نواف الزرو
وثق المحلل الاسرائيلي ناحوم بارنيع في يديعوت احرونوت 2021-1-21ما يلي: الحقيقة الواقعية: أكثر من 30 ألف كذبة، هذا هو الاحصاء الرسمي، تفوه بها ترامب في أربع سنوات ولايته. انه يترك وراءه أميركا جريحة، مرضوضة، منقسمة، وضعيفة”.
ينطوي هذا الرقم المهول من الاكاذيب على لسان الرئيس السابق ترامب على اهمية كبيرة في قراءة السياسات الامريكية تجاه الامة والدول العربية الرئيسية، والحقيقة الساطعة هنا ان الكذب عبارة عن فلسفة في السياسة والاعلام الامريكيين، وانه ينتقل من ادارة الى اخرى ومن رئيس الى آخر، ليتحول الى تراث هائل من الاكاذيب الامريكية التي تهدف دائما الى شيطنة الآخر-الخصم او العدو- وتحشيد الرأي العام لشن عدوان عليه…، ولعلنا نستحضر هنا وبمناسبة مرور ثمانية عشر عاما على غزو العراق، ما حصل قبل وإبان وبعد وحتى اليوم ما يجرى ويجري مع العراق وسوريا وفلسطين والمنطقة العربية.
وتبدأ الحكاية العراقية من تلك الشهادة /المعلومة بالغة الاهمية الآتية من مصادر الحزب الديموقراطي الامريكي، والتي تتحدث في تقرير قدم للكونغرس عن “ان الرئيس بوش واربعة من كبار مستشاريه /اركانه /ادلوا معا باجمالي 237 بيانا مضللا حول التهديد الذي يمثله العراق”.
واستنادا الى هذه الشهادة وغيرها زخم هائل من الشهادات الاخرى يمكننا ان نضع خطوط مشددة تحت اهم استخلاص مترتب في هذا الصدد: ان هذه الحرب الاستعمارية العدوانية كانت من بداياتها وعبر كافة مراحلها وصولا الى وقائعها ومعطياتها وتداعياتها وآفاقها الراهنة والمستقبلية، عبارة عن حرب خداع وتضليل شامل للعالم كله، حرب مدججة بكم هائل من الاكاذيب والذرائع المفبركة الملفقة التي لم يسبق ان شهد التاريخ مثيلا لها.
ونعود قليلا الى الوراء لنذكر بمناخ التحشيد والتحريض الامريكي الاسرائيلي الدولي ضد العراق تمهيدا لغزوه وتدميره واخراجه من التاريخ لصالح الهيمنة على النفط ولصالح”اسرائيل”، ونتذكر سطوة الاعلام الامريكي الذي روج الرواية الامريكية المضللة حول خطورة العراق وامتلاكه لاسلحة الدمار الشامل وغير ذلك، لغاية تسويق خطة الحرب على العراق من اجل تحرير شعبه وتخليص العالم من تهديدات الديكتاتور العراقي…!
لم تكن الادارة الامريكية برئاسة بوش الابن لتنجح بذلك وفق الوثائق والشهادات لو لم يتحول البيت الابيض الى مصنع للاكاذيب والاضاليل، فكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد اوجز فترة حكمة قائلاً:” إن الفشل الأكبر خلال فترة حكمي يتمثل في المعلومات الكاذبة التي حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية بخصوص امتلاك العراق أسلحة دمار شامل والتي دفعتنا لغزو العراق”، وبحسب موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني- الإثنين 1 / 12 / 2008 – فقد رفض بوش الرد علي سؤال: هل كنت ستغزو العراق حتى وان لم يكن فيها أسلحة دمار شامل..؟
غير ان المعلومات الكاذبة لم تكن في الحقيقة الا من صناعة البيت الابيض نفسه، وفي ذلك تكشف دراسة نشرتها منظمتان أميركيتان مستقلتان الأربعاء 23 ـ 1 ـ 2008، وهي بعنوان “حجج واهية” عن تعدد التصريحات “الخاطئة” للرئيس الأميركي جورج بوش ومعاونيه بين 2001 و2003 حول الخطر الذي يمثله العراق، لتكون هذه الدراسة كوثيقة أخرى تضاف إلى جملة كبيرة من الوثائق التي تدين الإدارة الأميركية بصناعة الأكاذيب والتلفيقات التي مهدت فيها لغزوها العراق، وفي مقدمة تلك الأكاذيب ما أطلقوا عليه “الحرب على الإرهاب”.
