2024-11-29 12:28 ص

هل نحتاج مجلس تشريعي.. وهل الشباب هو الحل لأزمة القيادة الفلسطينية؟

2021-01-31
بقلم: نادية عصام حرحش
منذ اصدار مرسوم الانتخابات قبل أكثر من أسبوع، والشعب الفلسطيني بين مصدق ومكذب، بين مشجع ومناهض، وبين تشكيل قوائم واختيار قيادات.

بالتأكيد، هذه ليست المرة الأولى التي نعيش فيها حمى فكرة الانتخابات واحتمالات حدوثها. ولكنها المرة الأولى بالسنوات الأخيرة التي لحقها مرسوم، لا مجرد وعود او تعهدات، والاهم انها تأتي بوقت نحن غير مستعدين بالمطلق لها. لأنه وحتى وقت ليس ببعيد، وقد يكون ارتباط ذلك الوقت متعلق بوجود مجلس تشريعي قائم على الرغم من عدم تفعيله لسنوات كنا أكثر استعدادا. لكننا فقدنا تدريجيا ما يمكن ان يؤسس لانتخابات ولم يبق امامنا الا الأسماء والأجهزة التي لم تُفعّل وقد يكون أصابها الصدأ. فنحن بالفعل نعيش انهيار مطلق للمؤسسات منذ تفرد رئيس السلطة الفلسطينية بكافة السلطات، بدأها بسيطرته على منظمة التحرير والمجلس الوطني وحوكة فتح، ومن ثم سيطر على الجهاز القضائي بعد ان تفردت حركة فتح التي يترأسها بالحكومة وحركة حماس بالجهة المقابلة من الوطن المتفسخ. فلم يعد للنظام او القانون هيبة او قيمة، وتحول الى نظام سطوة يحاول كل من يستطيع الاستيلاء به ان يستولى على ما وصلت له نفوذه وكل من يستطيع ان يهرب بجلده ويأمن نفسه من مغبة الظلم والاستبداد ينأ بنفسه وعائلته ويحاول ان يسلم نفسه ما استطاع. وبين هذا وذاك تقف النخب الثقافية والرأسمالية كالجدار الحامي للنظام، تارة تراها تمثل النظام وتارة تمثل الشعب، ولكنها بالحقيقة لا تمثل الا مصالحها وما تحتاجه لاستمراريتها.
كل هذا، ولا نزال نعيش تحت احتلال، أي لا سيادة حقيقية يترتب عليها وجود مجلس تشريعي.
اليوم نقف امام تحضير لانتخابات لا نعرف بدء ان كنا بحاجة اليها، فهناك سؤال جوهري يدور بتفكير الكثيرين منا: ما حاجتنا لمجلس تشريعي، ونحن بضعة ملايين يقسمنا الاحتلال ويفرقنا الانقسام الحزبي والجغرافي، ويحل امورنا رجال عشائر؟ لماذا نحتاج الى مجلس تشريعي يكلف خزينة السلطة المفلسة أصلا الملايين التي من الاجدر دفع معاشات المحتاجين من الشعب بها. لماذا نحتاج الى مجلس تشريعي والرئيس يحكم ويتحكم بالقضاء وجعل من نفسه هيئة مستقلة للتشريعات. فيسن ما يريده من قوانين بمراسيم وقرارات ولا يوقفه أحد ولا يأبه بدوره لاحد. فهل سيعطي المجلس التشريعي شرعية لرئيس متنفذ؟ وهل سيقوى المجلس على تغيير وابطال كل ما طالنا من قوانين ومراسيم وظلم لا ندرك مآله بعد؟
وإذا قررنا اننا تعدينا هذه العقبة من عدم الجهوزية والضرورة، وقررنا ان المجلس التشريعي سيكون به الامل ان صارت الانتخابات حقيقة، فنحن نقف على ازمة اشد خطورة، وهي فقرنا الحقيقي لقيادات يمكن ان تحدث تغيير او نثق بها. وما نراه يوميا من تشكيلات وائتلافات وقوائم محتملة تتسابق بالاستحواذ على “حصان طروادة” المتمثل بشخص بعينه أحيانا، بينما يقف الاباطرة بقوادهم بثقة المنتصر ان المرحلة القادمة ستكون لهم، كما المرحلة الحالية. وكما في حالنا قبل حمى الانتخابات، تقف النخب نفسها تراوح من اجل التأكد ان تغيير حقيقي لن يطال الوضع القائم، وان طال الوضع التغيير، فهم هناك، مستمرون بدورهم بالحفاظ على السلطة للحفاظ على مصالحهم.
