ترجمة وتحرير نون بوست
كشفت "اتفاقية أبراهام" التي أُبرمت السنة الماضية، والتي قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بموجبها بتطبيع العلاقات رسميا مع "إسرائيل"، إلى حد كبير عن العلاقات السرية طويلة الأمد التي كانت تربط بين الإمارات ودولة الاحتلال. ولكن ما مدى أهمية أبوظبي بالنسبة للولايات المتحدة في إدارة شؤون الشرق الأوسط؟
لا يمكن الاستهانة بدور الإمارات الفعال في تشكيل المنطقة بما يتناسب مع المصالح الاستعمارية الأمريكية والإسرائيلية. وإلى جانب صفقات الأسلحة الموقعة مؤخرا، واتفاقيات التجارة الإضافية التي تلوح في الأفق، تبدو الإمارات على نحو أكثر وضوحا، نسخة جديدة من دولة "إسرائيل" بالنسبة لواشنطن.
ويبرز ذلك بمجرد النظر إلى الطريقة التي تمارس بها أبو ظبي نفوذها خدمة لسياسات الولايات المتحدة، ودورها الخفي في الضغط على الدول العربية الأخرى لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
على سبيل المثال، من أجل فهم الدور الذي لعبته الإمارات لإقناع السودان بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، من المهم أن نفهم ما قاله مسؤول سابق في إدارة ترامب سنة 2019: "ابحث تحت أي صخرة في القرن الأفريقي، وستجد الإمارات هناك".
إلى جانب المملكة العربية السعودية، استفادت الإمارات من الاحتجاجات التي اندلعت في السودان بين سنتي 2018 و2019، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير. وبعد أن فشلت في استمالة البشير الذي كان متحالفا مع تركيا وقطر، قررت الإمارات مساندة المجلس العسكري الانتقالي الذي حلّ لاحقا مكان البشير على رأس السلطة.
وقد قمع المجلس العسكري الانتقالي المظاهرات بوحشية كبيرة عندما خرج السودانيون إلى الشوارع للمطالبة بإرساء حكم مدني. أعقب ذلك اتفاق لتقاسم السلطة، حيث تم تشكيل حكومة مؤقتة لمدة ثلاث سنوات أُطلق عليها اسم "مجلس السيادة"، والذي يضطلع الجنرالات داخله بدور أساسي في السيطرة على السودان، ويتلقى العديد منهم الدعم من أبو ظبي.
عندما طُرح قرار الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع في عهد ترامب، عارضته العناصر المدنية في الحكومة السودانية المؤقتة، لكن المجلس العسكري الانتقالي ضغط عليهم وأقنعهم بالموافقة بدعوى أن ذلك يخدم البلاد اقتصاديا. وقد وعدت الولايات المتحدة بإزالة اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، مما يعني رفع العقوبات وحصول الخرطوم على شريان حياة اقتصادي من واشنطن.
في المقابل، كان يتوجّب على السودان أن يدفع تعويضات لأسر المواطنين الأمريكيين الذين قُتلوا في التفجيرات التي نفذتها القاعدة سنة 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا. ثم تدخلت الإمارات ووعدت بدفع مبلغ قيمته 335 مليون دولار للسودان لتغطية هذه التكاليف، بوساطة من المملكة العربية السعودية، مقابل موافقة الخرطوم على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
لم يتم التركيز كثيرا على دور الإمارات في اتفاق التطبيع بين المغرب مع "إسرائيل"، لكن دورها في الحقيقة ربما يكون أحد أهم العوامل التي أدت إلى هذا الاتفاق. ينبغي أن يُفهم هذا التأثير في سياق موقف الإمارات المعادي للإخوان المسلمين ونفوذها المتنامي في شمال إفريقيا.
في نيسان/ أبريل 2019، سحبت أبو ظبي سفيرها من المغرب، في حركة وصفت بأنها رد فعل على قرار الرباط عدم الانضمام إلى حصار قطر الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر بسبب دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين. وفي آذار/ مارس من العام الماضي، فعل المغرب بالمثل وسحب سفيره من الإمارات.
