2024-11-29 12:48 ص

حل الدولتين والوطن البديل لعبة واحده لا حيز لها في الأجندة الصهيونية

2021-01-31
بقلم: فؤاد البطاينة
 كبار الغرب والشرق في اللجنة الرباعية (امريكا، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة) عندما يُسقطون العدالة عن القضية الفلسطينية ولشعب بأكمله على مذبح سقوط القيم أمام المصالح الخاصة للدول والترهات المقبورة والفكر الإستعماري فإنما يُسقطون المحظورات أمام الشعب الفلسطيني. والعالم الذي يرفض أو يعجز عن حماية الفلسطينيين وعن تحقيق تسوية للقضية بأدنى الحقوق، لا حق له ولا منطق بتحديد سلوكهم، ويشرعن استخدام الفلسطينيين لجميع الوسائل المتاحة والضاغطة لاسترداد حقوقهم الوطنية والانسانية. ولن أعجن هنا بعدالة القضية الفلسطينية ولا بمشروعية تحرير فلسطين من غزاة مستعمرين قدموا على بواخر تذكرنا ببواخر احتلال أمريكا. بل أتكلم عن زيف واستحقاق زيف العجز عن تحقيق التسوية بالحد الأدنى من الحقوق للفلسطينيين والتي اتفقت عليها الدول الكبرى وصاحبة البواخر المسلحة التي جاءت باليهود لفيفاً الى فلسطين، هذه التسوية القائمة على قرار التقسيم المنطوي على مشاركة اللفيف في الوطن والمتبلور بحل الدولتين حتى بعد مسخه وتحوله لإسم بلا مضمون.
 حيث من تلك اللحظة الإستعمارية وإقامة الكيان، والعالم منخرط في هذه المنطقة بالحروب العسكرية وبالدبلوماسية الخادعة لتطبيق هذا الإتفاق القائم على خدعة التقسيم، بالتوازي مع الحماية العالمية للكيان الصهيوني الذي يوافق على الفكرة ولكنه يتمدد بنفس الوقت وأيضاً تحت الحماية والرعاية. وامتد مسلسل تحقيق فكرة الدولتين في مراحل لمبادرات وكل واحدة منها كانت تأتي بتراجع وتنازل جديد في الحقوق الفلسطينية يُجبَر العرب على قبولها، بينما يرفضها الكيان أو يتصنع قبولها دون تنفيذها , ليُمثل قبول العرب لهذه المبادرات من طرف واحد منصات جديدة لمسلمات جديده يتم الإنطلاق منها في مبادرة أوطى. وتقلصت مع هذه السياسة على مدى العقود حجم الأرض المفترضة للدولة الفلسطينية ومسخت طبيعتها بطبعة تخلو من شروط الدولة المستقلة أو القابلة للحياة، ومع ذلك فشلت الدول الكبرى بتحقيقها ولم يبق أمامنا سوى الإعتقاد بأن هذه العجز يرقى الى التواطؤ وبأن النوايا هي بعمق النوايا الصهيونية.
 ففي تلك المراحل ظهرت علامتان بارزتان كاختراقين هما استحقاقين لفشل الدول الكبرى يدللان على تعمد هذا الفشل للبناء عليه. الأول، استحقاق طبيعي تمثل بالمقاومة الفلسطينية الممأسسة سياسيا وعسكريا نجحت بوضع القضية على جدول اهتمام العالم على الصعيدين الرسمي والشعبي لأول مرة. استخدمت المقاومة كل الوسائل المتاحة في ملاحقة العدو وأهدافه وفي كل الأماكن المتاحة من أجل هدف هو الأقدس يواجهه النكران والحرب عليه.
وفي المحصلة تكاتفوا على اختراقها وقمعها وشيطنتها وتحريمها بتعاون أنظمة عربية من ناحية، وبتمكنهم من صنع منظومة فلسطينية عميلة من ناحية أخرى. بمعنى أنهم فشلو بالمهمة الأسهل ونجحوا بالأصعب من واقع تصميمهم على تجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية. أما الإستحقاق الثاني فهو مبادرة ما سمي بصفقة القرن التي جاءت من أمريكا أحد أهم أطراف اللجنة الرباعية والمتعهد العالمي بالمشروع الصهيوني دون التشاور مع الطرف الفلسطيني. انقلبت فيها على نفسها وعلى خارطة الطريق. حيث تعمدت فيها نزع الصفة السياسية للقضية ونظرت اليها كإقتصادية معيشية ولم تتطرق أو تعترف بأية حقوق وطنية أو سياسية للفلسطينيين بصمت من هذا العالم على هذا الجرم السياسي والأخلاقي وما كان لهذه المبادرة أن تُطرح لولا تشكل أرضيتها.
