2024-11-24 10:03 ص

رسالة مواطَنه بلا وطن من نخبة تدعي تمثيل المكون الفلسطيني.. يعاد نشرها.. ما أبعادها؟ ولماذا يتجدد خطابهم المنافِق للملك وما طبيعته؟

2021-03-05
فؤاد البطاينة
المواطنة التي نتكلم عنها اليوم كعرب، مرجعيتها ليست قومية كما يُفترض أن يكون. ولا مرجعيتها من ولايات أو مناطق لوطن واحد بشعب واحد تحت حكم عربي أو غير عربي. فهذا أصبح لنا من الماضي. فلكل قطر عربي اليوم حدوده السياسية ومواطنيه بمعزل عن القطر الأخر بمرجعية سايكس بيكو أو القطرنة والدولة الوطنية. ولم تعد الرابطة القومية مُفعَّلة تستوعب قوممة الجنسية والمواطنية. فماذا عن المواطنة الفلسطينية. المخططون لوعد بلفور واحتلال فلسطين لقيام “إسرائيل” كانت أمامهم معضلتان أو مهمتان. الأولى إنجاح الإحلال بين الهجرة اليهودية والتهجير الفلسطيني بسلاسة، والثانية، تأمين مواطنة وجنسية أخرى غير فلسطينية للفلسطينيين وطمس هويتهم الوطنية السياسية.
 من هنا كانت فكرة إمارة شرق الأردن من خارج الدول السايكوسبيكية لتكون دولة وظيفية غير مصممه للبقاء أو لسكانها كونها مشمولة بالوعد، لتخدم الغرض مرحلياً. أنجزت المهمة الأولى عام 1948 حيث قام الكيان الصهيوني على قسم من فلسطين استناداً لقرار التقسيم. بينما بدأت المهمة الثانية انطلاقا من مؤتمر أريحا الذي عقد بعد ستة أشهر من قيام الكيان ووافق فيه زعماء عشاريين فلسطينيين على ضم الضفة الى مملكة الأردن. وأجريت انتخابات نيابية مشتركه في الضفتين وصدر قرار الوحدة في 20 4 1950 حيث في هذا القرار أجهضت الدولة الفلسطينية قبل قيامها ومعها الهوية الفلسطينية السياسية. وأصبح قرار الوحدة الذي نص على الوحدة التامة بين الضفتين والتساوي في الحقوق والواجبات بين جميع مواطني المملكة هو المرجع لمواطنية أبناء الضفة الغربية في المملكة. على أن يكون معلوماً بأن الهيئة العربية العليا لفلسطين برئاسة أمين الحسيني عقدت مؤتمراً في غزة بالتوازي مع مؤتمر اريحا وكانت ترفض عملية فكرة الوحدة أو الضم كما رفضتها الدول العربية.
وهنا لدينا ملاحظات هامة على قرار الوحدة:
الأولى: أن القرار نص على أنه يستند في وحدة الضفتين إلى جملة أمور منها مبدأ حق تقرير المصير. ولا أدري كيف يُحشك هذا الحق بهذه الصورة والقضية الفلسطينية قائمة،وهو الحق الذي تقوم عليه ويقوم نضال الشعب الفلسطيني بغية تمكينه من ممارسة هذا الحق على ترابه الوطني المحتل وإقامة دولته أولاً.
الثانية: مع أن هذا القرار المتضمن ضم اراضي الضفة بشعبها للمملكة لم ينعكس نصاً بالدستور الذي أصيغ فيما بعد ولم يشار إليه ولو بمذكرة توضيحية،إلا أن معايشة شعبي الضفتين وانصهارهم خلال سنين واشتراكهم بتمثيل برلماني وحكومي واستقرار هذا الوضع دولياً له أثر يفوق عدم النص الدستوري، بل أن مواد الدستور تنطوي على وجود وحدة حتى لو لم يوجد النص.
