2024-11-28 10:35 ص

شعب رشيد يخدم حكومة وليس العكس.. والنتيجة كارثية

شعب رشيد

2021-03-15
بقلم: ناديا عصام حرحش
قبل عام وفي مثل هذا الشهر كانت حكومتنا رشيدة باتخاذ قرار شجاع غير مسبوق بإعلان الطوارئ من اجل التصدي والحد من انتشار الفيروس الوبائي كورونا الذي اجتاح العالم. كانت الحالات لا تتعدى العشرات مجتمعة، وللكن كان لسان الحال يقول: رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه. حيث كان المشهد بإيطاليا وفرنسا وقبلهما ووهان مرعبا. فاذا لم تستطع دول العالم الأول السيطرة على الفيروس بإمكاناتها ومعداتها وتطورها، فكيف لسلطة شحيحة الإمكانيات لا يصل عدد أجهزة التنفس بها الى المئة إذا ما حاولنا جرجرتها، واسرها بالطوارئ محدودة، والامكانيات بالأيام العادية بلا طوارئ كانت أصلا حدث ولا حرج.
قلنا خير، حالة طوارئ لمدة شهر، تنظف بها البلد ويحاصر الفيروس اللعين وننتهي كأفضل دولة تعاملت مع الفيروس بحكمة ورشد شديد.
الشهر صار ثلاثة وأربعة وسنة ولا يزال الثابت الوحيد في وضعنا هو حالة الطوارئ.
حالة طوارئ لتثبت قاعدة اكيدة: طوارئ حتى الاجهاز على اخر مواطن – الا من يمكن ان يكون صالحاً للاستعباد والانصياع بلا تكبيل الحكومة بوجع الرأس.
تفشت خلالها الكورونا كالنار في الهشيم وذا ما طلبنا من جينيس وضع عدد المراسيم الرئاسية من قوانين وتعديلات الأكثر بالعالم خلال سنة سندخل التاريخ كما دخلناه بأكبر سدر كنافة وثوب مطرز.
خلال سنة لم تتوقف الإجراءات الا من التقيد الحقيقي بالتعامل مع الوضع الوبائي، فتحول الامر الى بازار لعرض الإنجازات الشخصية الباهتة لأفراد السلطة وصارت فرصة لتلميع الوجوه وتكريس الدكتاتورية وبسط البطش بقوة القمع.
انتشر السلاح أكثر من انتشار المعقمات، وصارت الوقاية المطلوبة هي انقاذ النفوس من رصاصة طائشة في طوشة عابرة او خنق شخصي رتيب حان خروجه او حقد اجتماعي او تصفية حسابات.
انتشر الفيروس براحة، وتوطن في اوطن هاجرت قلوب افراده بعد ان شتتهم الاحتلال وفرق بين قلوبهم اولي القربى منهم.
كان هناك فرصة حقيقية لاحتواء الامر وخسرناها. وها نحن ندفع ثمنها اليوم بفقدان الناس لأحبتها ونفوق النفوس كقطيع انتشر فيه وباء.
ولا حل للحكومة الا التزام الشعب غير الملتزم بالإجراءات المفروضة من اغلاقات وتقييدات لا يستطيع عاقل فهم المنطق منها. فالتعامل مع الفيروس يتم وكأنه تعامل مع عدو مجهز بعتاد عسكري. فأقامت الحكومة الحواجز وفرضت الاغلاقات، وقام المواطن بالتالي بالمراوغة والتملص والالتفاف.
فكيف لا ولقد تعاملنا والحكومة مع الفيروس بتصريحات يومية استعراضية، صار السجع والاستهلال بما تيسر من الذكر الحكيم والمرور بالنكات وعرض برامج الإفطار الرمضاني بمسابقة أي قطايف أشهى والشكر والتمجيد والتهليل والتسبيح للقائد الرمز والحكومة قدس الله سرها هو عنوان وفحوى التحديث اليومي في زمن الطوارئ الذي انتهى ليكون كما حذر العقلاء بيننا أخطر من الوباء.
في بلدان العالم الطبيعي، في حكومات تخدم الشعوب، كانت سقطت تلك الحكومات كقطع الدومينو تباعا. ولكن في وطننا الذي استوطن فيه الفلتان الأمني وتربص في هوائه الفيروس الوبائي الفتاك، يسقط المواطن فقط لتعلو على سقوطه الحكومة.
ما جرى بالأردن بالأمس بمستشفى السلطة، جرى من قبله بمصر. وربما يجري يوميا في مستشفياتنا ولكن لم تستطع كاميرات الاعلام تسليط الضوء على الامر بعد.
لأن الاعلام كان اول من سقط وهوى كالشظايا في معركة الحكومة الحاسمة لقبض سطوتها على الشعب.
منذ قَبِل الاعلام الخنوع المطلق للحكومة وبدلا من ان يكون السلطة الرابعة، صار كالقضاء بيد السلطة الواحدة.
ودورنا نحن الشعب ان نصفق ونهلل ونوافق، وان لم نتعظ من قرصة الاذن بتهديد هنا وحرق وتخريب وبعثرة هناك. اقالة هنا وتعطيل للمعاملات وشد خناق على المؤسسات، فمرسوم سيادي بقرار جديد او تعديل على قانون صار أسرع من الانتهاء من فنجان قهوة صباح. قوانين بمراسيم جاهزة لوضع اليد على المواطن.
هل تأخرنا بالاستيقاظ من الكابوس الذي بدأ منذ عام واستحننا المغامرات التي ظنناها أحلام حكومة رشيدة نعطيها فرصة فنحن بالنهاية جمال محامل.
وظيفتنا ان نكون تلك الجمال التي تتحمل وتتحمل ولا تكل. وظيفتنا ان نحمل الحكومة على ظهورنا حتى تعبر الحكومة الى بر امانها، فتروي ظمأها وتشبع بطونها وتتركنا لقدرنا بصحراء قاحلة.
وظيفتنا ان نلتزم بإجراءات الوقاية.
وظيفتنا ان ننتظر التطعيمات
وظيفتنا ان نتحمل شح المعدات والامكانيات بالمستشفيات
وظيفتنا ان نتبرع للحكومة.
وظيفتنا ان نشكر الحكومة ونقدرها ونبجلها ونشكرها على جل عملها وتفانيها بوجودها على حساب وجودنا.
فالوضع لا يحتمل المساومة في معركة تكسير العظام التي دخلتها الحكومة مع الوباء: الحفاظ على الحكومة وسلطتها حتى اخر مواطن.
فلسان الحكومة يقول: اعقلوا أيها الرعناء… نحن بحاجة الى شعب رشيد، يخدم الحكومة.
فالشعب وجد لخدمة الحكومة فمتى تفهمون؟
كاتبة فلسطينية