2024-11-24 06:57 م

دبي والرياض: منافسة محتدمة على رؤوس الأموال

2021-09-04
بدأت أخيرًا بعض القنوات التلفزيونية السعودية نقل مقارها الرئيسية الموجودة في دبي إلى الرياض، فيما نقلت عن بعض العاملين في تلك القنوات أنه تم إخبار فريق عمل قناتي “العربية “و”الحدث” بخطط الانتقال إلى العاصمة السعودية، الإثنين الماضي، بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.

ومن المقرر أن تتم هذه الخطوة على عدة مراحل وأن الهدف الأساسي “إنتاج 12 ساعة من البرامج الإخبارية من العاصمة السعودية بحلول أوائل يناير 2022” حسبما نقلت الوكالة عن العاملين الذين أشاروا إلى أنه “سيتم تقديم الدعم لبقية الموظفين للتحرك بشكل تدريجي مع اكتمال المرافق، وأكدت الإدارة للموظفين أنه لن يكون هناك تسريح للعمال”.

كما نقلت الوكالة عن الرئيس التنفيذي لمجموعة MBC، سام بارنيت، قوله “خطط الشركة السعودية لإنشاء مقر جديد في الرياض، التي تم الإعلان عنها العام الماضي تسير على الطريق الصحيح”، مضيفًا “مجموعة MBC تخطط للحفاظ على وجود إقليمي قوي”.

يأتي هذا التحرك تماشيًا مع القرار السعودي الصادر في الـ20 من فبراير/شباط الماضي الخاص بوقف المملكة التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقرّ إقليمي في المنطقة خارج المملكة، ابتداءً من عام 2024، في الوقت الذي قدمت فيه الرياض حزمة من التحفيزات لجذب أنظار المستثمرين للعاصمة السعودية التي يخطط لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن تكون واحدة من أكبر عشرة اقتصادات مدن في العالم، مخصصًا قرابة 800 مليار دولار لتحقيق هذا الهدف.

القرار بحسب الحكومة السعودية يهدف إلى الحد من “التسرب الاقتصادي” وتعزيز خلق فرص العمل، وتعزيز رؤية 2030 التي تستهدف تنويع الموارد الاقتصادية غير النفطية، لكن في المقابل يراه البعض استهدافًا مباشرًا للإمارات، ومحاولة سحب البساط من تحت أقدام دبي كمركز تجاري عالمي.

 

تنويع الاستثمار

بداية هذا العام، أطلقت المملكة من خلال مبادرة Invest Saudi أو “استثمِر في السعودية”، المسؤولة عن الترويج للاستثمار بالمملكة، حزمة من التحفيزات المغرية للمستثمرين الأجانب لنقل مقار عملهم إلى الرياض، فيما عرف باسم “نقل مقار الشركات”.

وفي ذات السياق خصصت المملكة 59 ناطحة سحاب بمجمع الملك عبد الله بالرياض، جرى تجهيزها بشكل كامل لاستقبال مقار الشركات العالمية، وهي الخطوة التي اعتبرها البعض نقلة نوعية في تنفيذ رؤية تنويع موارد الاقتصاد السعودي، ووضع الرياض على قائمة المدن الاستثمارية العالمية.

المبادرة ضمنت للشركات العالمية إعفاءات ضريبية ومرونة في التعامل وتذليل كل العقبات الإدارية التي كانت عقبة كبيرة في السابق أمام وجود تلك الكيانات العملاقة، وهو ما أتى بثماره سريعًا، إذ أعلنت 24 شركة دوليةً عزمها نقل مكاتبها الرئيسية في المنطقة إلى الرياض، ومن هذه الشركات شركة PepsiCo، وشركة خدمات حقول النفط الفرنسية Schlumberger، وسلسلة المطاعم الكندية للوجبات السريعة Tim Horton’s.

التحرك السعودي يأتي في قت تواجه فيه المملكة صعوبات بالغة في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعدّ حجر أساس في رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد لتنويع مصادر الدخل والموارد الاقتصادية بعيدًا عن عائدات النفط التي تشكل العصب الأساسي للاقتصاد السعودي، وما يتضمن ذلك من مخاطرة في ظل التأرجح في أسعار النفط بين الحين والآخر والانقسامات الكبيرة بين الدول المنتجة التي تكشفه السجالات غير المعلنة داخل منظمة أوبك وأوبك بلس.

