2024-11-24 01:36 م

ما بعد قرار «الجنائية الدولية»: مخاوف من «مساومات» السلطة

AP

2021-03-05
رجب المدهون
على رغم الترحيب الفلسطيني الكبير الذي قوبل به قرار محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق رسمي في جرائم الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ثمّة مخاوف من تكرار ما حدث عقب صدور تقرير القاضي ريتشارد غولدستون حول حرب عام 2008، حيث خضعت السلطة الفلسطينية للضغوط الإسرائيلية، التي لا يُستبعد أن تستجيب لها اليوم أيضاً، خصوصاً في ظلّ تعويلها على عودة قطار المفاوضات
وضَع قرار محكمة الجنايات الدولية فتْح تحقيق رسمي في جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، السلطة الفلسطينية والمؤسّسات الحقوقية، أمام تحدّي تقديم المعلومات والشهادات اللازمة للتحقيق، في وقت يرفع فيه العدو من مستوى تهديداته للفلسطينيين في حال التعاون مع المحكمة. وبعد جهود تواصَلت منذ عام 2019، وقبل شهرين من مغادرة المدّعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، منصبَها، أُعلن فتح تحقيق رسمي في جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية)، الأمر الذي جعل إسرائيل تستشيط غضباً، وتعمد إلى إطلاق حملة اغتيال معنوي للمحكمة قبل بدء عملها، وصلت إلى حدّ اتهامها بمعاداة السامية.وأكدت بنسودا، التي تنتهي ولايتها في 15 يونيو/ حزيران ليتسلم المنصب مِن بعدها القاضي البريطاني كريم خان، في بيان: «رفع مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً بشأن الوضع في فلسطين»، موضحة أن «التحقيق سيطال الجرائم التي تشملها الولاية القضائية للمحكمة، والتي اقتُرفت منذ 13 حزيران/ يونيو 2014».
وأشارت إلى أن «مكتبها سيحدّد الأولويات المتعلّقة بالتحقيق في الوقت المناسب، في ضوء التحدّيات المتّصلة بجائحة كورونا، وقلّة الموارد المتاحة، وعبء العمل الثقيل المطلوب من المحكمة إنجازه». واستدركت بأنه على الرغم من هذه التحدّيات والمصاعب الأخرى، «لا يمكن أن يتخلّى المكتب عن تحمُّل المسؤوليات الملقاة على عاتقه في نهاية المطاف بموجب نظام روما الأساسي».
ولقي قرار المحكمة ترحيباً فلسطينياً واسعاً على المستويات كافة: الرسمي والفصائلي والأهلي، بعدما انتظر الفلسطينيون هذه الخطوة لستّ سنوات منذ انتهاء حرب 2014، والتي راح ضحيّتها أكثر من 2000 شهيد فلسطيني. إلا أن الإعلان أثار الخشية لدى شرائح فلسطينية واسعة من تكرار سيناريو «تقرير غولدستون» عن حرب 2008، والذي سحبته السلطة من الأمم المتحدة بعد تعرُّضها لضغوط واسعة من الاحتلال. وتتشابه الضغوط الحالية على الفلسطينيين مع تلك التي مورست عليهم سابقاً؛ إذ بعثت الحكومة الإسرائيلية، فور صدور قرار المحكمة، رسائل إلى رام الله، تتضمّن تهديداً بأن تل أبيب «ستواجه صعوبة» في دفع خطوات سياسية أو إجراءات بناء ثقة على الأرض مع السلطة، في حال قيام الأخيرة بأيّ دور من شأنه أن يساعد في تسريع التحقيقات، بحسب قناة «كان» العبرية أمس.
وبعد أشهر من عودة علاقة السلطة بالاحتلال، وتَسلُّم الأولى أموال المقاصة التي أخرجتها من أزمة مالية خانقة كانت تمرّ بها، وحديثها عن قرب عودة الإدارة الأميركية إلى تفعيل ملفّ المفاوضات، تتعزّز الفرضيات التي تُرجّح استجابة رام الله لضغوط تل أبيب، وتضييعها الفرصة مرّة أخرى. وتسود مخاوف من أن يساوم رئيس السلطة، محمود عباس، دولة العدو والإدارة الأميركية في هذا الملفّ لدفعهما للعودة إلى المفاوضات، خاصة أن واشنطن كانت اشترطت مسبقاً وقف الدعم الفلسطيني لفتح تحقيق ضدّ إسرائيل، مقابل إعادة فتح مكتب «منظّمة التحرير الفلسطينية» لديها.

