القدس/المنـار/ الأنظمة العربية على امتداد سنوات طويلة، حرصت على استخدام الورقة الفلسطينية لانجاز مصالحها، وتقديم خدماتها للقوى المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، لذلك، هي تستخدم أساليب عديدة للعبث في هذه الساحة، وهذا واضح تماما دون أن تكلف القيادة الفلسطينية نفسها للتصدي لهذا العبث الذي يهدف تدمير التطلعات والدفع بالفلسطينيين الى تسويات مشبوهة.
الساحة الفلسطينية مقدمة على معركة انتخابية في ايار القادم بعد ارجاء وعرقلة استمرت سنوات طويلة، غابت خلالها الديمقراطية تماما، وتعمق الاحتكار وعشش الفساد وسوء الاداء، في ضوء غياب المجلس التشريعي، مما أعطى الانظمة المتربصة حافزا للعبث والتدخل والاختراق وشراء الذمم والاستزلام.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، استنفرت الانظمة تدخلا وشراء ذمم، ودفع رشى وتمويل قوائم، فهي الاخرى تخوض تنافسا للسيطرة على الورقة الفلسطينية ثمنا في تقربها لواشنطن وتل أبيب على حساب قضية شعب فلسطين، ومن خلال هذا التنافس الانظماتي نرى تباينا بينها في المواقف.
هناك مشيخة الامارات، في موقف واضح، واصرار شديد على دعم مرشحين، هدفها الرئيس، اقصاء القيادة الفلسطينية الحالية، وهي على استعداد كامل لدفع التمويل اللازم لتحقيق غرضها، وفي الطرف المقابل تقف مشيخة قطر في "سياسة ازدواج" واضحة فهي تدعم كتلة القيادة الحالية وكتلة حركة حماس، وهي سياسة نجحت حتى الان في التأثير على الجانبين الحمساوي والفتحاوي، وبالتالي لا غرابة في الاتصالات السرية المكثفة بين قيادتي الحركتين حماس وفتح لانجاز تشكيل قائمة موحدة، قادرة على مواجهة التحديات الانتخابية، وفي نفس الاتجاه تقف تركيا ايضا، أما المملكة الوهابية السعودية فهي معنية بالسيطرة على قرار قيادة فتح وترفض تحالفها مع حركة حماس، وهي تتطابق مع المشيخة الاماراتية في محاربتها لحماس، لكن، دون أن تظهر "الخصومة" مع قيادة فتح الحالية، في هذه المرحلة تريدها ضعيفة تقف على اعتاب قصورها.
أما مصر والأردن، فحساباتهما واحدة، وكلتاهما تريدان الهزيمة لحركة حماس، ووحدة داخل فتح قادرة على تحقيق الفوز، لذلك تلعبان دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين أجنحة فتح المتصارعة، وهما يدفعان القيادة الحالية الى تأجيل الانتخابات اذا لم تكن ضامنة الفوز على عكس الدول الاوروبية والولايات المتحدة التي أرسلت تعليماتها واضحة الى رام الله بضرورة اجراء الانتخابات التي طال غيابها في اطار سعيها الى "دمقرطة" ساحات المنطقة، وهي لا تخشى فوز حركة حماس التي دخلت مرحلة "التدجين" منذ سنوات ومعنية بحكم قطاع غزة والتوقيع على هدنة طويلة الامد مع اسرائيل.
هذا التدخل في أوضاع الساحة الفلسطينية وشأنها سببه الموقف الضعيف المتردد للقيادة الفلسطينية، التي فشلت في وضع استراتيجية واضحة حازمة مدروسة لمواجهة مثل هذا العبث المتعمق في الشارع الفلسطيني، وسمحت للبعض بأن يتبنى أجندات خارجية لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني.
اذا، المعركة الانتخابية القادمة هي ليست بين التيارات والاحزاب الفلسطينية فقط، وانما ايضا سباق بين الانظمة في المنطقة تحت مراقبة اسرائيل، تمنح لتل ابيب التدخل بما يخدمها في اللحظة المناسبة اذا ما توفرت لها.