بقلم: نادية عصام حرحش
في خضم كل ما يجري من احداث، تتداخل الأمور في بعضها مصادفة ام بتلقائية لست متأكدة. من جهة نعيش زخم ما الحقه اعلان موعد للانتخابات التشريعية، فتتزاحم الاحداث بالفعل. وتبدو الأمور مصيرية في كيفية رؤيتها. ففي كل جلسة بموضوع الانتخابات المفترضة تجد نفسك امام سؤال: ما الذي سيقدمه من يرى بنفسه شخص المرحلة القادمة؟ وقائمة حساب لما قدمه هذا الشخص ان كان معروفاً لدى الانسان العادي، وقائمة بمطالب. يفرضها الناخب على أي مرشح تتصدرها عبارة ما الذي سأكسبه انا شخصيا منك؟
في نفس السياق قرأت شكرا وعرفانا للرئيس لإنسانيته بحل مشكلة الكاتب والمناضل الفلسطيني نزيه أبو نضال الذي عرض مكتبته وسيارته للبيع بسبب مأساوية وضعه، وتكرم الرئيس بتخصيص معاش للرجل. قبلها بأيام، وضمن بدء الدعاية الانتخابية – ربما- لمحاسن الرئيس الفلسطيني، تداولت وسائل الاعلام فيديو للرئيس مع سيدات كبيرات السن يطلبن منه كذلك دفع فواتير كهرباء وصرف معاش.
وقد تكون القائمة بهكذا مناشدات من قبل افراد بحاجة ماسة للمساعدة بعد انسداد السبل امامهم طويلة جدا رأيناها على مدار السنوات، فنقرأ ونسمع عن مناشدات لتكاليف علاج ومناشدات من اجل قسط جامعي ومناشدات من اجل آلة يحتاجها مريض ومناشدة من اجل عدم قطع الكهرباء وغيرها. وبالعادة نسمع عن شكر وتقدير وعرفان للرئيس بتدخله كما حصل بهذه القصة مع الكاتب المناضل.
كم من قصص لا تصل الى الرأي العام او الاعلام ولا يعرف عنها الرئيس؟ قد يكون الجواب لها في قائمة المطالب التي يريدها الناخب المحتمل من المرشح المحتمل في سباق الانتخابات المحتمل حدوثه.
اعي جيدا ان بداخل المجتمع قصص تدمي القلوب، والناس حياتهم أصعب مما نفهم او ندرك بالكثير من الأحيان. وافهم جيدا كيف وصلنا الى هنا، كيف بدأ الخط الفاصل بين الحاجة المضنية التي تجعل الانسان يناشد المساعدة وبين احقية المطالبة بالتلاشي. فيجد المواطن نفسه امام استحقاق تحمله للفساد المستشري وهذه فرصته في المطالبة. وهذا بالفعل هو المؤسف.
بانتخابات 2005 اليتيمة، كان فوز حماس نتيجة عملية بنيوية بشراء الأصوات كانت قد بدأت قبل سنوات. وذلك بالتركيز على مساعدة الناس من خلال المشاريع الخيرية، فعندما جاء وقت الانتخابات، كان من السهل على المواطن ان يحسم امره في الكثير من الأماكن. اما اليوم، فلقد فقدت حماس هذا الطابع في نهجها، وعانى الشعب في شقها من الوطن مثل معاناة الشعب في شق الوطن الاخر من الانقسام. فزاد الفقر والبؤس لدرجة صار التسول سمة بديهية بالمجتمع بكافة فئاته. تسول نراه مباشرة بالشوارع بصورته التقليدية، وتسول نراه بالتسريبات من الوثائق بأعلى فئات المجتمع، يتوسل فيه الشخصيات الكبيرة لراتب وبدل ايجار منزل وسيارة واعفاء وترقية وتذكرة سفر وعلف حصان وغيرها. قصص تجعل من اللطم طبيعة ردود الفعل البديهي للمواطن الذي لا يزال يتمنى من هذا الواقع الا يكون حقيقيا.
شراء ذمم الناس بالأموال والمكاسب من جهة، والتمنين على الناس من جهة أخرى وكأن ما يأخذونه مكرمة هو صلب الكارثة التي نعيشها. فلو كنا في وطن يكفل كرامة الانسان لما احتاج مناضل ان يبيع مكتبته ولا مواطن عادي ان يستجدي علاج او قسط تعليم.
أفكر كم من الوقت نحتاج لنعيد نسيج الوطن الاجتماعي الذي تآكل بالعِتِّ بخيطان جديدة؟
تزامنا، فقدنا اديبا مهما قبل يومين- مريد البرغوثي. وكأن هؤلاء قد فاضت بهم الحياة وسلموا أجسادهم
للأرض لتسمو ارواحهم بيننا. فها نحن نكرر عبارات واقوال مريد البرغوثي، ونقرأ بشغف ما كتبه عبد الستار قاسم. وفي نفس اللحظات بينما نبكي فقداننا لهؤلاء بأجسادهم ونواسي أنفسنا بإبقاء كلماتهم وتأثيرها، كمقولة استحسنتها لمريد البرغوثي بقوله: “رأيت بعيني وجع الولادة فشعرت ان من الظلم ان لا ينسب الأطفال الى الام.. لا أدري كيف اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه”، تصفعنا قرارات مكتب قاضي القضاة (وهنا نحن نتكلم عن قاضي قضاة الشق المنقسم من الوطن- لأننا لدينا من كل انقسام اثنين) بقرار” يمنع سفر الانثى غير المتزوجة بكرا كانت او ثيباً دون الحصول على اذن من وليها العاصب. ولوليها ان يمنعها من السفر إذا كان في سفرها ضرر محض…..”.
كيف يعقل ان الوطن الذي أنجب من يرى عظمة المرأة في حقها بنسب اطفالها بعد مخاض الالام هو ذاته الوطن الذي يفتي شيوخه بالوصاية على المرأة حتى بالسفر؟؟؟
ربما هذا معيار الحرية وفقدانها … عندما يكون الانسان حرا لا يخشى قوة المرأة ولا تهزه مكانتها ويرقى برقيها … وعندما يكون الانسان مسلوب الحرية فهو لا يفهم الا القمع والتطويع والذل كطريقة وحيدة لنفوذه واستحواذه….
لا بد للقيد ان ينكسر… قيد التخلف والتعنت والتعصب.
لا بد للإنسان الفلسطيني ان ينهض بكرامته التي لم تستطع بساطير الاحتلال مسحها ولكن استطاع حكم الفساد والمحاباة والفئوية ان يحولنا الى متوسلين من اجل البقاء على قيد الحياة.
كاتبة فلسطينية