2024-11-28 07:33 م

مصير الانتخابات الفلسطينية!

2021-04-09
بقلم: وسام أبو شمالة
رغم الخطوات القانونية التي أنجزت حتى الآن استعداداً ليوم 22 أيار/مايو 2021، موعد بدء المسار الانتخابي الفلسطيني المتتالي (المجلس التشريعي، فالرئاسي، فالمجلس الوطني)، ما زالت تطرح العديد من التساؤلات حول مصير الانتخابات وما إذا كانت ستحدث أو تؤجل (تأجيل بمعنى الإلغاء)!

ليس سراً القول إنّ حركتي "حماس" و"فتح" ذهبتا مضطرتين إلى خيار الصندوق، بعد انسداد مسار الوحدة والشراكة وإنهاء الانقسام (فشل المصالحة)، فقد اعتقدت "فتح"، بزعامة الرئيس أبو مازن، أنها قادرة على إنهاء حكم "حماس" في غزة، من خلال العقوبات الاقتصادية ونزع الشرعية السياسية والقانونية عن حكومتها فيها حتى تخضع.

في المقابل، سعت "حماس" إلى تعزيز مظاهر سيادتها على قطاع غزة، ولم تغلق باب الحوار مع "فتح"، والذي اصطدم غالباً بشروط تعجيزية أعلن عنها صراحة الرئيس أبو مازن، وأبرزها أن تسلّم "حماس" كل ما في غزة (تحت الأرض وفوق الأرض) للسلطة، بما فيها السلاح، وهو ما كان يعني صكّ استسلام رفضته الحركة.

خلال الأعوام الأربعة الأخيرة تحديداً، تمكّنت "حماس" من تقريب مواقف الفصائل الفلسطينية إلى موقفها من المصالحة، وبدت حركة "فتح" أكثر عزلة، وخصوصاً بعد قرار أبو مازن عقد المجلس الوطني من دون توافق مع فصائل المنظمة الرئيسية، ولا سيما الجبهتين الشعبية والديمقراطية. 

وفي مراجعة لأبرز استطلاعات الرأي العام، نجد أن نسبة مهمة من الجمهور الفلسطيني كانت تحمّل حركة "حماس" مسؤولية فشل المصالحة حتى العام 2018، ثم تراجعت هذه النسبة بشكل ملحوظ لتزيد نسبة من يحمّل حركة "فتح" تلك المسؤولية.

توجّهات الرأي العام الفلسطيني تجاه تحميل "حماس" أو "فتح" مسؤولية فشل الحوارات والاتفاقيات المتكررة بينهما، لم تكن العامل الذي دفعهما إلى التوجه إلى الاستحقاق الانتخابي، بل هناك مجموعة من العوامل، أبرزها سياسة الإدارة الأميركية السابقة تجاه القضية الفلسطينية، ولا سيما "صفقة القرن" ومشاريع الضم والتطبيع، متجاوزة السلطة الفلسطينية. وقد شكلت تهديداً للقضية الفلسطينية برمّتها، وأشعرت قيادة السلطة بأنها مهدّدة وجودياً.

قدرت حركة "حماس" موقف السلطة الضعيف، بعد أن تآكلت أبرز عوامل قوتها، وهي الشرعية الإقليمية والدولية، إضافة إلى قدرتها المالية والأمنية التي تراجعت أيضاً بسبب توتر علاقتها مع حكومة نتنياهو اليمينية، وسعت إلى التقدم في ملف الوحدة والشراكة مع "فتح" من دون شروط مسبقة.

طرح المعطيات السابقة له علاقة مباشرة بتقدير الموقف حول مصير الانتخابات الفلسطينية، والكل يدرك أن المعضلة بين الحركتين ليست إثبات شرعيتهما الشعبية، بقدر ما هي عدم القدرة على تنفيذ وتطبيق برنامج الحد الأدنى المشترك على أرض الواقع، والمتمثل في بيان مؤتمر الأمناء العامين للفصائل في بيروت ورام الله في تشرين الأول/أكتوبر 2020، ووثيقة "الوفاق" الوطني في أيار/مايو 2006، فما زالت "فتح" متمسكة بخيار المفاوضات ورافضة للعودة إلى المقاومة المسلّحة، وهي لا تريد تفعيل المقاومة الشعبية، خشية أن تتحول إلى مقاومة عسكرية، وهو ما صرح به الرئيس أبو مازن عدة مرات.

