في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة وستُصاحبها الكثير من الغضب والجدل وتأجيج التصعيد والمواجهات، أقرت المحكمة الإسرائيلية لأول مرة في تاريخها بحق اليهود في أداء صلوات في باحات المسجد الأقصى المبارك والتواجد في الحرم القدسي، واعتبرت ذلك بأنه لا يمثل “عملا إجراميا طالما تظل صلواتهم صامتة”.
كما أمرت المحكمة شرطة الاحتلال، بإلغاء مذكرة الإبعاد الصادرة بحق الحاخام أرييه ليبو لمنعه من زيارة الحرم القدسي بسبب إقامته صلوات صامتة هناك، وينص الحكم كذلك على أن زيارات هذا الحاخام اليومية إلى الحرم القدسي تشير إلى أنه “يعتبرها أمرا مهما جدا ومبدئيا”.
وتعد هذه الخطوة تغييراً للوضع في الأقصى بالتزامن مع ازدياد أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد وإبعاد عشرات المصلين الى جانب منع حلقات العلم في باحاته.
هذا القرار “المثير للجدل” أثار موجهة غضب فلسطينية وعربية كبيرة، وزاد من حدة التوتر داخل الأراضي الفلسطينية وخاصة في القدس وضواحيها، وسط تحذيرات من النتائج المترتبة على وضع الأقصى الجديد، ومناشدات أُطلقت لملك الأردن وباقي الدول العربية والإسلامية للتدخل العاجل والضغط على إسرائيل لتعطيل القرار قبل “وقوع الكارثة الكبرى”.
مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، أكد أن الوضع في المسجد الأقصى خطير وان إسرائيل تتحمل مسؤولية نتائج القرارات التي تتخذها بشأن المسجد الأقصى المبارك .
وناشد الكسواني الملك عبد الله الثاني التدخل فوراً للجم قرارات قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنع الاعتداءات على المسجد الأقصى ، بالإضافة الى مطالبته لجامعة الدول العربية لاتخاذ قرارات لحماية المسجد الاقصى.
وبين أن أهل السجد الأقصى وكما يعرفهم القاصي والداني مخلصون للمسجد الاقصى، ويتصدون بكل ما يمتلكون لاعتداءات الاحتلال ، مشدداً على ان اهالي القدس وعندما يشعرون بالخطر الحقيقي يقفون الى جانب مسجدهم بكل ما أوتوا من قوة ،بالرغم من محاصرة الاحتلال للبلدة القديمة ومنع الشباب من الوصول الى المسجد الأقصى.
الجدير ذكره أن حكومة الاحتلال صعّدت من اقتحامات المسجد الأقصى، خلال الأعوام الأخيرة، من أجل تسريع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك، في حين يسعى الفلسطينيون للتصدي لها، وإبقاء “الأقصى” وقفا إسلاميا خالصا.
ويقتحم مئات المستوطنين بشكل يومي المسجد الأقصى، على فترتين صباحية ومسائية، بحماية من جيش الاحتلال والمؤسسة الإسرائيلية الرسمية، “في محاولة لجعل الاقتحامات أمراً واقعاً يساعدها في تحقيق ما تريده في عملية التقسيم”.
ويستغل المستوطنون، بحماية قوات الاحتلال، خلو المسجد الأقصى من المصلين، واقتصار الوجود فيه على الحراس والسدنة وموظفي الأوقاف، لإقامة طقوسهم التلمودية، في مقدمة منهم لتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا.
حركة “حماس” استنكر بدورها القرار الإسرائيلي، وقال الناطق باسمها حازم قاسم، إن “قرار محكمة صهيونية منح اليهود حق أداء صلاة “صامتة” في الحرم القدسي، يشكل عدواناً صارخاً على المسجد الأقصى، وخطوة على طريق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وهو انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الإنسانية”.
وأضاف “يؤكد هذا القرار من جديد تواطؤ القضاء الصهيوني في العدوان على شعبنا، والمشاركة في تزوير الحقائق والوقائع”، موضحًا أن هذه القرارات “لن تغير من حقائق التاريخ، ولن تفلح في طمس الهوية الفلسطينية العربية للمدينة المقدسة”.
وشدد بالقول: “شعبنا الفلسطيني سيواصل نضاله المشروع لمواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف مقدسات الأمة، وصولًا لتحرير كامل التراب الفلسطيني واسترداد مقدساتنا الإسلامية والمسيحية”.
وأشار إلى أن “تصاعد العدوان على المسجد الأقصى يتزامن مع خطوات تطبيعية لبعض الأطراف في المنطقة”، مُبينا “هذا ما حذرنا منه دائماً بأن التطبيع سيشجع الاحتلال على تصعيد جرائمه بحق شعبنا ومقدساته”.
وأشاد قاسم، بالمرابطين والمرابطات في باحات المسجد الأقصى المبارك، الذي قال إنهم “الأمناء على هوية المدينة، والسياج الحامي لمقدساتنا، والسد المنيع في وجه المخططات التهويدية”.
كما حذرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الاحتلال الإسرائيلي من تبعات قرار السماح للمستوطنين المتطرفين من اقتحام المسجد الأقصى وأداء الطقوس التلمودية في ساحاته.
وأكدت الحركة أن القرار باطل وأن الشعب الفلسطيني سيواجه أي محاولات للمساس بالأقصى، بكل قوة وثبات وعزم لا يلين، موضحةً أن القرار الإسرائيلي سيفتح الطريق لتوالي اعتداءات الإسرائيليين المتطرفين على المسجد الأقصى.