الثالثة: قرار الوحدة لم ينص على ربط هذه الوحدة بأية خيارات مستقبلية واضحة وصريحة لأبناء الضفة ترتقي لخصوصية علاقتهم بالقضية الفلسطينية. واكتفى القرار بالنص على محافظة المملكة على كامل الحقوق العربية في فلسطين والدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة. وهذه عبارات ادعتها وتدعيها كل الأنظمة العربية. بينما المملكة بضفتيها وشعبها هم المستهدفين مباشرة بالمشروع الصهيوني.
الرابعة: إن عدم انعكاس قرار الوحدة أو ضم أرض الضفة بشعبها للمملكة في الدستور نصاً، ربما يحل لغز إصرار الأردن على عدم دسترة أو تقنين قرار فك الإرتباط الكارثي مع الضفة الغربية الذي مر عليه 23 عاماً، وذلك من واقع عدم اللزومية لأن الضم في قرار الوحدة لم يدستر أو يقنن أصلاً. وهذا الموضوع له تداعيات ويحتاج لقرار يتزاوج فيه القانون مع السياسة
الرسالة والتعقيب عليها.
 إذاً، ليست هناك أية شائبة قانونية أو دستورية تجرح مواطنية المكون الفلسطيني الكاملة والمتساوية مع مواطنية الشرق أردني، أو تسمح بالإعتداء عليها أو على مواطنية كل من يحمل الرقم الوطني. إلا أن بعض الصحف الالكترونية وفي هذا الظرف الحساس والمُشتبك نشرت أو أعادة نشر رسالة سابقة عمرها خمس سنوات لنخبة تدعي تمثيلها للمكون الفلسطيني موجهة للملك تحت عنوان “المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية” (وإعادة النشر هنا ربما يكون بإيعاز من جهة ما ولها غاية ونتائج ). تتحدث الرسالة بتفصيلات عن تمييز في مؤسسات الدولة وإقصاء وتهميش للمكون الفلسطيني. وقد تناقلتها العامة والخاصة على وسائل التواصل خلال الأسبوع بكثير من اللغط والاشتباك غير الواعي. لا أطعن في حق التعبير وابداء الرأي والتظلم والنقد، ولا أطعن في صحة اغتصاب النظام لحقوق المواطنة. وكتبت فصلا من كتاب قبل عقد ونصف بالإختلالات الإدارية الجسيمة في أجهزة الدولة التي تظلم شرائح بعينها أكثر من غيرها، ولكن بصوت المنتمي لشعب واحد بقضية واحدة في دولة واحدة وليس بصفة وصوت المنتمي لمكون. ومن المؤلم أن يعاد نشر هذه الرسالة وكأنها جديده بهذه الظروف بما انطوت عليه من مثالب تثير الفتنة، ومن خارج منطق الشعب الواحد والدولة الواحدة والهم الواحد والقضية الواحدة.
فالرسالة التي قفزت عن شمولية حالة المعاناة والتهميش والإقصاء التي تعيشها جموع الشعب الأردني بمكوناته، وعن المأساة التي تعيشها الدولة والقضية الفلسطينية وما يحاك ويمارس من تصفية لها، وعن دخول وعد بلفور للأردن وانهماك العدو بتصفيته كدولة، أقول بأنها لم تتوقف عند هذا الحد بل جاءت لتكرس التفتيت المجتمعي والإقليمية والفتنة بين الشعب الواحد حتى لو كان وراؤها هدف سياسي مستجد هذه المرة. فهذه الرسالة فاسدة ومرفوضة في شكلها وتوقيتها وبما انطوت عليه. ولديَّ حولها ما أقوله على سبيل الضرورة لكل من الشعب الأردني ككل، وإلى المكون الوطني الفلسطيني. ولأصحاب الرسالة.