خلال السنوات الثلاثة الأخيرة على وجه الخصوص قطع ابن سلمان شوطًا كبيرًا في تقديم وجه إصلاحي (ظاهري) جديد للعالم، يحسن به الصورة المتشددة لبلاده والمستقرة في أذهان المجتمع الدولي، وذلك من خلال تطويق المؤسسات الدينية وتحجيم نفوذها وتقليم أظافر العلماء والدعاة، في مقابل الانفتاح المطلق على المشروعات الترفيهية التي تستهدف الشباب والمرأة في المقام الأول، حتى لو كان على حساب المرتكزات الوطنية للمملكة.

 

هدف رئيسي

لا يمكن قراءة هذا التحرك بمعزل عن التوتر في العلاقات بين السعودية والإمارات، فالقرار حين تم إعلانه قبل 7 أشهر قيل وقتها إنه لن يتجاوز التهديد الإعلامي في ظل تباين وجهات النظر بين البلدين حينها، كمحاولة للضغط على أبو ظبي لإعادة النظر في بعض السياسات في المنطقة التي تتعارض مع المصالح السعودية بشكل يحمل تهديدًا لأمنها القومي في بعض الأحيان، كما هو الحال في الملف اليمني.

لكن الانتقال من التصريحات الإعلامية إلى الممارسات الفعلية، ودخول القرار حيز التنفيذ بالفعل بهذه السرعة، رغم أن التهديد السعودي بإيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقرّ إقليمي في المنطقة خارج المملكة، سيكون ابتداءً من عام 2024، يحمل الكثير من الدلالات بشأن العلاقات بين الحليفين.

أحد رجال الأعمال المقيمين بالإمارات في تعليقه على هذا القرار خلال حديثه لشبكة CNBC الأمريكية وصف هذه الخطوة بأنها “تستهدف الإمارات بوضوح” و”ضربة لدبي”، مضيفًا “هذا قرار مريع ومُعادٍ للسوق والمنافسة وإرهاب للشركات”، وهو الرأي الذي استقر عليه الكثير من خبراء الاقتصاد والسياسة معًا.

تشكل دبي، كمركز تجاري عالمي، عصب الاقتصاد الإماراتي وقاطرة التنمية الأسرع في الدولة الخليجية وإحدى الأدوات المعززة لأجندة أبناء زايد في المنطقة، لذا فتحت السلطة الحاكمة في الإمارات خزائن بلادها للدفاع عن هذا السلاح بشتى السبل، فكان تعطيل المنافسين بأي طريقة كانت، أو إجهاض أي مساعي لهم بالوجود على ساحة المنافسة، بل وصل الأمر إلى التوغل في مفاصل الدول التي تمتلك مقومات التصدي والحضور، كمصر واليمن والسودان ودول القرن الإفريقي.

استهداف دبي ضربة موجعة سيكون لها تبعاتها في تفريغ الدولة الخليجية من نفوذها العالمي وإسقاطها من فوق البرج العاجي الذي تربعت عليه لسنوات طويلة، كانت الأجواء الإقليمية خلالها بلا منافسة، ما سمح لها بتعزيز وجودها شرقًا وغربًا دون أي عقبات يمكن أن تعرقل أجندتها التوسعية، وهو ما يفسر حالة القلق العارم التي سيطرت على الشارع الإماراتي مع الإعلان عن القرار السعودي فبراير/شباط الماضي.

 

المنافسة ليست سهلة

منافسة دبي ليست بالأمر السهل لا سيما إن كان المنافس يعاني من صورة سلبية دولية وانتقادات حقوقية على أكثر من ملف، داخليًا كان أو خارجيًا، الأمر الذي يجعل من القدرة على سحب البساط من تحت أقدام العاصمة التجارية الإماراتية مهمة شاقة تتطلب جهودًا جبارة.

الأجانب يشكلون في دبي غالبية سكانها، تقريبًا أكثر من 90% من المقيمين بها، وهو حال الدولة ككل، فضلًا عن سياسات الانفتاح الاقتصادي وتقليص القيود القانونية على حرية الممارسات بشتى أنواعها، وهو ما جعلها قبلة للاستثمارات الأجنبية التي فاقت ما تلقتها السعودية بنسبة ثلاثة أضعاف تقريبًا.

