2024-11-29 12:34 ص

"السّلام الإبراهيميّ" المزعوم

2021-04-30
بقلم: موفق محادين

المقصود بـ"السّلام الإبراهيمي" المزعوم هو تسويق الطبعة العربيّة والإسلاميّة الجديدة من "كامب ديفيد" و"أوسلو" و"وادي عربة"، والتي امتدَّت من الخليج إلى المغرب، وقريباً موريتانيا والسودان، وورثة سوهارتو في إندونيسيا، ويراد استكمالها بصورة غير مباشرة في العراق، وهو التسويق الذي جرى باسم "سلام أبناء إبراهيم"، في تزوير واضح للتاريخ وطبيعة الصراع الدائر في المنطقة بين التحالف الإمبريالي - الصهيوني - الرجعي وقوى التحرر والمقاومة.

يعود استخدام "السلام الإبراهيمي" إلى مناخات "كامب ديفيد"، وإلى دراسة نشرها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، تحت عنوان "دماء إبراهيم"، وتحت تأثير قراءة ما يُعرف بالصهيونية المسيحية التي تقارب التاريخ من زاوية الروايات اليهودية التلمودية.

بعد "أوسلو" و"وادي عربة"، وفي مناخاتهما، عادت الإبراهيمية السياسية إلى الظهور مجدداً على شكل مقاربات سياسية وتاريخية ومراكز أبحاث وأعمال درامية وسينمائية، منها العمل الأردني - الفلسطيني - الإسرائيلي المشترك "ملحمة إبراهيم"، وهو إنتاج مشترك لشركة "إسرائيل فيلم سيرفس" والشركة الأردنية "برايم تايم برودكشن" وممثلها في الفيلم هشام يانس.

يُشار كذلك إلى ما ورد في عظة البابا بولس الثاني في استاد عمّان الدولي في آذار/مارس 2000 (البابا الذي ركّز عليه البطريرك الراعي)، وها هو البابا فرنسيس يؤكّد ذلك مجدداً في عظته الأخيرة في أور. هذا الخط البابوي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، بعد تاريخ بابوي مشرّف ضد الحركة الصهيونية واليهودية العالمية، ومن رموزه البابا الشجاع بندكتوس الخامس عشر، ولكن مع البابا يوحنا الثالث والعشرون، بدأ الفاتيكان يتعاطى مع المسألة الفلسطينية بصورة مغايرة، تكرّست مع البابا بولس السادس في ما عُرف بوعد "بلفور" الجديد، انطلاقاً من تبرئة اليهود من دم المسيح والقول بعبرانيته، ومن ثم الاعتراف بـ"إسرائيل بوصفها حقاً"، وليس أمراً واقعاً.

وكما رعت وشجعت أميركا البابا البولندي بولس الثاني ضد الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، وعززت البابا الأرجنتيني فرنسيس ضد اليسار في أميركا اللاتينية، ها هي الإبراهيمية توظف ضد حركة التحرر العربية والمشرقية.

وقد ظهرت أفكار آنذاك في صحافة العدو، مثل طريقي إبراهيم وموسى، كاختصار أو تعبير جديد للشعار الصهيوني العدواني التوسعي "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل"؛ فالأول هو طريق إبراهيم، وهو يغطي في المشروع المذكور العراق وسوريا وفلسطين والأردن (من أور إلى حرّان إلى الأردن وفلسطين)، ما استدعى سيناريو تحطيم العراق والعدوان على سوريا، ومحاولة وضعهما تحت السيطرة الصهيونية على شكل كانتونات طائفية متقاتلة، كما اقترح المؤرخ اليهودي الأميركي برنار لويس.

ولكنَّ العراق، رغم ما تعرّض له من عدوان أطلسي مباشر، تمهيداً لتنظيم "داعش" والجماعات التكفيرية، تمكّن بفضل المقاومة من هزيمة هذا المشروع، وكذلك سوريا، إذ تمكّنت بفضل الصمود الكبير لجيشها وشعبها وقيادتها ودعم حلفائها من دحر هذا المشروع وأدواته التي حشدت من عشرات الدول، إضافة إلى الصهيونية والرجعية السياسية والتكفيرية.

أما الطّريق الآخر؛ طريق موسى، والذي يغطّي سيناء والنقب ومنطقة البحر الأحمر الشمالية (الحجاز وجنوب الأردن)، فهو يعود إلى مشروع صهيوني قديم لليهودي بول فريدمان، ظهر في العام 1878، باسم مشروع "مديان" أو "مدين"، وذلك قبل أن يظهر مجدداً باسم "وادي السلام"، ثم "نيوم".

إنَّ "السلام الإبراهيمي" المزعوم يقوم على مجموعة من الأباطيل والأكاذيب التاريخية والعلمية، منها:

- إن الصراع في المنطقة هو صراع أديان ومذاهب؛ صراع مسلمين ويهود ومسيحيين، سنة وشيعة، وهكذا، وهو فكرة مستمدة من كتابات هنتغنتون، وخصوصاً "صراع الحضارات والثقافات"، وقبله برنارد لويس، ويمكن تسويته عبر أفكار من طينته، مثل الإبراهيمية، ومشاريع مختلفة، مثل كونفدرالية الأراضي المقدسة.

- إنّ الكيان الصهيوني الذي احتلّ فلسطين العربية منذ عقود، وشرّد شعبها بالحديد والنار، هو امتداد لليهود القدامى في المنطقة.

في دحض ذلك والردّ عليه: 

- إنَّ الصراع مع الكيان الصهيوني يخضع لقانون التناقضات التناحرية، وهو ليس صراعاً دينياً أو مذهبياً، ولكنه صراع سياسي يحدده قانون التناقضات في بعديه الأساسي والرئيسي؛ الأساسي مع المركز الإمبريالي، ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية، والرئيسي مع الكيان الصهيوني، ومع كلّ التجليات الأخرى لهذين التناقضين، مثل قوى الرجعية والتبعية والليبرالية.

كما أنَّ هذا الصّراع، وفق قانون التناقضات المذكور، هو صراع تناحريّ لا يحسم بالمقاومة السلبية والعصيان المدني، ولا يقارب من زاوية دينية ومن زاوية ليبرالية معاكسة.

- إضافةً إلى أنّ الكيان الصهيوني اختراع إمبريالي بريطاني، ثم أميركي، وظّف الحركة الصهيونية، وخصوصاً في ظروف النازية، فإنّ غالبية يهود هذا الكيان هم من الخزر الأتراك الذين تهوَّدوا في القرن السابع، وأقاموا "دولة" حول بحر قزوين (الخزر)، قبل أن يشتّتهم المغول والأمراء المسيحيون الروس في كلّ أنحاء أوروبا. وبالتالي، ليس هناك ما يجمعهم مع أبناء إبراهيم من العرب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً، ناهيك بالتأكيد القرآني: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}(آل عمران).