في المقابل، يوزع الشعب نفسه بحراكات وقوائم منشطرة في كل الاتجاهات، كل يريد ان يقدم التغيير الذي لا يراوح الا مكانه. فلا يجرؤ أحد على التقدم خطوة الى الامام، خوفا او ايمانا بأن التغيير ليس بالممكن. الجميع يراوح في نفس المكان من الحفاظ على الوضع القائم بتغيير شكلي يحفظ ما تبقى من ماء الوجه ويؤكد ان المصالح الخاصة لكل شخص لن تتضرر.
ولكن من كل الاتجاهات، يبدو الاستقطاب الأهم والمتفق عليه من قبل كل الأطراف هو الشباب.
فبين البحث عن حصان طروادة في هيئة قائد مخلص وشخصية غير فاسدة لم ينفر منها الشعب بعد، وبين استقطاب الشباب كقاعدة مؤكدة لحصد الأصوات يبقى وضعنا في هذه المراوحة من والى اللامكان.
نراهن على الشباب، هو شعار الاستقطاب للانتخابات القادمة. بين أصوات تؤكد على ضرورة وجود الشباب بالقيادة، واصوات شباب تؤكد على ضرورة تسلمهم للراية والمضي قدما.
ولكن المضي الى اين؟ لا احد لديه جواب.
فنحن لم نعد نعرف من نحن، وما الذي يجمعنا وما الذي نريده وما هي طموحنا ولم نعد نعرف ان كان لنا امال نسعى لتحقيقها.
لا نعرف ان كنا مشروع دولة او سلطة. لا نعرف ان كنا نستطيع الفعل التمييز بين رغبتنا بان نعيش في ديمقراطية ولقد توغلت في اوصالنا الشمولية والاصولية والراديكالية. ولا نعرف ان كنا نريد علمانية بينما نتمسك بالدين كشريعة للحياة، ولا نعرف كيف نريد مساواة المرأة بالرجل ولا تزال صرخة واحدة ضد سيداو كفيلة ان تحشد الالاف حولها، ولا نعرف كيف نريد دولة مدنية ونتسابق عند اول مشكلة لنلبس عباءتنا لرجل عشيرة يخلصنا.
يتمحور في ذهني مسألتين: الأولى ترتبط بدعوة القادة الكبار باستقطاب الشباب مطالبين بإعطائهم الفرصة للقيادة، ولا أستطيع الا ان افكّر، هذا القائد الستينيّ او السبعينيّ او الثمانينيّ الذي يريد للشباب ان يأخذوا القيادة، هل يعزي الفشل الى العمر؟ الم يكن أولئك هم القيادة الشابة قبل ثلاثين وأربعين وخمسين عاما؟ من أوصلنا الى هذه المأساوية هي القيادة التي كانت شابة حينها. ليْتهم سمعوا لمن تشرد وتحسر وتعلم ودرس. الم يحمل راية التحرير الشباب؟ هل كان وضعنا من قبل أفضل وصرنا نصارع الموت الآن بسبب العمر فقط؟ هل تحل مشاكلنا إذا ما سلمنا الراية للشباب؟
المسألة الأخرى ترتبط بالشباب أنفسهم، انظر الى الشباب حولي ولي منهم أربعة، وأفكر كم يعنيهم الشأن العام وكم يهمهم مآل الوضع الكارثي؟ ما الذي يريده الشباب بالفعل؟ هل يريدوا أكثر من فرص عمل جيدة وحياة مريحة وطرق أسرع وأفضل لجني أموال أكثر في اقل وقت ممكن؟
فنجد أنفسنا بين استغلال حقيقي من قبل قيادة اهترأت وتستمر باستغلال شعارات استقطاب للشباب لتنجو بنفسها، وتنتج قيادة شابة مثلها، تصغرها في عدد السنوات فقط، ولكنها لا تختلف عن مخلفات فكرها وشعاراتها التي اوصلتنا الى هنا. وشباب مدرك لغلبته بالأعداد ويريد ان يستغل ما يمكن استغلاله ليأخذ فرصه.
