بقلم: محمد فرج
في العام 1993، افتتحت "إسرائيل" سفارتها في أذربيجان، وتحديداً في باكو. تسارعت الزيارات الرسمية وغير الرسمية بعد خطوة التمثيل الدبلوماسي، ومنها لقاء نتنياهو والرئيس الأذربيجاني آنذاك حيدر عالييف في العام 1997، ولحق بها عدد من الزيارات، منها زيارة بيريز للابن إلهام حيدر عالييف في العام 2009، والتي شملت الحديث عن سيطرة أذربيجان على ناغورنو كاراباخ وتفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية. وفي هذا الإطار، نسأل: ماذا تريد "إسرائيل من أذربيجان"؟
أولاً: تشكل أذربيجان فرصة اقتصادية لـ"إسرائيل" كمستورد للسلاح والخدمات العسكرية من تدريب واستشارات، وكذلك شراء الأنظمة الأمنية التي وصلت إلى مطار باكو. كانت جمهوريات آسيا الوسطى الناشئة بحاجة إلى إعادة تأهيل المعدات السوفياتية القديمة بعد التفكك أو عملياً استبدالها. من هذه الدول من "صبر" على انقضاء العقد الصعب لإعادة التعاون مع روسيا الحديثة بقيادة بوتين، وأخرى (أذربيجان) رأت في تغير العالم لمصلحة الأميركي فرصة للانفتاح على "الطرف المنتصر" وأعوانه، وبادرت بسرعة كبيرة إلى تعزيز التعاون مع كيان الاحتلال، على الرغم من تعاقدها لاحقاً في أكثر من صفقة سلاح مع روسيا.
وبحسب مركز سيبري، استوردت أذربيجان 69% من سلاحها من "إسرائيل" خلال الفترة الممتدة بين 2016-2020. وخلال الاشتباكات العسكرية في العام 2020، استدعت أرمينيا سفيرها من "إسرائيل" احتجاجاً على الدعم الإسرائيلي لأذربيجان بالسلاح، والذي استخدم في ساحات المعارك ضدها.
ثانياً: أذربيجان بالنسبة إلى "إسرائيل" ليست زبوناً اقتصادياً فقط، فهي تمتلك جغرافياً حدوداً بطول أكثر من 700 كم مع إيران. يشكل ذلك فرصة بالنسبة إلى "إسرائيل" للتجسس والحروب السيبرانية. ويشير عدد من الأوراق البحثية إلى أن مسيّرات المراقبة على الحدود مع إيران ذات بصمة وصناعة إسرائيلية.
"إسرائيل" التي تشعر بأنها محاصرة من الشمال (حزب الله وسوريا)، ومن الجنوب (غزة)، وبقلق ليس بعيداً من اليمن والعراق، تحاول أن تفرض طوقاً مضاداً على إيران عبر مساحات متعددة، ابتداء من دول الخليج، وليس انتهاء بأذربيجان وإقليم كردستان في العراق، الذي دلّ المؤتمر الأخير على محاولاتها الحثيثة فيه.
ثالثاً: تستورد "إسرائيل" معظم احتياجاتها من النفط من مصدرين أساسيين، هما إقليم كردستان العراق وأذربيجان، وكلاهما يصلها عبر ميناء "جيهان" التركي. وبحسب موقع "trading economics"، استوردت "إسرائيل" ما قيمته 1.3 مليار في العام 2020 من نفط أذربيجان، و434 مليون دولار في العام 2019. في المعدل، تستورد "إسرائيل" 30-40% من احتياجاتها من النفط من أذربيجان.
رابعاً: تقوم خطة "إسرائيل" على كسب أكبر عدد من النقاط بهدف تحقيق الاعتراف العالمي بها، وهاجسها الأكبر في هذه المحاولة هو العالم الإسلامي. أذربيجان التي استضافت السفارة الإسرائيلية منذ العام 1993، لم تفتتح سفارة لها هناك، قلقاً من ضغط العالم الإسلامي، وأبقت على تفاصيل علاقتها الدقيقة مع "إسرائيل" سرية، ولكنها مؤخراً، في آب/أغسطس من العام الحالي، افتتحت مكتباً للتبادل التجاري في "تل أبيب"، وتراهن "إسرائيل" على أن يكون ذلك تمهيداً لافتتاح السفارة.
في الأساس، راهن الطرفان الإسرائيلي والأذربيجاني على تشكيل محور رباعي يضم إليه أيضاً جورجيا وتركيا في مواجهة محور سوري إيراني روسي أرميني، ولكن تبدو ملامح التحالف الأول هشة مع قلق تركيا من خسارة حضورها في العالم الإسلامي (الذي يشكل نقطة المركز في مشروعها في المنطقة)، وعدم قدرة جورجيا على الذهاب بعيداً عن التحفظات الروسية.
كشفت التوترات على الحدود الأذربيجانية الإيرانية بوضوح ملامح السياسة الخارجية لإيران، والتي لا تقوم على أسس مذهبية، وإنما تحدد بوصلتها انطلاقاً من العداء لـ"إسرائيل"، فعندما تتحالف دولة يشكل فيها المكون الشيعي 85% من سكانها مع "إسرائيل"، لا يكون نصيبها من الشعور الإيراني إلا العداء!
(الميادين نت)