2024-11-25 12:35 م

خطاب المقاومة الفلسطينية: حرب نفسية وتهديدات تليها أفعال

2021-05-18
تشهد الجولة الحالية من العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، تطوراً ملحوظاً في خطاب المقاومة الفلسطينية العسكري الموجه للإسرائيليين والجبهة الداخلية الفلسطينية في آن واحد، بشكل مختلف عن سابقه من الجولات والحروب التي تعرض لها القطاع. وبرزت ملامح هذا الخطاب منذ التهديد الأول الذي منحت بموجبه المقاومة الاحتلال مهلة زمنية للانسحاب من المسجد الأقصى ووقف تهويد حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وذلك في اليوم الأول للتصعيد في 10 مايو/أيار الحالي، قبل أن تبدأ "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، بإطلاق رشقاتها الصاروخية تجاه القدس المحتلة وتل أبيب بعد انتهاء المهلة.

وعاد المتحدث باسم "كتائب القسام"، أبو عبيدة، لممارسة الضغط الإعلامي على الإسرائيليين عبر ظهور تلفزيوني مباشر أعلن خلاله عن توجيه ضربة صاروخية لمطار "رامون" في جنوب فلسطين المحتلة، بصاروخ يُكشف عنه للمرة الأولى حمل اسم "عياش 250". ثمّ تكرر الأمر ذاته بصيغة ورسالة مختلفة، حينما خرج أبو عبيدة ليدعو الإسرائيليين "للوقوف على رجل واحدة في تل أبيب وضواحيها"، رداً على استهداف المدنيين، قبل أن يعود ويعلن يوم السبت الماضي عن "رفع حظر التجوال عن تل أبيب ومحيطها لمدة ساعتين؛ من الساعة العاشرة حتى الثانية عشرة ليلاً، وبعد ذلك يعودوا للوقوف على رجل واحدة".

ولم يتوقف الخطاب عند هذا الحد، إذ عاد أبو عبيدة للظهور المباشر برسالة عبر قناة "الأقصى"، موجهاً بإطلاق عشرات الصواريخ تجاه تل أبيب ومدن الوسط الفلسطيني المحتل عام 1948 ومدينة أسدود، التي تبعد عن القطاع مسافة 40 كيلومتراً.

ويبرز في هذه الجولة اسم القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، من خلال ترديد اسمه كثيراً في الإعلانات والبيانات التي يلقيها الناطق باسم الذراع العسكرية لـ"حماس"، أو حتى في الرسائل التي تُبث إلى الفلسطينيين المنتفضين في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل.

فلسطينياً، فقد شكلت هذه اللغة الإعلامية العسكرية بالنسبة للفلسطينيين مشهداً غير مسبوق وغير معتاد على صعيد التهديد بالفعل العسكري ثمّ التنفيذ، فضلاً عن الإشادة بحجم التطور الحاصل في مختلف القدرات الخاصة بالمقاومة والتي لا تقتصر على قوتها العسكرية، بل خططها المختلفة، بما في ذلك الخطاب الإعلامي.
في السياق، يقول حيدر المصدر، وهو مختص في الشأن الدعائي، إن "المختلف في لغة الخطاب هو أنها ترتكز على قوة عسكرية أكبر من تلك التي كانت موجودة في حرب عام 2014"، مشيراً إلى أنّ "الخطاب الحالي للمقاومة عموماً، وللقسام خصوصاً، يتمتع بالثقة والهدوء، مقارنة بجولات التصعيد السابقة، التي كان فيها الخطاب يجاري الأحداث".

ويوضح المصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الخطاب الخاص بالمقاومة يحمل أكثر من رسالة تأثير؛ فهناك رسائل التهديد الموجهة ضد الاحتلال والتي تهدف للتأثير عليه وضرب جبهته الداخلية والروح المعنوية لديه، وهناك رسائل موجهة للمجتمع المحلي من أجل تعزيز الروح المعنوية للفلسطينيين وزيادة حالة الصمود".

ولا يرى المصدر، وجود اختلاف في الخطاب العسكري الحالي للقسام والمقاومة، إنما هو "امتداد للخطاب السابق، مع وجود سياق مختلف للأحداث، يتمثّل في حضور الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك الضفة والقدس المحتلتين في المعركة". وبحسب المصدر، فإنّ الخطاب الإعلامي لقوى المقاومة خلال الجولة الحالية بمواجهة العدوان الإسرائيلي "منضبط ويرافقه فعل عسكري، وهو يحاول أن يؤثر في مجريات الأحداث، عبر توجيه الضغط وتركيزه إعلامياً من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها القيادة العسكرية منذ بداية الجولة".

وبات خروج المتحدثين العسكريين باسم قوى المقاومة في غزة محط اهتمام ومتابعة من قبل المجتمع المحلي وحتى الإسرائيلي، لا سيما أبو عبيدة الذي برز كثيراً في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2014، عبر بيانات عسكرية ظلت حاضرة حتى الجولة الحالية.
من جهته، يرى رئيس تحرير وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا"، ياسر أبو هين، أنّ "المقاومة في غزة، وتحديداً كتائب القسام، لم تراكم القدرات العسكرية فقط منذ نهاية حرب 2014، إذ يتضح من مجريات الأحداث وجود مراكمة لخبرات وإدارة العمل الإعلامي". ويشير أبو هين، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "هناك مخاطبة للجمهور الإسرائيلي ومحاولة للعب على وتر التناقضات الإسرائيلية، عبر تكتيكات تنتهجها المقاومة تهدف إلى إهانة المنظومة العسكرية والأمنية والإعلامية للاحتلال، كما تكرر في إعلانات وخطابات الجولة الحالية".

ويرى رئيس تحرير وكالة "صفا"، أنّه "بات واضحاً مدى تطور الخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، وأنّ إدارته لا تتم بشكل عشوائي وعفوي، إنما بشكل مدروس ومخطط لتحقيق التناغم بين الأداء العسكري والأداء الإعلامي في الميدان كما يجري حالياً". ويشير أبو هين إلى أنّ "المقاومة كانت في السابق تركز على عنصر المفاجأة والذهول من خلال تنفيذ عمليات نوعية عدة مفاجئة للاحتلال كما جرى عام 2014، لكن في هذه الجولة، هناك سير بخطين متوازيين عبر التصعيد العسكري والعمل في مجال الحرب النفسية والدعاية المضادة".
المصدر| العربي الجديد/يوسف ابو طعمة