وكان نتيجة لتلك السياسات أن احتلت الإمارات المرتبة الـ16 في مؤشر سهولة ممارسة التجارة لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي، فيما احتلت السعودية المركز الـ63، تعزز هذا الأمر بتوظيف أبو ظبي نفوذها المالي والاقتصادي لخدمة الترويج لدبي وتوسيع دائرة حضورها عالميًا من خلال عدد من الأدوات التي تعزف على ذات الوتر على رأسها شركة “موانئ دبي” العملاقة.

الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في دفاعه عن دبي في مواجهة المخطط السعودي، علق على تويتر، قائلًا: “الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرًا منذ 30 سنة، لتدير عملياتها وفروعها في 50 دولة من الهند إلى المغرب ومن تركيا إلى نيجيريا، اختارت دبي دون غيرها، بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية والبيئة التشريعية والاجتماعية والبنية التحتية الفريدة ولن تتركها”، مختتمًا حديثه بـ”رغم ذلك مليون أهلًا بالمنافسة”.

 

هل تنجح السعودية؟

تسير السعودية في طريقها نحو سحب البساط من تحت أقدام دبي في مواجهة العديد من التحديات، أبرزها كما أشرنا سابقًا، الصورة المشوهة حقوقيًا للمملكة، منذ مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018، هذا بخلاف الانتهاكات الإنسانية الممارسة في اليمن منذ بداية الهجمات التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية، مارس/آذار 2015.

هناك فريق يذهب إلى أن المملكة قادرة على المضي قدمًا في هذا الطريق، ولديها من المؤهلات ما تمكنها من منافسة دبي بشكل كبير، مستعرضًا المحفزات التي قدمتها الرياض في هذا السياق، التي تتفوق بشكل واضح على ما تقدمه الإمارات، سواء على مستوى الإعفاءات الضريبية أم على مستوى الرواتب والأجور.

الكاتب الصحفي المصري، فراج إسماعيل، يشير إلى أن خطة نقل المقرات الرئيسة للمؤسسات الإعلامية السعودية من دبي ولندن إلى الرياض، خطة قديمة، مقدمًا شهادته على ذلك خلال لقاء جمعه بمدير عام قناة العربية سابقًا، عبد الرحمن الراشد، في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود،  وكان ضمن الحضور مذيعة لبنانية تعمل بالقناة، فسألته عن كيف لمثلها وهي دون حجاب أن تتعامل مع غطاء الرأس في المملكة، حيث كان مفروضًا على الجميع في ذلك الوقت، فأجابها الوزير السعودي قائلًا: “مدينة الإعلام التي تزمع السعودية تأسيسها، ستكون ذات قوانين خاصة بها”.

وأضاف إسماعيل في منشور له على صفحته على فيسبوك “كان ذلك الكلام في عهد العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لكن هذه الأمور لم تعد ذات مشكلة حاليًّا بعد ثورة التحديث الشاملة اجتماعيًا ودينيًا التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان، الذي خصص 800 مليار دولار لتحويل الرياض إلى واحدة من أكبر العواصم الاقتصادية في العالم”.

وتعاني العلاقات بين البلدين خلال الآونة الأخيرة من توترات مكتومة، جراء تباين وجهات النظر حيال بعض القضايا، والتغريد الإماراتي المنفرد في عدد من الملفات، الأمر الذي اعتبرته المملكة تهديدًا مباشرًا لثقلها الإقليمي الذي تأثر كثيرًا بالانخراط في ركب الأجندة الإماراتية.

من المرجح أن القرار لن يتوقف عند العربية والحدث فقط، بل يتوقع أن يشمل قناة الشرق حديثة الانطلاق، ومؤسسات صحفية أخرى مثل الشرق الأوسط اللندني، وسائر المطبوعات التي تدار بمال سعودي، وعليه من المتوقع أن يكون وقع تلك الهجرة الجماعية ثقيلًا على الإمارة الصغيرة التي لم تنتعش إلا بفضل الأموال الأجنبية، الأمر الذي يحمل بين طياته تهديدًا كبيرًا لمستقبل حضورها الإقليمي اقتصاديًا، فكيف يتصرف أبناء زايد؟

(المصدر: نون بوست)