أدهم مناصرة
لا شك أن التنبؤ بسيناريو "دقيق" لمآلات الانتخابات الفلسطينية المقررة في مايو/أيار 2021 بعد ترشّح 36 قائمة للمجلس التشريعي، صعبٌ، خاصة وأن آخر استطلاع للرأي لم يأخذ بالحسبان خريطة القوائم التي أفرزتها عملية الترشح للانتخابات.
فاستطلاعات الرأي تحدثت في الأشهر الأخيرة عن مقارنة بين قوة كل من "فتح" و"حماس"، وأيضاً تيار محمد دحلان، وحجم الأحزاب التقليدية وربما المستقلّين في الانتخابات القادمة. لكن خريطة القوائم الآن مختلفة، خاصة مع وجود "ثلاث" قوائم فتحاوية على الاقل، وهي: الرسمية برئاسة محمود عباس، وقائمة الدمج بين كتلتي الأسير مروان البرغوثي وناصر القدوة، إضافة إلى القائمة الموالية للقيادي المفصول محمد دحلان.
وأنتج انقضاء 15 عاماً على آخر انتخابات عامة، ظروفاً موضوعية مغايرة تماماً، باتت تحكم مزاج الناخب الفلسطيني ووجهته، إلى جانب خريطة القوائم، وطبيعة النظام الانتخابي هذه المرة، فضلاً عن كثرة اللاعبين في الساحة الفلسطينية. كلّها عوامل مختلفة تفرض نفسها اليوم.
فعلياً، لا يمكن إجراء استطلاع للرأي العام الفلسطيني قبل حسم عدد القوائم النهائي، عقب عملية نشرِها الأولي في 6 نيسان/أبريل، آخذين بالاعتبار فرضية القوائم المرفوضة لعدم استيفائها الشروط، ومروراً بتقديم الطعون لدى محكمة الانتخابات، وانسحاب القوائم الراغبة بذلك حتى نهاية الشهر. عندها ستكون خريطة القوائم أكثر وضوحاً وثباتاً.
مع ذلك، حاولت "المدن" استشراف السيناريو الانتخابي الفلسطيني وشكل المجلس التشريعي القادم، استناداً إلى ما يتوفر من معطيات. وأكد نائب مدير المرصد العربي للديمقراطية والانتخابات طالب عوض أن نسبة "الحسم" في هذه الانتخابات تصل الى 1.5 في المئة بما يعادل 27 ألف صوت انتخابي (لا يُحتسب في هذه النسبة الأوراق البيضاء واللاغية)، في حال بلغ عدد المقترعين نحو مليون وثمانمئة الف، أما إذا كان عدد المشاركين نحو مليونين فعدد الاصوات المُشكّلة لنسبة الحسم ستبلغ 30 ألفاً. ومن يجتاز هذه النسبة سيضع قدمه في "التشريعي" بمقعدين على أقل تقدير.
ويعتقد عوض في حديثه ل"المدن"، أن كثيراً من القوائم لن تجتاز نسبة الحسم، أي لن تتمكن من دخول "التشريعي"، وستذهب أصوات هذه القوائم لصالح قوائم آخرى، وهذا ما يضمنه نظام "سنت لوغي". ويتنبأ عوض أن ما بين 9 و11 قائمة ستدخل المجلس التشريعي فقط بعد اجتيازها نسبة الحسم.
وبتقريب المجهر أكثر نحو القوائم المُسجِّلة للانتخابات، هناك "ثلاث" قوائم لفتح، فضلاً عن قائمة حماس (القدس موعدنا)، وقائمة لرئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض، وأحزاب اليسار التقليدية، وأخرى "مُستقّلة"، فضلاً عن قائمة الحراك المُجتمعي باسم (طفح الكيل). وربما لن تتمكن أحزاب يسارية معينة من اجتياز نسبة الحسم هذه المرة، بعدما فشلت في التوحد بقائمة يسارية مشتركة.