لذا، لم يكن مفاجئاً لمن يراقب المشهد الفلسطيني القرار السريع بعودة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال بعد فوز بايدن، وأثناء حوارات "حماس" وفتح في القاهرة، ما أفشل مسار التوافقات بين الحركتين، وأسقط بيان مؤتمر الأمناء العامين. ورغم ذلك، اجتمعت "حماس" و"فتح" في القاهرة بدعوة مصرية للاتفاق على بند واحد، هو الانتخابات.

أدركت "حماس" عدم رغبة "فتح" في إجراء أي نوع من الانتخابات، فتنازلت عن شرطها المحوري، وهو تزامن الانتخابات التشريعية مع انتخابات المجلس الوطني، حتى تضمن استكمال المسار، وتدخل المجلس الوطني، ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية.

ورغم تقديرات الموقف لدى السلطة الفلسطينية بأن حركة "حماس" لن تتراجع عن شرطها، فإن قراءة الأخيرة للبيئة التنظيمية الهشة لحركة "فتح"، ورغبتها في أن لا يحملها الشارع الفلسطيني مسؤولية فشل مسار الانتخابات، جعلها تتخذ قراراً بقبول المسار الانتخابي المتتالي بدلاً من المتزامن، ما دفع الرئيس أبو مازن إلى إصدار مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على التوالي.

موقف "حماس" لم يكن العامل الوحيد، فالرئيس أبو مازن طاف على عدة دول، محاولاً إقناعها بخطورة منح "حماس" الشرعية من خلال بوابة الانتخابات، متسلّحاً بالخشية الصهيونية نفسها وببعض الدول العربية.

العامل الأبرز الذي دفع الرئيس الفلسطيني إلى إصدار المرسوم الانتخابي هو الضغوط الأوروبية التي باتت تدرك فقدان الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، وهي الممول الأبرز لها، كما أن الموقف الأميركي لإدارة بايدن شجع على إجراء الانتخابات من دون أن يشكّل ضغطاً على السلطة. 

ومن خلال استعراض مواقف الأطراف من إجراء الانتخابات، نجد أن أكثر من يخشاها طرفان، هما السلطة والاحتلال، والسبب هو الخشية من تعزيز قوة "حماس" في الضفة الغربية، ما يشكل تهديداً لهما. 

ورغم التهديد المشترك والرغبة المشتركة، فالسلطة ليست قادرة على تحمل مسؤولية التراجع، وتتمنى أن تتخذ حكومة الاحتلال قراراً لا يسمح بإجراء الانتخابات في القدس، والاحتلال لا يرغب في أن يتحمل مسؤولية إفشال الانتخابات الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.

تدير حركة "حماس" العملية بذكاء وثقة، ولكن ذلك لا يعني أنها متحمسة لإجراء الانتخابات، وهي تدرك أن خيار المغالبة والتنافس سينعكس سلباً على كوادرها في الضفة، وهو ما حدث قبل إجراء الانتخابات، بعد اعتقال العشرات من قيادتها، ومنهم مرشحون في قائمتها الانتخابية، كما أنها متخوفة من عدم تسليم حركة "فتح" بالنتائج في ما لو فازت في الانتخابات، ما سيزيد الاحتقان الفلسطيني الداخلي.

لا ترغب الأطراف الإقليمية في إجراء الانتخابات أيضاً، فهي تخشى فوز "حماس"، ما سيعزّز مواقف المعارضة الإسلاميّة في بلدانها. الولايات المتحدة ترغب نظرياً، وتؤيد علناً، إجراء الانتخابات، لكنها لا تخفي خشيتها من فوز "حماس".

الموقف الوحيد الذي يدفع بقوة نحو إجراء الانتخابات هو الدول الأوروبية، وخصوصاً الدول المانحة للسلطة، ودافعها الرئيس هو عدم دعم سلطة غير منتخبة ولا تتمتع بشرعية دستورية، وهو ما يتعارض مع قوانينها ومبادئها.

مصير الانتخابات الفلسطينية التي لا يرغب في إجرائها أطرافها الرئيسية - كل وفقاً لمصالحه وحساباته - ما يزال مجهولاً، ولكنه قد يصبح ممراً إجبارياً لن يستطيع أي طرف تجاوزه.