مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في الكونغو حول سد النهضة، لا تزال إثيوبيا تتمسك بمواعيد البدء بالملء الثاني على الرغم من اعتراض كل من مصر والسودان، الدولتين المعنيتين بهذا الملف الشائك.
وقد أكدت رئيسة إثيوبيا سهلورق زودي أمس على أن بلادها مستعدة جيدا للملء الثاني/، مؤكدة أن تنمية النيل الأزرق قضية وجودية لبلادها وأن أديس أبابا لم تستغل النيل الأزرق اقتصادياً لسنوات عديدة، بسبب الظروف الإقليمية والدولية.
لكان لماذا هذا التمسك الإثيوبي بإكمال السد والملء رغم مخاطره على مصر والسودان، فضلا عن عدم جدواه الاقتصادية الكبيرة لإثيوبيا وفق ما كشفت عنه جهات دولية؟ وما سره وكيف انطلقت فكرته؟
33 سدا صغيرا.. بدل واحد
للإجابة على كل تلك التساؤلات، أوضحت أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة القاهرة والباحثة المتخصصة في العرقيات بإثيوبيا، سحر محمد غراب، أنه لابد لفهم هذا الملف من الرجوع للتاريخ لمعرفة فكرة إنشاء سد النهضة، التي انطلقت في الخمسينيات، وكان من المزمع إنشاء 33 سدا صغيرا، في مناطق متفرقة، ثم توقف المشروع بعد تدخل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واتفاقه مع الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي، مقابل تعاون كبير مع إثيوبيا في مشروعات التنمية، مشيرة إلى أن الفكرة كانت تنطلق مجددا في كل عهود رؤساء مصر منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وكانت تقابل تارة بالرفض وتارة بالتهديد الصريح، منها مثلا الجملة الشهيرة للرئيس الراحل أنور السادات "لا يمكن أن أترك السد بل سأنسفه ولن أتركه طوبة فوق طوبة". حسبما نشر موقع "العربية".
كما أضافت في حديث للعربية.نت أنه خلال كافة العهود الماضية حدثت مناورات إثيوبية، وتغيير لموقع ومكان السد، وحجمه، وتفاصيله، إلى أن أخرج الإثيوبيون الفكرة للنور بداية عام 2011.
وذكرت أن السد بمشروعه وفكرته القديمة كان من المقرر إقامته في منطقة ما بين "شنقول قمز" وجبلين، ولا يمكن تعليته فيما بعد، لكن حصل تغيير ونقل لموقعه الحالي في نفس الإقليم أيضا، لإمكانية زيادة سعته التخزينية وتعليته فيما بعد، لافتة إلى أن منطقة بني شنقول تتميز وما زالت حتى الآن بالثقافة والعادات السودانية، لأنها كانت تابعة للسودان، وسيطرت عليها إثيوبيا لاحقا بمباركة الاحتلال الإنجليزي.
دوافع قبلية وإثنية
وعن سر تمسك أديس أبابا بالسد، قالت الخبيرة المصرية إن إثيوبيا مرت بحروب أهلية وعرقية كبيرة، وصلت حد المذابح، وانتهى ذلك بالوصول لنظام فيدرالي يسمح لكل عرقية بالحكم في مناطق نفوذها وتم إنشاء 9 أقاليم إثنية، لكن رغم ذلك لم تتوقف الاضطرابات، مضيفة أن فترة بناء السد جاءت خلال حكم قبائل التيغراي وهم أقلية، سيطروا على كل الأقاليم الإثنية الأخرى، ودخلوا في نزاعات مع قبائل الأمهرة، والأورامو ، لكن بعدها حدث انقلاب على قبائل التيغراي، فتولت الحكم قبيلة الأورومو، التي يتفرع منها 21 جماعة مختلفة، نشبت بينها صراعات ونزاعات على الحكم، منها مجموعة تحت راية جوهر محمد، وأخرى تحت راية آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي ، لذلك فكرت قبائل الأورومو في مواصلة بناء السد لتوحيد راية القبيلة أولا، ثم وقف النزاعات والصراعات بين المجموعات على الحكم، وتوحيد الإثيوبيين خلف السد ثانيا .
منافع اقتصادية
إلى ذلك، أضافت أن إثيوبيا وبإصرارها على بناء السد تستهدف مغازلة الدول الكبرى وإقناعها باستثمار أموالها في مشروع كبير سيوفر -وفق تقديرهم- كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية ، وكميات ضخمة من المياه تكفي لزراعة وري ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، ما سيضخ استثمارات كبيرة تنعش اقتصاد البلاد من ناحية، وتوفر لها دعما دوليا وسياسيا ضد مصر والسودان من ناحية أخرى.
كما رأت أن إثيوبيا لا تريد أن توقف خطتها، رغم مخاطر السد على دولتي المصب حتى لا تخسر كل هذه الرهانات المالية والسياسية والتنموية، فضلا عن قلقها من تفجر النزاعات والصراعات بضراوة ما ينذر بحرب أهلية تنتهي بها لدويلات متفرقة .
التحكم في النيل الأزرق
من جانبه كشف الدكتور عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل الأسبق بوزارة الري المصرية لـ العربية.نت، أن الفكرة الإثيوبية من بناء السد كانت الرغبة في التحكم بالنيل الأزرق، وفرض نفوذ إثيوبي في المنطقة مضيفا أن المأزق الحالي لأديس أبابا يكمن في كيفية التخلي عن هذا الحلم بتوقيع اتفاق قانوني ملزم مع مصر والسودان.
صراع القبائل
كما رأى أن ما يعمق هذا المأزق هو اختفاء الشخصية الإثيوبية القوية القادرة على التوقيع على الاتفاق، في ظل واقع قبلي وعرقي معقد تفرضه انتخابات برلمانية قادمة في يونيو