ويُقدر خبراء السياسة والانتخابات أن تحصد حركتا "فتح" و"حماس" معاً ما بين 70 إلى 75 مقعداً بالتشريعي من أصل 132 مجموع مقاعد المجلس. لكن وجود أكثر من قائمة ل"فتح" علاوة على قوائم "الظل" قد صعّب تقدير وجهة الاصوات لكل منهما، وما إذا كان يضرّ أو يفيد حماس على وجه التحديد من باب أن الاخيرة قد تستفيد من "تشتت" فتح.
ويرى بعض الخبراء أنه لو كان ل"فتح" قائمتان فقط هما (القائمة الرسمية وقائمة دحلان) لكان الغاضبون من هذا الثنائي قد وجهّوا أصواتهم إلى قوائم آخرى غير فتحاوية او اعتكفوا عن الانتخاب. بيد أن قائمة البرغوثي-القدوة ربما تحصد أصوات المستنكفين الفتحاويين. وهذا ما اعتبره عضو "ثوري" فتح حاتم عبد القادر المقرب من الأسير البرغوثي، سبباً إضافياً لقرار الأخير الاندماج مع قائمة ناصر القدوة. إذ أراد أن يكسب أصوات الغاضبين الفتحاويين من قائمة "فتح" الرسمية كي لا تذهب أصواتهم هدراً.
وتحدثت مصادر ل"المدن" عن سيناريو معين بشأن النتيجة، وهو أن تتقدم حماس على قائمة "فتح" الرسمية بعدد من المقاعد. كأن تحصل حماس على 35 مقعدا، وفتح-أبو مازن على 25-30 مقعداً بينما تحصد قائمة دحلان على 15 مقعداً، و5 مقاعد لقائمة البرغوثي-القدوة. والباقي موزعة على أحزاب صغيرة ومستقلة.
وبناءً على هذا السيناريو فإن "فتح" بقوائمها الثلاث ستحقق أغلبية بسيطة مقابل "حماس". لكن الإشكالية بالنسبة ل"فتح" الرسمية أنها بذلك تكون قد تلقت صدمة، فضلاً عن أن خلافاتها مع القائمتين المنشقتين تجعل من الصعب التوحد معهما في التشريعي الجديد.
أما السيناريو الثاني- بمنظور قراءات أمنية في السلطة الفلسطينية، فهو تساوي "فتح" و"حماس" ب30 مقعداً لكل منهما. ويعطي هذا السيناريو قائمتي دحلان والبرغوثي عدد مقاعد السيناريو الأول نفسه. فيما بقية المقاعد موزعة على القوائم الأخرى.
لكن هذه التقسيمة للمقاعد -رغم ترويجها نظرياً من أكثر من مصدر- تبقى غير علمية، دونما استطلاع حقيقي بعد ثبوت القوائم التي ستخوض غمار الانتخابات، فضلاً عن أن صندوق الاقتراع هو الحاسم الحقيقي لحجم القوائم والتكتلات.
والانتخابات مفتوحة أيضاً على عدد من المفاجآت المتوقعة، في ظل حديث عن قوائم "ظل" محسوبة من تحت الطاولة على تيارات او أحزاب معينة. حيث أن تيار دحلان له قائمة مباشرة هي "المستقبل" و يدعم أيضاً قائمة عشائرية. كما تدعم "حماس" بالإضافة إلى قائمتها الرسمية، قائمة عشائرية أخرى.
لذا، تبدو المعركة الانتخابية الموعودة غير تقليدية. ورغم كثرة القوائم ألا أنه ليس مفاجئاً، فالنظام الجديد "النسبي الكامل" يعني وجود قوائم أكثر من انتخابات التشريعي السابقة، فضلاً عن كونها مؤشراً على تعطش الفلسطينيين للانتخابات التي غابت طويلاً. لكن قيادات في "فتح" أفادت ل"المدن"، انها ستسعى خلال الأيام القادمة إلى اقناع القوائم "قليلة الحظ بالفوز" والعشائر والقطاعات الداعمة لها، بالانسحاب وذلك للحيلولة دون حرق الأصوات وتبعثرها.
بالمحصلة، ما يُمكن تنبؤه حيال شكل "التشريعي القادم" أنه ستغلب عليه التركيبة الحزبية التقليدية، لكنه مُطعَّم بمستقلين، ومُقسم إلى تيارات وجبهات لا أحزاب.
المدن