إن هذا العالم الذي مثّل نفسه باللجنة الرباعية المشار اليها واعتقدناه يقوم بخطوة جادة ومتكاتفة لتنفيذ حل الدولتين، قد جاء بخارطة تحمل تراجعاً كبيرا شكلاً ومضموناً عن خطة أو قرار التقسيم وقرار 242 وحتى عن اتفاقية أوسلو، وكانت حقنة تخدير باتجاه الأسوأ. إذ بنتها هذه اللجنة من تراكمية المنصات المتراجعة التي خلفها العرب بقبولهم غير المشروط لكل المبادرات دون التزام الطرف الأخر بها. وأطلقتها وأعني الخارطة، ورحب بها العرب كما هي بما فيه السلطة الفلسطينية للوصول لحل الدولتين من خلال ثلاث مراحل تفتقد لمعايير القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وحتى لذكر لها، ومُثقلة بالشروط التراجعية. ومع ذلك تحفظت عليها “اسرائيل” بخمس عشرة نقطة تنسفها. ومن حريّ القول هنا بأنه لو كانت نوايا اللجنة حسنة لما باشرت بعملها وتنفيذها على الطرف الأخر قبل أن تتفاوض مع “اسرائيل” على تحفظاتها الأساسية باعتبارها الطرف الأخر والوحيد. إلّا أن هذه اللجنة تغاضت عن هذا ومضت بعشرات الإجتماعات مسترشدة بمبادئ فصلتها وكانت في الواقع هي الأهداف.
ومن يتصفح المراحل الثلاث التي وضعتها هذه اللجنة يكتشف بأنها جاءت لتؤسس على طريق تصفية القضية الفلسطينية لا سيما من حيث تأكيدها على إنهاء أي نشاط مسلح (المقاومة) وعلى تعزيز سلطة أوسلو باستكمال مؤسساتها لتقوم بالمهمة وبالمهام الأخرى التي تشكل محلاً لتحقيق التحفظات الإسرائيلية على خارطة الطريق، مع طلب التطبيع العربي الكامل والغموض في مسألة الاستيطان وتركها للمسائل التي تشكل ملف القضية كمسألة اللاجئين والقدس والحدود وغيرها للتفاوض بدلا من أن تكون شريكة بالرأي والتأثير طبقاً لقرارات الشرعية الدولية. هذا كله ترافق مع تجاهل اللجنة لكل الممارسات “الإسرائيلية” التي شرعت بها وحالت عملياً دون تحقيق أي صيغة لدولة فلسطينية قابلة للحياة على أرض فلسطين. حتى وصلنا لأرضية صفقة القرن..
ومن ينطلق من هذه النقطة بثقل فرسانها تتأكد له صحة عنوان المقال. وبأنهم الطرف الصهيوني الأخر في المسألة. وأن العرب في سبات وكل صحوة لهم فيها دنس، والقضية محبوكة لا تحتمل التطوّع، بل مستخدِمون لها أو مستفيدون سواء في حالة التحالف مع الغرب والكيان على خلفية إيجابة مزعومة للقضية، أو في حالة الصدام مع تلك القوى وحتى لو أطلقت دولة منها مليون طلقة على الكيان فلن يكون واحدة منها من أجل فلسطين. إلا أن كل حجر يُرمى عليه يصب في صالح القضية، وهذه الدول الصديقة هي الرصيد العربي والفلسطيني الداعم حين تكون هناك مقاومة. وفي كل الحالات لا بد لأحرار فلسطين حربة الصراع والأردنيين على وجه الخصوص من البدء لخلط جميع الأوراق، فكلها فاسدة.
