2024-11-30 07:44 ص

الشرق الأوسط على صفيح ساخن

2021-08-14
بقلم: اللواء محمد ابراهيم*

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تعانى من كافة أنواع الصراعات والتوترات التى تدفع المنطقة إلى أن تكون بالفعل على صفيحٍ ساخن، وفى رأيى أن هذه التوترات والقلاقل سوف تستمر في المنطقة لفترةٍ طويلة بل سوف تستجد مشكلات أخرى مستقبلاً ليس فقط لكونها منطقة إستراتيجية تتصارع فيها مصالح القوى الكبرى بلا رحمة، ولكن أيضاً لأن حل العديد من مشكلات المنطقة لازال يتطلب إرادةً سياسيةً قوية من زعاماتها وشعوبها، تلك الإرادة القادرة على أن تساهم فى تسوية نزاعاتها فى مواجهة التدخلات الخارجية التى تزيد من عمق هذه الأزمات .

واسمحوا لى فى البداية أن أستبق الأحداث وأتعرض إلى مثالٍ واحدٍ للتدليل على مدى أهمية التعامل العربي الموضوعي مع بعض هذه الأزمات وأقصد هنا تحديداً التعامل المصري مع الأزمة الليبية حيث  تحركت مصر منذ البداية بشكلٍ إيجابي وأكدت مراراً أن هذه الأزمة لن يتم حلها إلا من خلال تسوية سياسية ليبية / ليبية وأن الشعب الليبي وقيادته هم الأقدر على نقل هذه الأزمة من مرحلة التدهور إلى مرحلةٍ يمكن أن تجد فيها فرصاً أفضل للحل وأن الإرادة السياسية الليبية سوف تكون في النهاية هي الفيصل .

وحتى يكون حديثي واقعياً في هذا الشأن فإنني لا أعنى بذلك التحييد أو التغييب الكامل لأدوار القوى الخارجية يى مثل هذه الأزمات، ولكني أؤكد على أنه من الضروري أن مثل هذه الأدوار يجب أن تساعد على تسهيل التوصل إلى التسوية السياسية وليس تعقيد فرص حلها وإلا سوف تظل تدور فى حلقةٍ مفرغة بل يمكن وصف هذه الأدوار فى هذه الحالة بأنها مشبوهة ومعوقة . 

وإذا نظرنا إلى الوضع الحالي فى منطقة الشرق الأوسط سوف نجد أن هناك بعض المحددات التى يمكن أن ترسم لنا صورة واقعية لهذا الوضع الصعب ، وقد حاولت فى هذا المجال رصد المحددات التسعة التالية : –

المحدد الأول : أن الوضع العربى بصفة عامة لايزال يعانى من كافة المشكلات التي شهدها منذ فترة طويلة دون أن تكون هناك فى الأفق أية إمكانيات لحلٍ نهائي مقبول لأىٍ من هذه الأزمات . 

  المحدد الثاني: أن القوى الخارجية المنخرطة في أزمات المنطقة تتحرك في إطار واحد فقط وهو كيفية الحفاظ على مصالحها حتى لو تطلب الأمر مزيداً من تدخلها المباشر والغير المباشر غير عابئة بمصالح شعوب المنطقة ، كما أن هذه القوى حتى وإن إدعت أن تدخلها يهدف إلى إنهاء هذه الأزمات فإنه من الواضح أنها لا تبذل الجهد الكافى لحل أىٍ منها . 

المحدد الثالث : إستثمار إسرائيل للأوضاع العربية الحالية من أجل التوجه نحو مزيدٍ من تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية وخاصة المغرب والبحرين والإمارات دون أن تقدم أية تنازلات في القضية الفلسطينية التي تراوح مكانها بل تتراجع فرص حلها بفعل التشدد والتجاهل الإسرائيلي لعملية السلام والتقاعس الدولى والإنقسام الفلسطيني .

المحدد الرابع : تزايد الدور الإيراني في المنطقة خاصة في أعقاب إنتخاب الرئيس الإيرانى الجديد “إبراهيم رئيسى” رجل الدين المحافظ والمقرب من المرشد الأعلى على خامنئى، وأصبح هذا الدور يتطور إلى درجة أنه لا يتورع عن الإشتباك في بعض الأعمال العسكرية دون إكتراث بالنتائج المترتبة على ذلك . 

المحدد الخامس : سعي تركيا إلى تثبيت نفوذها في المناطق الموجودة بها مع محاولة كسب مناطق نفوذ جديدة في الدول التي تدعي أنها تمثل مجالاً حيوياً لها ، ومن ثم فإن هذا الدور التركي يعتبر دوراً هاماً في تعميق المشكلات المثارة في هذه المناطق العربية .

