذج مصغر للسياسة الأوسع لإسرائيل وفلسطين، وقد يؤدى إيجاد طريقة لمعالجة الأزمة فى القطاع إلى توفير الأساس لصياغة حل دائم للصراع الفلسطينى- الإسرائيلى بأكمله.

* أستاذ دراسات التنمية الدولية بجامعة «روسكيلد» فى الدنمارك

نقلا عن مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية