بقلم: محمد حسن التل
تركت الاتصالات والاجتماعات المكثفة مؤخرا بين المسؤولين الأردنيين والسوريين ارتياحا كبيرا في الشارع الأردني والسوري خصوصا عندما توجت هذه الاتصالات باتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد، لما للعلاقة بين البلدين من خصوصية منفردة عن كل العلاقات بين الدول العربية، فالبلدين يرتبطان بالعمق الجغرافي والديموغرافي مما أوجد ارتباطا اقتصاديا كبيرا بينهما، فالشام عمق حقيقي للأردن، ويشكل الأردن منفذا استراتيجيا رئيسيا لانفتاح الشوام على العالم العربي وما بعده.
الشعبين الأردني والسوري ارتبطا ارتباطا وثيقا وعميقا في كل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والقومية ولم تشكل خطوط سايكس بيكو حاجزا حقيقيا بين الشعبين اللذين يشكلان جزءا من أمة واحدة، وقبل الحرب على سوريا، والتي أخذت غطاء مزيفا تحت عنوان ” ثورة شعب من أجل الحرية ” والتي جرت خلفها العواطف الخادعة وظننا للوهلة الأولى أن الشعب العربي السوري الشقيق يتعرض للقتل والدمار. جاء ذلك بسبب الحرب الإعلامية التي رافقت الحرب العسكرية على الدولة السورية وجيشها وشعبها، والتي شوهت الحقائق بعد أن دفع بهذه الحملة المليارات لقلب الصورة، إلى أن انقشع غبار المعركة وتبين أن الدولة السورية وشعبها وجيشها قد تعرضوا لمؤامرة كبرى لإسقاط سورية الدولة، لينفتح الباب أمام تدمير الدول العربية تحت عنوان كاذب سموه الربيع العربي. وقد شارك للأسف في هذه المؤامرة عرب وما كانوا يعلمون أن سقوط الدولة السورية لو حدث سيكون مقدمة لاجتياح الفوضى لكل المنطقة العربية، لأن الشام تمثل حجر الزاوية في المنظومة العربية وقد كان لخبراء السياسة رأي آخر بما يحدث في سورية، وقد سمعت شخصيا من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، وكانت الأحداث في بدايتها في الشام أن ما يحدث هناك ليس كما حدث في باقي الدول التي اجتاحها “الربيع العربي”، إذ أن الدولة السورية دولة عميقة وراسخة ولها تحالفات سياسية مع دول ذات اعتبار، ولكنه قال مع هذا بأن الحرب في سورية ستطول، وهذا ما أثبتته الأيام والسنون، فقد طالت الحرب في سوريا حتى تجاوزت العشر سنوات.
هذا التواصل بين دول بلاد الشام في الفترة الأخيرة وهذه الهبة الأردنية السورية ومعهما مصر لإنقاذ لبنان من الأزمة التي نشبت أظافرها في جسده تؤكد أن هذه الدول مقتنعة تماما بوحدة الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد بينها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن دول الشام لا تستطيع أن تعيش كل دولة منعزلة عن باقي دول الإقليم (الشام)، وهذا ما يؤكده التاريخ وتؤكده الأحداث.
العلاقة الأردنية السورية مرت سياسيا بتذبذبات متعددة بين مد وجزر وهذا طبيعي، فالدول تتخذ مواقف سياسية مختلفة أحيانا ترى أنها في صالحها، ولكن العلاقة ظلت باقية ولو بحدها الأدنى مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأردن لم يسع عبر مئة عام إلى قطع علاقته مع أي دولة عربية أو الإساءة لحسن الجوار. وفي المقابل ظلت العلاقة بين الأردنيين والسوريين على المستوى الشعبي متماسكة، وتزداد متانة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية وقبلها التاريخية والقومية، ومؤشر هذا عندما تفتح الحدود بين البلدين تجد الآلاف من طرفي الحدود يعبرونها وكأنه يوم عيد عندهم، ذلك لأن العلاقة بين الشعوب أكبر بكثير من السياسة، ولا بد للسياسية في النهاية أن تنزل عند إرادة الشعوب، خصوصا عندما تكون هذه الشعوب متشاركة في كل مصالحها ووجودها التاريخي والقومي.
سوريا أثبتت على مدار عقد كامل أنها دولة عميقة وراسخة تتمتع بتحالفات دولية متينة وتلاحم شعبي مع الجيش في ظل ثبات القيادة السياسية، الأمر الذي أفشل المؤامرة الكبرى عليها، رغم أن الثمن كان باهظا من دماء أبنائها وجزءا كبيرا من اقتصادها، حيث نجح المتآمرون ولو جزئيا بإلحاق الأذى في سورية الشعب والإنجاز، وقتلوا آلاف السوريين العزل واجتاحوا مدنهم وقراهم وهدموا البيوت على رؤوس أصحابها بأيد إرهابية وبسلاح ملوث وبمرتزقة رخيصة وبمال أسود.. المهم الآن أن سورية بدأت تتعافى، وتتهيأ للعودة إلى مكانها الطبيعي في الصف العربي وكذلك الدولي، وكل هذا لمصلحة السوريين والعرب والأردن الذي يقدم جهودا سياسية كبيرة في هذا الاتجاه، يدرك تماما أنه لا حل للأزمة في سوريا إلا بإعادة احتضانها عربيا ودوليا والتمهيد لإعادة أعمار ما خلفته الحرب هناك لتعود سورية كما كانت جزءا مهما من أمتها.
رئيس مجلس ادارة صحيفة الراي الاردنية الاسبق
المصدر: رأي اليوم