في المقابل، وبكمّ هائل من التصريحات الغاضبة، قابلت إسرائيل قرار «الجنائية الدولية»، محاوِلةً بذلك اغتيال المحكمة معنوياً قبل شروعها في عملها، إضافة إلى دراسة كيفية منع وصول مُحقّقي المحكمة ومسؤوليها إلى دولة الاحتلال والأراضي الفلسطينية. ووصف رئيس الوزراء العدو، بنيامين نتنياهو، القرار بأنه «سخيف ومعاداة للسامية وذروة النفاق»، قائلاً إن «المحكمة تمّ إنشاؤها لمنع تكرار الجرائم النازية المروّعة التي ارتُكبت ضدّ الشعب اليهودي، لكنها مؤخراً تُحوّل بنادقها ضدّ الدولة الواحدة والوحيدة للشعب اليهودي، وتستهدف إسرائيل، الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، على حدّ تعبيره. وتعهّد وزير الأمن، بيني غانتس، من جهته، بحماية جنوده من الملاحقة القضائية، معتبراً أن إعلان لاهاي يُمثّل «جائزة للإرهاب والتنظيمات الإرهابية»، داعياً الفلسطينيين إلى «أن يستوعبوا أن الصراع لن يتمّ حلّه إلّا من خلال المفاوضات في القدس ورام الله، وأن محكمة لاهاي لن تساعدهم».
وتخشى دولة الاحتلال من أن تُصدر المحكمة تقريراً يدينها بجرائم حرب، ويُعرّض قادتها السياسيين والعسكريين للمحاكمات الدولية والاعتقال في عدد كبير وواسع من بلدان العالم التي تخضع لوصاية المحكمة، وهو سيناريو كاد يتحقّق في الأراضي البريطانية عام 2010، عندما هرب وزيرا الخارجية والأمن الإسرائيليان آنذاك، تسيبي ليفني وغابي أشكنازي، منها قبل صدور أوامر قبض بحقّهما لارتكابهما جرائم حرب ضدّ الفلسطينيين في حرب 2008. وفي هذا الإطار، وصف مُعلّق الشؤون الدولية في موقع «وللا» العبري، باراك بن رافيد، قرار «الجنائية الدولية» بأنه «خيار نووي ضدّ إسرائيل سيؤثر بشكل دراماتيكي على الصراع»، معتبراً إيّاه الحدث الجوهري في إطار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي منذ انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة عام 2005، ومن المحتمل أن تستمرّ تداعياته لسنوات.

خيبة أملٍ في واشنطن
تنتهج إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، السياسة نفسها التي دأبت جميع الإدارات المتعاقبة على اتباعها، حينما يتعلّق الأمر بإسرائيل. من هنا تحديداً، جاءت «معارضتها الشديدة» لقرار المدّعية العامة لـ»المحكمة الجنائية الدولية»، فاتو بنسودا، فتحَ تحقيق رسمي في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في كلٍّ من الضفة الغربية وغزّة والقدس الشرقية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس: «نحن نعارض بشدّة ونشعر بخيبة أمل إزاء إعلان المدّعية العامّة فتحَ تحقيق في شأن الوضع الفلسطيني»، مؤكّداً أن بلاده ستواصل التزامها «القوي تجاه إسرائيل وأمنها، بما في ذلك من خلال معارَضة الأعمال التي ترمي إلى استهداف إسرائيل بشكل غير عادل»، مذكّراً بأن الكيان العبري لا يقبل اختصاص المحكمة، لكونه ليس عضواً فيها.
وعلى رغم إعلان بايدن نيّته اتباع سياسة أكثر تعاوناً مع المحكمة، إلّا أنه لم يقدِم على رفع العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، على بنسودا، في أعقاب قرارها فتحَ تحقيق في جرائم حرب أميركية محتملة في أفغانستان، من دون الحصول على موافقة واشنطن. وفي هذا الإطار، قال برايس: «نحن ملتزمون بتعزيز المساءلة واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة لضحايا الفظائع»، مضيفاً: «بقدر ما نختلف مع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية المتعلّقة بالوضع الفلسطيني، وبالطبع بأفغانستان، فإننا نجري مراجعة دقيقة للعقوبات».
المصدر/ الاخبار اللبنانية