 للشعب الأردني ككل أقول، أنتم تلاحظون بأن أصحاب الرسالة قد صدروها باسم ( المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية ) حاذفين الوطن من قاموسهم نفاقا للنظام وخيانة. لقد اتخذوا الإسم وما زالوا يتخذونه مقابل مبادرة سياسية شعبية قائمة باسم ( مبادرة الوطن والمواطنة ) تبنتها منذ عام ونصف نخبة أردنية من كلا المكونين وضعت فيها تصوراً مشتركاً لخارطة طريق تستعيد بها وحدة الشعب بمواطنة كاملة ومتساوية في دولة قانون ووطن حر بنظام ديمقراطي. واعتبار الهوية الفلسطينية ومكونات القضية الفلسطينية بما فيه حق العودة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره على ترابه الوطني حزمة واحدة مُقدسة ومحور السياسة الخارجية. وتباطأ الحشد للمبادرة بحكم إطلالة كورونا. إن معاناتنا القائمة والقادمة أساسها استهداف الوطن، ومنتوج لصراع النظام مع الشعب، واللعبة تاريخيا قائمة على الفتنة بين مكونيه، ومن الغباء تفكير مكون بالعمل والمواجهة بمعزل عن المكون الأخر أو الإعتقاد بأن محاباة النظام لطرف ستجلب له غير الشر. لا حيادية في المعادلة فإما أن نكون معاً شعباً واحداً فنحمي أنفسنا ودولتنا وقضيتنا أو نُستخدم ضد بعضنا ونفقد أنفسنا ووطننا.
للمكون الوطني الفلسطيني أقول، إن العوار في تطبيق الدستور بخصوص حقوق المواطنة والمساواة والعدالة، والذي استفحل خلال العقدين الأخيرين يشمل المكونين الشرق أردني والغرب أردني. واتسع ليشمل مقدرات الدولة ومستقبل الوطن بالتوازي مع تراجع القضية الفلسطينية وتقدم المشروع الصهيوني. فهذا العوار ليس بجديد بل في سياق مراحل المشروع الصهيوني وإتمامه في فلسطين ليدخل الأردن. ويضطلع النظام بهذا العوار بالتحالف مع فئة المأجورين من أشخاص من كلا المكونين. وتلك الفئة هي الفئة الفاسدة وأشخاصها لا شأن لهم بفلسطين وقضيتها ولا بالأردن ومصيره. بل بمصالحهم وانتهازيتهم بيافطات أهمها الادعاء بتمثيل العشائر هنا والمكون الفلسطيني هناك. ولست بمعرض المقارنة بين حجم الفساد الذي يفتك بطرف أكثر من أخر فهذه سياسة مراحل. العوار لا يدفنه بالوحل إلا استعادة وحدة مكوني شعب الدولة على أسس دولة القانون والمؤسسات والعدل والمساواة.
أما لأصحاب الرسالة ولناشريها من جديد بهذا الظرف أقول شاهت الوجوه التي تتجرأ مستغلة الظرف الحراكي الشعبي لتستجدي النظام مناصب لها ومكاسب على ظهر الإدعاء بتمثيل مكون منهك لا تحس به أو تشاركه همومه، ولا تتجرأ على إثارة قضيته السياسية وتطوراتها المتراجعة وحمل لوائها. شاهت الوجوه الخائنة الجبانة التي تستغل الظرف الدولي لتطرح الرسالة ثانية استجداءً واستقواء بالأمريكي توثيقاً منها لعمالتها وعمالة النظام. شاهت الوجوه الأخرى التي تدفع لنشر الرسالة للإختباء وراءها من أجل هدف طبيعته سياسية دنيئة مضحية باستقرار ووحدة ووئام الشعب.
 نحن مكونات الشعب الأردني وعلى رأسه المكونين الأساسيين يجمعنا الوطن المهدد على الضفتين والمواطنة المُغتصبة والتهميش الضغوطات بأنواعها، وأنتم يجمعكم الفساد السياسي بمأجورية المال والمناصب تورثونها لأبنائكم، نرفض أن تتكلموا باسمنا أو تتاجروا بمصالحنا وقضايانا. فلكم همومكم وطريقكم ولنا همومنا وطريقنا.
كاتب وباحث عربي