اشتدت حدة التوتر بين الرباط وأبو ظبي عندما أكد المغرب - الذي كان يُعتبر لاعبا محايدا ضمن الصراع الدائر في ليبيا - دعمه لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وتدعم الإمارات الجيش الذي يقوده اللواء المتمرد خليفة حفتر، والذي يسعى للإطاحة بحكومة الوفاق.
في شباط/ فبراير الماضي، وقّعت الإمارات صفقة استراتيجية لاستثمار ملياري دولار في موريتانيا؛ جارة المغرب الجنوبية وإحدى أفقر دول العالم. أثارت تلك الخطوة غضب الرباط، لأن المغرب خشي من تأثير الاستثمارات الإماراتية في الموانئ الموريتانية، على مينائي الداخلة وطنجة المتوسط.
وفي آب/ أغسطس، ظهرت تقارير تفيد بأن المغرب اتهم الإماراتيين بدعم جبهة البوليساريو في النزاع على الصحراء الغربية. ولكن بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، وفي تطور مفاجئ، قررت الإمارات أن تصبح أول دولة عربية تفتتح قنصلية في الصحراء الغربية. وقد رحبت الحكومة المغربية بالقرار على أمل أن يمهد الطريق لمزيد من الاعتراف العربي بالسيطرة المغربية على المنطقة المتنازع عليها.
وبعد أقل من شهر، أعلنت جبهة البوليساريو أن وقف إطلاق النار الذي دام 29 سنة بينها وبين المغرب قد انتهى رسميًا. كما أعلن المغرب في أوائل كانون الأول/ ديسمبر عن تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة الاعتراف رسميًا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
جاء تراجع الولايات المتحدة والإمارات عن موقفيهما السابقين بشأن قضية الصحراء الغربية في غضون أشهر قليلة، لذلك لم تكن إشادة الإمارات العلنية بصفقة التطبيع بين المغرب وإسرائيل أمرا مفاجئا.
ويُعتبر إضفاء الشرعية الدولية على السيادة المغربية للصحراء الغربية أمرا ضروريا في حالة حدوث أي تصعيد عسكري، خاصة في ظل الدعم الذي تقدمه الجزائر لجبهة البوليساريو
أصبحت الإمارات العربية المتحدة لاعبا مهما في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في اليمن، سمح لها الدعم الذي تقدمه للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي بأن تمارس نفوذا أكبر من المملكة العربية السعودية، كما سعت إلى اغتيال أعضاء من حزب الإصلاح اليمني وعناصر آخرين مرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين.
اعتمادا على شخصيات مثيرة للجدل، مثل عضو السلطة الفلسطينية السابق محمد دحلان - الذي يُعرف حاليا بالذراع الأيمن لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان - يزداد نفوذ الإمارات في المنطقة. ويُتهم دحلان في تركيا بالضلوع في الانقلاب الفاشل للإطاحة بالرئيس أردوغان سنة 2016.
كما يواجه الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني اتهامات بالتعاون مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي سنة 2012 للتخطيط للإطاحة بالرئيس محمد مرسي. وتمارس الإمارات بعض النفوذ في سوريا أيضًا، وهي تعمل على دعم كل من يعارض جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معها.
وينظر كثيرون بعين الريبة إلى المشروع الإماراتي لإحياء مشروع سكة حديد الحجاز، وربط مدنها بميناء حيفا في "إسرائيل"، والذي من شأنه أن يؤثر اقتصاديا على اللاعبين الإقليميين الآخرين، مثل مصر. إلا أنه من غير المرجح أن يتم إنجاز هذا المشروع دون دعم السعودية التي لم تعلن بعد عن أي نية لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
يتضح من شبكة استخباراتها الواسعة، وقوتها العسكرية الحديثة، وتحالفها مع كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، أنه لا يمكن الاستهانة بدولة الإمارات العربية المتحدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
المصدر: ميدل إيست مونيتور/ روبرت انلاكش