2024-11-30 04:41 ص

فتش عن الرئيس

2021-02-01
بقلم: رولا سرحان
ما يزالُ الموقف بشأن الإعلان عن موعد الانتخابات العامة ملتبساً بين سياق "الهشاشةِ" بما يعنية بنيوياً، والبشاشةِ بما يعنيه "حسياً"، فبينما الأقلام بدأت تستدعي ببشاشة الاحتفاء والمباركة لإعلان المراسيم الرئاسية المحددة لموعد الانتخابات العامة، هنالك موقف ما زال يُشكك في معنى إجرائها في ظل المنظومة السياسية الفلسطينية الهشة بمجملها، والتي تسعى عبر الانتخابات لإعادة إنتاج المكرر واستنساخ الوجوه القديمة وأدواتها المتآكلة في التعاطي مع إدارة مرحلة صعبة تحتاجُ إلى وجوه وطاقات وأدواتٍ جديدة.

فبعد أن وضع الرئيس، بمراسيم إجراء الانتخابات، الحصان أمام العربة بعد أن كانت العربة أمام الحصان طوال السنوات الخمس عشرة الماضية آخر مرة جرت فيها الانتخابات العامة، فإنه يكون أيضاً قد وضع الجميع تحت كومةٍ من أسئلة الإثارة والتشويق بالمعنيين الصحفي والسينمائي للكلمة: ماذا حدث؟ لماذا الآن؟ ما الذي اختلف؟ من الذي اتصل بمن؟ من الذي ضغط على من؟ على ماذا اتفقوا؟ من هم الذين اتفقوا؟ لماذا وافقوا الآن؟ هل انتهى الانقسام؟ هل ستخوض فتح وحماس قائمة واحدة؟ هل هو تكتيك؟ أم هل هو الرئيس؟

"فتش عن الرئيس" cherchez le president، ليس بما تعنيه العبارة هنا من فعل الاختفاء وما يستدعيه من بحثٍ حسي ملموس، بل بما تعنيه من إحالةٍ إلى الأسباب والبواعث. أي أن بواعث إعلان موعد الانتخابات يقف وراءها الهدف المركزي الأساسي الذي يُحوِّلُ العملية الانتخابية إلى عملية ميكانيكية لوجستية هدفها الأول تجديد شرعية الرئيس محمود عباس، الذي هو بحاجةٍ ماسة إلى تجديد تمثيله السياسي أمام المتغيرات السياسية الإقليمية المتسارعة القائمة على التطبيع وترك الحصان الفلسطيني وحيداً في مواجهة الخسارةِ، والمصحوبة بتغير الإدارة الأمريكية والضغط الأوروبي الدافع باتجاه تجديد كل الشرعيات الفلسطينية، وتحديداً شرعية الرئيس محمود عباس وصفته التمثيلية قبل أي شرعية أخرى.

وبما أن عملية إجراء الانتخابات الرئاسية هي عملية غير قابلة للتحقق مباشرة دون تجديد شرعية المجلس التشريعي، واستدراك عملية حله التي جرت دون مسوغات دستورية عام 2018، ولاقت احتجاجات من مؤسسات حقوقية محلية ودولية، لأن المشهد سيصبحُ حينها مشهداً مكسوراً غير قابل للعرض باعتباره مشهداً "فلسطينياً ديموقراطياً" متكاملاً، يُصبحُ إجراء انتخابات المجلس التشريعي هو البوابة الأولى التي يُقدمُ فيه الفلسطينيون أنفسهم للدخول إلى مشهد المراقبةِ والضبطِ الدولي والعربي من جديد بطريقة "حضارية وحداثية"، لتلتقطَ لهم الكاميرات والصحافة صورهم وهم يدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع ويرفعون أصابعهم الملونة بالحبر الانتخابي كشاهد على أنه شعبٌ يستحق أن تتم مخاطبته ومناقشته في قضاياه المصيرية وفي مساعيه التحررية.

لذلك، كان لزاماً أن يتم البدء بالمجلس التشريعي لما يرى فيه الأوروبيون والأمريكيون بأنه المؤسسة الأهم التي تُعبر عن إرادة الفلسطينيين، غير أنه وفي المقابل، أي فتحاوياً/ ورئاسياً يُشكل مساحةَ وقاية وعزلٍ Buffer zone، من وضد أية مفاجأت قد تحصل فيما لو جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية والوطني في وقت واحد. إنه ميزان الحرارة الذي ستُقاس به درجة الثقة الذي ستُبديه حماس تجاه فتح، والثقةُ هنا ليست عملية متبادلة، إنها ثقةٌ في اتجاهٍ واحد من حماس باتجاه فتح، والانتخابات التشريعية مقياسٌ لانضباط حماس والتزامها بتقاسم "الكعكة الصغرى/ المجلس التشريعي" مع فتح على أن تترك لها "الكعكة الكبرى/ الرئاسة".

لقد عانت حماس عبئ الانقسام داخلياً أكثر من فتح، وخسرت مالياً وجماهيرياً أكثر من فتح، وفهمت أكثر من فتح أن السلطة السياسية ليست وزارةً وسيارة وموظفين بل أيضاً اعترافاً سياسياً قبل كل ذلك. إنها انتخاباتُ فتح بدعم من حماس، انتخابات تجديد شرعية الرئيس، وللضرورة تجديد شرعية المجلس التشريعي ومن ثم التوقف هناك.

 (الحدث)