فغياب النية بتحقيق حل الدولتين مسألة لها معنى يتجاوز فلسطين إلى الأردن. ففي الوقت الذي يعني فيه غيابها تجريد الشعب الفلسطيني من أي حق وطني له في ارضه أو الإقامة عليها، فإنه يعني أن الأردن ما زال مستهدفاً بالمشروع الصهيوني. ولا يمكن أن يكون هذا الإستهداف بالوطن البديل فتلك مرحلة انتقالية حتى مع قولهم بأن الاردن جزء من فلسطين وبأنه وطن أصيل للفلسطينيين فالإستهداف يبقى قائماً بوعد بلفور لأن الصهيونية والعالم المتواطئ معها لا يسعون إلّا لحل تاريخي عملي مستقر ولا أقل منه يَقبلون. فلا يعقل أن يُسمح بدولة فلسطينية لجانب “اسرائيل” أو لدولة محايدة فيها شعب فلسطيني متكدس على حدود وطنه يَنظر اليه صباح مساء وهو محتل. فنحن في الواقع أمام مشروع طوي القضية الفلسطينية وفتح القضية الأردنية والمطلوب من أحرارنا هو فتح القضية الفلسطينية من أوسع الأبواب وفلسطين ليست فضاؤها، وإغلاق الباب أمام قضية أردنية،الأردن فضاؤها، والمسئولية مشتركة في الحالتين.
 لا وطن مزمع في الأجندة الصهيونية المتسيدة لفلسطيني أو لأردني فالأمر جلل. ولا بد من نسف السيرورة السياسية القائمة من طرف واحد إنها سياسة القوة وفرض إرادتها. لكن أسباب القوة ليست حكراً على طرف. لقد وسّع العدو أدواتها لنفسه وامتدت لتختطف أدوات المقاومة والشعوب المُستضعفة وتحتكرها وتستخدمها. إن العالم الذي يصمت على استخدام أمريكا والصهيونية لسياسة العمل السري العسكري واقتناص الضربات والهروب، وملاحقة أعدائها ومكامن قوتهم بالتدمير وبالتصفية الجسدية في كل مكان دون التفريق في هذا بين رئيس وعالم وعسكري وسياسي، ويصمت على تبرير قتلهم المدنيين بالجملة بمختلف الأسلحة الثقيلة أو حصار وتجويع شعب تحت الاحتلال تنطبق عليه اتفاقيات جينيف، لا حق له بعد ذلك بإنكار أو منع الفلسطينيين من حق الدفاع عن النفس والوطن بكل الوسائل المتاحة وحيثما طالت يديه هذا العدو وأينما كان. فهذه لعبة أولى بها الشعوب المستضعفة والمحاصرة والمستهدفة بحقها في الحياة والحرية. وعلى المقاومة أن تعلم بأن أدواتها مختطفة وتُستخدم ضدها. وعليها استردادها واستخدامها.
وأخيراً في بيت القصيد، إن العملية السياسية الفلسطينية الجارية اليوم في فلسطين بموافقة سلطة الإحتلال كانت من أهم أهداف اللجنة الرباعية المنصوص عليها، ولا غاية لها سوى تدجين المقاومة وإنهائها على أرضها لتموت قبل موت السلطة التي ابتلعت فتح. والمقاومة الغزية في أزمة. إنه الضعف وانغلاق الأبواب وتشتيت العقل الفلسطيني المقاوم بالشوائب السياسية والأيدولوجية. إنها مقاومة محاصرة في أرض مكشوفة ولا هدف لذلك إلّا الإستسلام دون حرب. وعليها أن تترك فكرة الدولة والامارة والحزب، فليس هذا ممكناً في الحالة الفلسطينية ولا مُتفقاً مع حماية وبقاء المقاومة، ولا المقاومة تُحتكر. وعلى أحرار فلسطين أن يعلموا مرة واحدة بأن المقاومة الفلسطينية المفتوحة وحدها طريقهم، وهذا لن يكون ولا يمكن أن يكون وهي أسيرة لطوبوغرافية فلسطين وللطائرات وأسلحة الدمار، ولا وهي محكومة لقواعد اشتباك مفروضة عليها داخل مساحة من الارض تحولت لثكنة عسكرية استخبارية أمنية يساندها نظام عميل يأسر المدنيين المنهكين بسوط الأمن والجوع. لا أقول بمغادرة المقاومة لفلسطين أو غزة بل لامتدادها لفضائها الحر.
كاتب وباحث عربي