بقلم: بسام روبين
إن نجاح ستة أسرى فلسطينيون في الخروج من سجن جلبوع بأمن وسلام يعد إنجازا نوعياً ،ويصنف هذا الفعل من العمليات الاستراتيجية الكبرى التي أصابت الأمن الاسرائيلي في مقتل ،وعززت من مفاهيم مقاومة المحتل.
وما حصل مؤخرا من اعتقال أربعة من أبطال جلبوع لم يكن مفاجئا ،بل كشف اللثام عن حقائق مؤلمة بعدما تغنى المحللون بالعملية وربطوها بالتنسيق والتعاون مع بعض الفصائل ،وأن هنالك مركبات أقلت الابطال من باب النفق لإحدى الحدود الآمنة ،حيث تبين خطأ هذه التحليلات ،وبأن العملية من ألفها الى يائها قد قام بها الأسرى الأبطال منفردين مسجلين درجات عالية وفائقة من السرية والدقة في التنفيذ والتخطيط الأمني الاستراتيجي المبني على المعرفة والذكاء.
فقد أنهى الأبطال تنفيذ المرحلة الأصعب من العملية بدءا من التخطيط ومرورا بالحفر الآمن ،وانتهاءا بالتنفيذ والخروج من نفق الكرامة والحرية ،والذي أكد على فشل إسرائيل الأمني ،بعدما أصابه الكبر ،وقد بنى الأبطال الجزء الثاني من خطتهم على معرفتهم بالشعب الذي ضحوا لأجله ،ودخلوا السجن دفاعا عن كرامته وقدرته على التقاط إشاراتهم بحجرهم وشجرهم ،فيلبسوهم طاقية الاخفاء بمجرد خروجهم من أسوار جلبوع ،ولكنهم تفاجئوا منذ الدقائق الأولى بصدور تعليمات لرجال الأمن بتشديد البحث والتحري عنهم وإعادتهم للمعتقل في سلوك غريب ومستهجن ،فكيف لشعب ثائر ومنتفض سلبت أرضه أن يتعاون مع عدو محتل فيسلم أبنائه الأبطال ،ولكنهم وجدوا البيوت مغلقة أمامهم ،وبدلا من أن يقول الحجر والشجر لهم اختبئوا خلفي ،وجدوا أصناماً تقول خلفي أسير تعال فاعتقله ،فلم ينتظرهم أحد من الفصائل ولا حتى من الأقارب أو الجيران ،فأصابهم ما أصاب اهل الكهف( فابعثوا احدكم بورقكم هذه إلى المدينه فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً ) ،ولكنهم لا يمتلكون مالاً ولا سلاحاً ولا حتى لباساً ،فأدركوا أن بعض الناس قد تغيروا ،وأصبح الخون يصولون ويجولون بحثا عنهم ،فأصابتهم الصدمة ولم يكن أمامهم خيار أفضل من العودة إلى سجن المحتل ليقولوا لقادته لقد لقناكم درساً أمنياً ،وانتهت مهمتنا وعدنا أدراجنا لنموت بكرامة وشرف ،وذلك خير من أن نتلوث بما شاهدناه.
فكيف لنا أن نميز بين الخائن والشريف بعد غياب طويل عنهم ،ولو أن الفصائل المختلفة أدركت مبكرا قيمة العمل الذي قام به هؤلاء الأبطال ومعانيه الاستراتيجية لشقت الارض بحثا عنهم ،واعدت لهم متكئاً ،ولكن يبدو أن النوايا اختلفت فقليل هم من يفهمون لغة اولئك الأبطال الذين لم يتلونوا بالنفاق والكذب والخيانة والتحالف مع المحتل.
وبالرغم مما حصل إلا أنني لا أصدق الفرضيات التي تتحدث عن خيانة البعض والمساهمة في تسليم أربعة من العظماء ،فلا يمكن أن نجد عربياً أو مسلماً يقبل على نفسه تسليم هؤلاء الابطال للمحتل ،فالأمن الإلكتروني الصهيوني لا يحتاج لهم إلا في نطاق ضيق ،فالكاميرات الذكية منتشرة في كل الطرقات ،وما أن يدخل الأبطال في مجال إحدى هذه الكاميرات حتى يتم رصده ببصمة الوجه وقزحية العين ،ويتم تتبعه بالتنسيق مع الكاميرات الشعبية ،مما يجعل دوائر البحث الاستخباري تضيق ،وتطلب مساعدة العملاء في تلك الدوائر الضيقة ،ولو أن الفصائل تدخلت في الوقت المناسب بنقل الأبطال الستة بمركبات مغلقة ،لما تمكنت تلك الكاميرات من رصدهم ،ولكنهم أخفقوا في هذه المهمة ،وقدموا اخفاقهم هدية للمحتل.
ونتمنى للبطلين الأحرار أن يمكثوا خارج دوائر العملاء ،وبعيدا عن نطاق الكاميرات ،ومع هذا الواقع الصادم لأحرار الأمة ،ربما يشير الى أن اليهود باقون ضمن المدى المنظور بوجود أعداد من العملاء في الداخل والخارج ،فجيل بهذه الجينات لن يكون قادرا على تحرير القدس والمقدسات ،وقد يبرز شعاع من الأمل مع جيل جديد بجينات محسنة بعدما ضاعت الكرامة ،وبات الجيل لا يهتز عندما يرى خائناً أو جاسوساً أو محتلاً أو فاسداً ،بل نراه يصمت عند اعتقال الأحرار والشرفاء ،ولا يتفاعل مع أبطال نفق الحرية.
وأخيراً نقول أن الأسرى الستة قد نجحوا في مهمتهم ،وبعض الفصائل أخفقت في تفاعلها مع نفق الحرية الذي كشف زجاجية الأمن الصهيوني الذي تديره التكنولوجيا وأفراده نائمون ،داعيا العلي القدير أن يقف مع الأسرى الشرفاء ويجعل من بينهم ومن خلفهم سدا فيغشي الخونة والمحتلين عنهم ،فهم لا يبصرون وللقدس والمقدسات رب يحميها.
عميد اردني متقاعد
المصدر/ رأي اليوم