في مقدمة القضايا التي تشغلني هذه الأيام هي مخطط إعادة تفتيت البلاد العربية واليمن على وجه الخصوص، فالذين يعتقدون بأن قرارات أمريكا بشأن الحرب على اليمن والإيحاء بأنها بدأت بتنفيذ الإجراءات العملية الكفيلة بإنهائها، من خلال تعليق صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات ، فإن الحقيقة هي إن هذه القرارات ليست سوى شعارات رنّانة والهدف منها حلب أمريكا للسعودية مالياً، وما الى ذلك من ملحقات وملاحق. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا يتبنى الرئيس بايدن، حملة الضغط لوقف الحرب على اليمن؟ وهل يريد فعلاً وقفها أم أنه يناور للتصويب على ملفات أخرى؟
بالعودة الى مدلولات ومداخلات العنوان اعلاه، يتبين أن الأزمة اليمنية باتت أكثر أزمات الشرق الأوسط تأزماً، فمنذ عام 2015 تشهد الدولة اليمنية معارك طاحنة، خلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين، وملايين النازحين في مشهد مأساوي صعب أدى إلى غرق اليمن أكثر في مستنقع الفقر والكوارث الاقتصادية.
اليوم تعتزم أمريكا والغرب التعويض عن خطأهما في اليمن، ويحاولان تطويع الأزمة اليمنية عبر الصيغة الجديدة التي يريدانها، وبناءً على ذلك فإن إعتماد واشنطن لنهج جديد تجاه اليمن لم يأت إختيارياً، بل هو أمر فرض عليها، كون أمريكا لا تريد أن تتضرر مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي، ومن هنا ان قرارات بايدن بشأن وقف الحرب في اليمن وإيقاف الدعم المباشر للسعودية في الحرب على اليمن ليست سوى شعارات لإيهام ان استراتيجية واشنطن في المنطقة قد تغيرت.
رغم انه لم يعد خافياً على أحد ما يجرى اليوم في اليمن، فإن الغريب هو الصمت الإقليمي والدولي على مشاهد الخراب والدمار والأرواح المزهقة ، صحيح أن عمليات الجيش الأمريكي ستعلق في اليمن، الا أنه في نفس الوقت ان أمريكا تخطط لإقامة قواعد عسكرية جديدة في السعودية وبالتحديد على البحر الأحمر، إضافة إلى مطارين عسكريين، وهذا بحد ذاته تهديد مرعب للمنطقة من خلال بسط نفوذ أمريكا المتنامي على العديد من المواقع الاستراتيجية هناك.
في إطار ذلك لا يمكن أن نفصل ما يجري في اليمن عما يحدث في سورية من تدمير ومن قضاء عليه كبلد عربي موحد، ولا يمكن أن نفصل ما يجري في اليمن عما يجري في مصر أو ليبيا والسودان والصومال وغيرها، كما لا يمكن أن نفصله عن مخططات إشاعة الفوضى والصراعات الداخلية في الدول العربية، إذاً هو مخطط واحد يشمل المنطقة العربية كلها، وليس هناك من مستفيد منه إلا أمريكا وحلفاؤها والقوى الطامعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة، ولهذا ليس من الغريب أن نلاحظ أن أمريكا والغرب كلهم يقفون اليوم بكل قوة بجانب داعش والمجموعات المسلحة في الحرب التي تشنها على اليمن، ولهذا فإن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة، في هذا السياق إيقاف الحرب في اليمن ومحاسبة الفاعل ليست من أولويات بايدن فأولويته الأساسية هي استمرار حلب اموال الشعب وضخ أمواله في السوق الأمريكية التي تتعرض لخسائر كبيرة أمام السوق الصينية.
مجملاً.... إن إستمرار الصراع هو المصير الوحيد الذي ينتظر اليمن في المستقبل، وهذا الصراع يمكن أن يستمر نظرياً إلى أجل غير مسمى، وخير مثال على ذلك الصومال، التي تعيش على هذا المنوال منذ أكثر من 20 عاماً، لا مخرج من هذا الوضع السيئ إلا بمصالحة وطنية حقيقية، لذا لا بد أن يجلس اليمنيين على طاولة الحوار ويبحثون عن الحلول التي تجعل الجميع يشاركون في صنع القرار، ومع هذا كله، لا بد من وضع تسويات جدية تمهد لبداية حل سياسي في اليمن، من أجل تفادي الخطوات التصعيدية القادمة، في ظل الحديث عن وجود مخططات لوجستية غربية لتقسيم اليمن.
وأختم بالقول، إن الوحدة الداخلية اليمنية ضرورة وطنية لمواجهة التدخل الخارجي والتيار التكفيري، لحفظ وحدة اليمن وإحباط المشروع الأميركي لبناء الشرق الأوسط الجديد، لذلك لا بد لليمنيين من إقتناص الفرصة المناسبة لإنقاذ اليمن في ذروة الإنشغال السعودي والخليجي، والإرتباك الأميركي في المنطقة، وصمود سورية ومحور المقاومة في المنطقة.
Khaym1979@yahoo.com