المحدد السادس : إستمرار قضية “السد الإثيوبي” دون وجود حلول نهائية تتوائم مع مطالب موقفي دولتي المصب ( مصر والسودان) والمتمثلة في ضرورة التوصل إلى إتفاق شامل وقانوني وملزم بشأن عملية ملئ وتشغيل السد، في الوقت الذي تواصل فيه إثيوبيا رفضها للتوصل لهذا الإتفاق الذي ينادى به المجتمع الدولي، وقد تلاحظ مؤخراً أن المجتمع الدولي بدأ يركز بشكلٍ واضح على الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وخاصة ما يتعرض له إقليم التيجراي من مشكلات إنسانية أكثر من إهتمامه بقضية السد وهو الأمر الذى نعيه جيداً . 

المحدد السابع : أن التطورات المتسارعة للموقف فى أفغانستان يمكن أن تنعكس سلباً على الأوضاع الأمنية في المنطقة خاصة مع إستمرار حركة طالبان في السيطرة على العديد من المدن الأفغانية وذلك في أعقاب إنسحاب القوات الأمريكية مؤخراً من أفغانستان وعدم قدرة الحكومة الأفغانية على مواجهة تقدم هذه الحركة.

المحدد الثامن : إمكانية عودة الإرهاب إلى المنطقة خلال المرحلة القادمة في ضوء محاولات إحياء نشاط تنظيم داعش في بعض المناطق في كل من العراق وسوريا ، وفي نفس الوقت فإن وضعية التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء سوف تنعكس أيضاً على الأوضاع الأمنية في المنطقة .

المحدد التاسع : أن مسألة التوصل لإتفاق نووي جديد بين كل من إيران والولايات المتحدة ( مفاوضات فيينا التي تجري بوساطة الإتحاد الأوروبي) أو بعبارة أخرى إعادة إحياء الإتفاق النووي الموقع عام 2015 سوف تلقي بظلالها على الأوضاع في المنطقة حتى يتم حسم هذه القضية سلباً أم إيجاباً . 

وإذا حاولنا تطبيق هذه المحددات التسعة على الوضع العربى الراهن سوف نجد ما يلى : –

– أن المشكلات التي تعاني منها المنطقة العربية وعلى رأسها بالطبع القضية الفلسطينية لا تزال قائمة ولا توجد في الأفق أية مؤشرات على إقتراب الحل النهائى لها لاسيما بالنسبة للأزمتين السورية والليبية ، ونشير في هذا المجال إلى إستمرار تعثر المحاولات والإجتماعات الليبية والأممية حتى الآن والتي تهدف إلى إقرار القاعدة الدستورية لإجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقررة فى ديسمبر من العام الحالى 2021 .

– أن الأوضاع في كل من العراق والسودان لاتزال تشهد مظاهر عدم الإستقرار المنشود رغم كافة المحاولات التي تبذلها القيادتان السياسيتان فى كل من بغداد والخرطوم من أجل دعم أمن وسلامة وتقدم البلدين .

– أن الموقف فى اليمن لايزال يخضع لأهداف ومخططات من جانب الحوثيين والقوى المساندة لهم دون أن نلاحظ أن المبادرات الإقليمية والدولية المطروحة للحل يمكن أن تجد طريقها للتنفيذ فى المرحلة القريبة القادمة .

– أن هناك دولاً عربية أخرى بدأت تدخل ما يمكن أن أسميه “حزام عدم الإستقرار” وتشهد هذه الدول قدراً ملحوظاً من التوتر وتزايد المشكلات الداخلية خاصة فى كل من لبنان وتونس الجزائر، وبالرغم المحاولات التي تبذلها قيادات هذه الدول للسيطرة على هذه الأوضاع المتردية إلا أن التوترات لا تزال قائمة وقد تتزايد تأثيراتها فى أى وقت .

– أن التوتر القائم بين كل من إسرائيل وإيران يزداد تعقيداً خاصة مع تصاعد ما يمكن تسميته “بحرب السفن” والتي كان آخرها تعرض السفينة “ميرسر ستريت” التابعة لإحدى الشركات الإسرائيلية لهجوم بطائرة مسيرة فى بحر عُمان ، مع توجيه كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا الإتهام لإيران بتنفيذها هذا العمل الذى أصبح تكراره يهدد الملاحة فى الممرات الدولية ( حدوث أكثر من 20 هجوم على سفن مدنية منذ عام 2109 بواسطة ألغام وطائرات بدون طيار وقوات كوماندوز وهو ما أطلق عليها البعض “حروب الظل” بين إسرائيل وإيران ) .