بين كل ما يجري، لم نسمع حتى اللحظة عن رؤية جديدة مختلفة يمكن طرحها. لم نسمع الا عن اشخاص يرون بأنفسهم القيادة المحتملة القادمة، وكأننا في سباق جديد للعبة الكراسي نفسها. ستغير الوجوه وتبقي الحال على ما هو عليه. وسنترحم بدورنا على من كان. نسمع عن شكل للمجلس التشريعي المرتقب، وشكل للحكومة المرتقبة، وأسماء للتشكيلات والقوائم، وشعارات خرجت من الادراج وبدأت تلوح مع الملوحين في فضاء الانترنت الانتخابي.
نتكلم عن تغيير ولا نرقى لأن نغير توجهاتنا وافكارنا ولا نناقش أسباب فشلنا. او بالأحرى فشلهم.
فنحن عند الهزيمة نصبح منهم، وعند الاستحواذ والتفرد والتسلط نصبح الرعاع. نبكي ونتظلم ونحزن لمآل حالنا بسببهم. ونتحمل معهم مغبة انهيارنا. ونسمح لهم من جديد ان يستنفدوا ويتنفذوا من خلال نفس الشعارات البالية.
قبل ثلاثة وأربعة وخمسة عقود، باعونا وهم الحرية وعاثوا كل ارض نزلوا فيها فسادا، ومنذ ثلاثة عقود، صرنا كالعاقر التي فقدت أي امل بالخصوبة، فدارينا على ما لدينا.
واليوم يبيعونا الوهم في شبابنا، وكأنهم لم يكتفو بما سلبوه من حياتنا بشبابها وشيوخها، ولكنهم يريدون الاستحواذ على المستقبل ببقائهم الابدي. فاذا ما رحلوا بقي ما خلفوه لنا من أبناء واحفاد ومنتفعين. افلا نريد الشباب بالقيادة؟
في السابق، كنت أفكر في حالنا وأقول، ان دوام الحال من المحال، وبالنهاية لا بد ان يموت المرء ويأتي بعده من هو جديد وما هو جديد، ولكن يبدو ان هؤلاء ضمنوا لحياتهم الأبدية باستحواذهم وتسلطهم علينا. فالأمر لا يعدو أكثر من مزارع اقطاعية، يتنفذ امراؤها ويستبد النظار فيها على العبيد والفلاحين وما تبقى من العوام، ويسترزق منها شيخ الجامع والمثقف العائد من غربة سحقته. والأمير الاقطاعي يبقى اميرا، والعبد يبقى عبداً، والشعارات ترفع كل مرة من اجل انتخابات.
المشكلة لم تكن يوما بالأعمار، فكم من عقول شباب شائخه، وكم من عقول رؤوس شابت مليئة بالشباب. كم من قائد شاب وهرم رفع شعبه، وكم من قائد شاب وهرم سحق شعبه؟
المشكلة الحقيقية تكمن بغياب الفكر والعمق والخبرة والكفاءة، وضياع الوطن بضياع السنين لغياب ما كان غائبا، وبقاء وإرساء واستحواذ الشخص ليكون هو وسلالته ومن ينتفع منه الفكرة والخبرة ووجوده هو العمق الذي سحبنا الى هاوية لا قرار لها ولا قرار لنا فيه.

كاتبة فلسطينية