كما دانت وزارة الخارجية والمغتربين بأشد العبارات القرار غير المسبوق التي اتخذته ما تسمى محكمة القدس الجزئية بشأن حق اليهود في أداء صلاة صامته في باحات المسجد الأقصى المبارك، “إن وجود مصلين يهود في الحرم القدسي لا يمثل عملا إجراميا طالما تظل صلواتهم صامتة”، كما قررت المحكمة الغاء قرارات ابعاد بحق حاخامات قاموا بمثل تلك الصلوات.
واعتبرت الوزارة أن هذا القرار يشكل عدواناً صارخاً على المسجد الأقصى المبارك وإعلان حرب حقيقي على الشعب الفلسطيني والامتين العربية والإسلامية، وبداية حقيقية لتقسيم المسجد وباحاته مكانياً، ودعوة صريحة للحرب الدينية في المنطقة. لقد كشف قرار المحكمة الإسرائيلية الطبيعة الحقيقية للاقتحامات والمخطط الذي يقف خلفها والذي لطالما حذرنا منه مراراً وتكراراً، وهو دليل اخر على ان منظومة المحاكم والقضاء في إسرائيل هي جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال نفسه.
وقالت الوزارة أنها تنظر بخطورة بالغة الى هذا القرار ونتائجه وتداعياته الخطيرة على المسجد الأقصى المبارك ووضعه التاريخي والقانوني القائم، مضيفةً أنها والدبلوماسية الفلسطينية في حالة استنفار لمواجهة هذا القرار ومخاطره، وهي ستواصل تحركها السياسي والدبلوماسي على الأصعدة كافة لإسقاطه، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة وفي مقدمتها مجلس الامن واليونسكو، وستقوم الوزارة بتنسيق جهودها وتحركها مع الاشقاء في المملكة الأردنية الهاشمية ومع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والدول الصديقة على المستوى الإقليمي والعالمي.
تطالب العالمين العربي والإسلامي التعامل بمنتها الجدية مع هذا القرار ومخاطره على المسجد الأقصى المبارك.
وعربيًا ندد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بقرار المحكمة الإسرائيلية بالسماح لليهود الصلاة في الأقصى، ما يمثل سابقة خطيرة، ويعكس نوايا الحكومة الجديدة وخططها المتواصلة لتهويد القدس، واستهداف الوجود الفلسطيني فيها.
وأكد أبو الغيط، أن القرار يُمثل خطوة أخرى نحو التقسيم المكاني للأقصى، وهو أمرٌ نستنكره بأشد العبارات، ليس فقط على الصعيد العربي، وإنما على مستوى العالم الإسلامي كله، مشددًا على أن الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس يُعد مسؤولية دولية، وأن سعي سلطات الاحتلال لتغيير هذا الوضع يُعد انتهاكا جسيما للقانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة.
وأوضح أنه في الوقت الذي يتم التضييق فيه على المصلين الفلسطينيين، تواصل سلطات الاحتلال السماح باقتحامات للمسجد الأقصى من جانب الجماعات اليهودية، لافتا إلى تواتر هذه الاقتحامات بمعدل أكبر خلال الفترة الأخيرة وتزايد أعداد من يقومون بها من اليهود.
واعتبر أبو الغيط أن السياسات الإسرائيلية بما فيها قرار المحكمة الأخير، تُخاطر بإشعال الموقف على نحو لا يُمكن التنبؤ بمآلاته، خاصة وأنها تمس المشاعر الدينية، داعيا المجتمع الدولي، والرباعية الدولية، إلى تحمل المسؤولية إزاء هذا التطور الذي يُنذر بتدهور أكبر في الوضع.
وبشكل متواصل، يتعرض المسجد الأقصى لسلسلة طويلة ومتشعبة من الانتهاكات الإسرائيلية، حيث تزداد أعداد المقتحمين سنويا، ويُستنتج من مسار الاحتفالات بالأعياد اليهودية في المسجد الأقصى هذا العام أن أجندة التأسيس المعنوي لإقامة “الهيكل” المزعوم تتجه إلى تفجير الوضع بشكل ربما يكون أكبر وأعنف من الأعوام السابقة.
وفي موسم الأعياد الحالي -الذي انطلق بما يعرف بـ”رأس السنة العبرية” في 8 سبتمبر/أيلول الجاري أقدمت ما تسمى بجماعات الهيكل على النفخ في البوق داخل باحات الأقصى لإعلان بداية السنة العبرية من المسجد باعتباره “هيكلها المزعوم”، وقد تم ذلك بتاريخ 2021/9/8.
كم قاموا باقتحام الأقصى بثياب مخصصة لذلك طوال الأيام التالية لرأس السنة العبرية، وتم ذلك لمدة 10 أيام باستثناء الجمعة والسبت.
أما التطور الأهم في مسار العدوان المتصاعد هذا فهو المتوقع في أبريل/نيسان المقبل، إذ سيتزامن عيد الفصح العبري بأيامه السبعة مع شهر رمضان المقبل، وتحديدا في الأيام بين 15 إلى 21 من ذلك الشهر، ويتوقع أن تحاول “جماعات الهيكل” خلاله على اقتحام الأقصى في كل أيامه، وعلى محاولة تقديم “قربان الفصح” في باحاته، وهي المحاولة التي تعمل على فرضها بشكل عملي منذ عام 2015.
(رأي اليوم)