– توتر الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله وإطلاق الأخير خلال الأيام الماضية مجموعة من الصواريخ على مدن الشمال الإسرائيلي في سابقة لم تحدث بهذا الشكل منذ فترةٍ طويلة وهو الأمر الذى يهدد بإنتهاء الهدوء الذي ساد هذه المنطقة، وهو نفس الأمر الذي يمكن أن ينطبق على الوضع الغير مستقر بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة .

وفى تقديري أنه رغم هذه التوترات التى تشهدها المنطقة والتي تنبئ فى بعض الأوقات بإمكانية إنفجار الوضع بين بعض الأطراف خاصة بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية  وبين إيران من ناحية أخرى ، إلا أن الواقع يشير إلى أن مسألة تفجر الأوضاع في المنطقة تعد مستبعدة إلى حدٍ كبير فى الوقت الراهن لاسيما وأن كافة القوى المتداخلة فى أزمات المنطقة أصبحت تحقق أهدافها دون أن تلجأ إلى خيار الحرب أو تفجير شامل للوضع ، وفي تقديرى أيضاً إستمرار بعض هذه التوترات حتى يتضح في الأفق مستقبل الإتفاق النووى مع إيران .

وفي نفس الوقت فقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تركز إهتماماتها الخارجية خلال هذه المرحلة على مستقبل علاقاتها مع كل من الصين وروسيا كأولوية أولى، أما فيما يتعلق بمشكلات منطقة الشرق الأوسط فإن المبدأ الذي تتبناه الإدارة الحالية يتمثل في الحفاظ على الأوضاع الراهنة والتركيز على معالجة الجوانب الإنسانية مع تحجيم أى تصعيد ممكن حدوثه حتى لا يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة وهو ما نجحت فيه إدارة الرئيس بايدن حتى الآن ، ولكن السؤال الذى يظل مطروحاً يتمثل في كيفية إحكام المجتمع الدولى السيطرة على هذه التوترات المتكررة ومنع تفاقمها ؟ وهو الأمر الذي لا يمكن لأي قوى أن تضمنه مستقبلاً .

وفي خضم هذه التوترات والسمات التي تميز بها الوضع العربي والإقليمي يمكن أن نصل إلى خلاصة مفادها أن مصر لا تزال تمثل المحور الرئيسى للتوازن والإستقرار في المنطقة في ظل ما تتمتع به من علاقات جيدة مع جميع الأطراف ولا تحركها أية مصالح خاصة مع أي طرف من أطراف النزاع ، بل أن القيادة السياسية المصرية حريصة كل الحرص على أن تطرح رؤى عملية ومرنة لحل هذه الأزمات سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق مع المجتمع الدولى حتى فى القضايا التى ترتبط تماماً بالأمن القومى المصرى مثل قضيتى السد الإثيوبي والأزمة الليبية .

كما تسعى القيادة السياسية المصرية إلى بلورة ما يسمى “بالتحالفات الإستراتيجية”  مع بعض الدول العربية الشقيقة بما فيها بالطبع بعض دول الخليج العربي من أجل تحقيق الإستقرار في هذه المنطقة وذلك في ظل القناعة بأن هذه التحالفات قادرة على تحقيق مصالح الدول الأعضاء فيها ودعم إستقرارها من خلال إستمرار التنسيق المتواصل بينها وتطبيق سياسة التكامل الإقتصادى والعسكرى والأمنى وليس فى المجال السياسى فقط .

وفي النهاية وبالرغم من هذه الجهود المسبوقة التي تبذلها القيادة المصرية على المستويين الإقليمى والدولى والتحرك الدؤوب من أجل دعم الإستقرار بمفهومه الشامل في المنطقة ، إلا أن هذا التوجه يظل فى حاجة إلى جهدٍ عربى ودولي لدعم هذه التحركات المصرية من أجل تحقيق تسويات سياسية لأزمات المنطقة قدر المستطاع وبما يحقق مصالح شعوب المنطقة في الأساس حيث أنه بدون هذه الحلول السياسية سوف يظل الشرق الأوسط على صفيح ساخن لفتراتٍ طويلة قادمة ولن يتضرر فى هذه الحالة إلا الوضع العربي الذي لازلنا نأمل أن يتحسن ولو قليلاً . 

*نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية