2024-11-28 08:32 م

مأزق الانتخابات الفلسطينية

2021-04-19
بقلم: نادية حرحش
اذكر عشرات المرات التي كنت ادعو فيها الى الانتخابات. في كل مرة تجري انتخابات إسرائيلية او إقليمية او دولية. كم مرة مرت عنا انتخابات العالم من حولنا وكنا بحاجة لنخوض التجربة، حتى صارت التجربة مغامرة لا جزء بديهيا من سعينا لبناء وطن.
كم تبدو كلمة وطن غريبة في ظل تصارع المواطن من اجل اقتسام ما يستطيعمن اقتسام الوطن. فبات الوطن مفهوما وتاه بين الفاظنا واحلامنا واحتياجاتنا وحاجتنا وطموحنا، حتى طاله ما طالنا من اهتراء بنيوي لم نعد نعرف معانيه او نلمس امانيه.
لا يمكن وصف ما يجري على الساحة الفلسطينية منذ اعلان الرئيس الفلسطيني من خلال مرسوم رئاسي موعد اجراء انتخابات تشريعية الا بالمهم. وقد يكون الأهم فيما تسطره هذه الفترة من حياتنا كشعب في العقود الثلاثة الأخيرة.
نحن بلا شك دخلنا مرحلة جديدة من تشكيل حالتنا الوطنية. حالة بالتأكيد صعبة، ان لم تكن الأصعب. ولكن هذا هو الحال الفلسطيني منذ صارت كلمة فلسطين هي قضية وجودنا. لا اعرف ان كان هناك وقت مر علينا بلا صعاب ومخاض مثقل بالمستحيل. فحالنا اليوم يبدو الأصعب، الا انه بقدر صعوبة ما كان يبدو في كل مرة مستحيل من قبل.
نحتاج الى ما يجري من افرازات تطفح من دمامل الجسد الفلسطيني الملتهب الدامي. لأن ما كنا نعيشه لا يشكل الا حالة تسمم كادت تبتر كل ما تبقى لنا من أعضاء تشكلنا كجسد وطن حي.
ولكن، هل نحن مستعدون بالفعل لإجراء الانتخابات؟
بين الحاجة الملحة للانتخابات وبين استعدادنا لها، تكمن خمس عشرة سنة من الفراغ الذي راكم فيها دمامل مسرطنة. استئصالها او علاجها او فقؤها يبقى بحاجة لتعقل وتفهم ووعي بما سيترتب على هذه العملية من ندوب لن تفارقنا بسهولة.
ولكن بكل الأحوال لا يمكن تقييم ما يجري الا بالكثير من الإيجابيات عند النظر الى الوضع الفلسطيني. لقد استطاع الشعب الفلسطيني ان يقول كلمته الحاسمة للقيادة الفلسطينية بشقيها المنقسمين في الضفة وغزة. استطاع الشعب الفلسطيني من خلال عشرات القوائم التي قررت خوض تحدي المرحلة بنزولها الى الانتخابات على الرغم من الصعوبات والتحديات والتهديدات والتعجيزات ان تقول كلمتها الأخيرة للفصيلين الحاكمين في شقي الوطن: أنتملا تمثلوننا. وكل بقدر استطاعته ورأيه ومرجعيته وايمانه حمل قرار التغيير وشكل قائمته.
ولكن، كم هو استعدادنا للخوض الحقيقي في غمار هذه التجربة لا اعرف.
كلنا نعرف ان علينا خوضها، وتحدي الوضع القائم، وقول كلمتنا كشعب غير راض عما يجري لسنوات.
اختلفت النوايا ربما، وخرج البعض من جحورهم المظلمة ربما، وحلق البعض بحلمهم ربما، ولكن كم يمكن اجراء انتخابات وسط انقسام هدفه اقتسام السلطة، ويفرز في أحسن احواله في ظل هذه الظروف اقتسامات في داخل الانقسامات تجعلنا أكثر تشرذما واستحواذا لما تطال ايدي كل متنفذ منا.
في مشهد يبدو أقرب للرهبة منه للأمل، تبدو مطالب التغيير متمحورة حول تغيير الشخوص لا تغيير الواقع.
يبدو المشهد السياسي بعيدا كل البعد عن برامج القوائم، بينما يكرس الوضع الداخلي حضوره وكأن الوطن اوطان لا تشترك الا بالشعارات الانتخابية. والاحتلال في المشهد يشكل فقط القوة التي لها الكلمة الأخيرة والفاصلة بإجراءالانتخابات من عدمها.
شعارات ترفع لإنهاء الانقسام، بينما تكرس غزة احتياجاتها ومطالبها وفق مأساوية الوضع الحالي، وتزاحم الضفة من اجل محاولة تغيير يغير فيها الوجوه ويكرس فيها الوضع القائم لتنتج حلة مختلفة الاشكال لنفس الوضع القائم.
في معرض سابق كتبت ان الحاجة قبل تحديد موعد انتخابات هو الى الاعداد والاستعداد للانتخابات.
يبدأ أولا بإعداد الوضع الفلسطيني الرسمي العام لهذا، فلا يعقل ان تتم انتخابات وسط انقسام، فحكومة وحدة وطنية تشكل من اجل الاعداد للانتخابات هو امر لا يمكن التفكير المنطقي بانتخابات بدونها. خطة اقتسام السلطة بين المنقسمين فشلت بالتأكيد لترجح جهة على أخرى، وتزيد من ازمة فرصة إيجاد حلول، ليتفاقم الوضع الداخلي بانقسامات لا يمكن ردمها بسهولة، مقابل خلق واقع جديد لا لن يمكن الا بتفاقم وضع خارجي لن يقبل بالمشهد الجديد كواقع. وعليه يتفاقم الوضع على الشعب الذي يعاني الامرين بين حصار وجوع وتكبيل، وتكريس أكبر لغياب القانون بما يؤشر باندلاع حرب أهلية او فلتان أمني واسع بلا أدنى شك.
وعليه يبدو تفاقم وضعنا انحداراً إلى حضيض جهنمي ملتهب، فكما شكلنا سلطة تحت احتلال، سنعيش حربا أهلية بينما لا يزال الاحتلال مخيما علينا.
وكما كان قرار الانتخابات بيد الرئيس الفلسطيني، من اجل اقتسام السلطة لإضفاء شرعية تجعل كلاً من طرفي الانقسام يشرعن وجوده امام العالم. قرار تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية هو قرار ملح من اجل إبقاء هذه الشرعية….. مؤقتا ….
كاتبة فلسطينية