ولعل هذه الدراسة ـ الوثيقة التي جاءت متأخرة جداً بسنوات عديدة على الغزو للعراق، إلا أنها تنطوي أيضاً على أهمية بالغة كونها صادرة عن هيئات مدنية أميركية ليس لها علاقة مصلحية مع الإدارة الأميركية، فقد قال واضعو الدراسة من مركز “من أجل السلامة العامة” وصندوق “من أجل صحافة مستقلة: إن الرئيس بوش وسبعة مسؤولين كبار في الإدارة بينهم نائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي (آنذاك) كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفلد أدلوا ـ فبركوا ـ ب935 تصريحاً خاطئاً -كاذبا-على الأقل خلال السنتين اللتين تلتا 11 سبتمبر 2001 حول التهديد الذي يشكله العراق، برئاسة صدام حسين على الأمن القومي الأميركي”.
وأوردت الدراسة خطاباً لديك تشيني في أغسطس 2002 قال فيه “لا يوجد شك حول امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل”، فيما أعلن بوش في سبتمبر 2002 في كلمته الإذاعية الأسبوعية “إن النظام العراقي يمتلك أسلحة بيولوجية وكيميائية وأعاد بناء منشآت لصنع المزيد منها ويمكنه بحسب الحكومة البريطانية أن يشن هجوماً كيميائياً أو بيولوجياً في غضون 45 دقيقة، إن هذا النظام يسعى إلى امتلاك القنبلة النووية ويمكنه صنع واحدة خلال سنة باستخدام مواد انشطارية”.
وفي هذه المسألة تحديداً ـ أسلحة الدمار الشامل العراقية ـ كان تقرير “معهد كارنغي الأميركي” قد أكد “أن الإدارة الأميركية لجأت إلى الخداع والتضليل في قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية”، ولذلك ـ إذا كانت “الحرب على العراق قامت على الأكاذيب” وفق التقرير أعلاه وكما أعلن أيضاً الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، وإذا كانت ماكينة وأجهزة ولجان وهيئات البيت الأبيض قد “تحولت بهذا الشأن إلى مصنع للأكاذيب لصالح “إسرائيل” ـ كما جاء في تقرير أميركي شامل، وإذا كان حتى الرئيس بوش نفسه قد اعترف قائلاً: “الأسلحة التي ظننا أنها في العراق لم نعثر عليها”، فإن صناعة الأكاذيب التضليلية إذن المتعلقة بالملفات العراقية على اختلافها تستدعي من العراقيين والعرب وقفة مراجعة حقيقية للأجندة والأهداف الأميركية المبيتة.
وكان كتاب “أسلحة الخداع الشامل ” لمؤلفيه””شيلدون رامبتون” و”جون ستاوبر” الذي أحدث ضجة كبيرة قد فضح هذه المضامين والنوايا الأميركية ـ الإسرائيلية الشريرة حينما أشار إلى ذلك “المخطط الشيطاني الرامي إلى تحويل العراق إلى قاعدة للقاعدة والإرهاب الدولي، كي تصبح مهمة بناء العراق مهمة صعبة وطويلة ومفتوحة في ظل التهديد الإرهابي المستمر”، ولعل الأخطر في هذا السياق أيضاً هو ذلك المخطط الشيطاني الرامي إلى “إثارة وتعميم مشاعر الخوف والفزع لدى الرأي العام الأميركي والأوروبي والعالمي من الإرهاب العربي والإسلامي، الأمر الذي قد يحول ـ ليس المقاومة العراقية فقط ـ بل كل عربي إلى مشروع إرهابي”.
هناك وفق المعطيات المقروءة جوقة كاملة متكاملة امتدت من البيت الأبيض ومرت عبر تل أبيب، لتتجمع وتتكثف في بغداد، يمكن أن نطلق عليها إن جازت التسمية “جوقة الإرهاب”التي قامت بنشر وتسويق قصص وأكاذيب “الإرهاب”، و”المتسللين الأجانب” و”الجماعات الإسلامية” و”خلايا القاعدة” المنتشرة انتشاراً هلامياً في كل أنحاء العراق، واصرت “جوقة الإرهاب” تلك إصراراً غريباً عجيباً على تغذية ونشر صورة الإرهاب “وعلى وصم المقاومة العراقية المشروعة ب”الإرهاب” أيضاً .
ولذلك ـ نستخلص بمنتهى الوضوح أن هذه الحرب الأميركية التدميرية وهذا الغزو الشامل للعراق وبالتالي سوريا، إنما استند إلى الأكاذيب والأضاليل، وأن هذه الحملة الأميركية المسعورة تحت شعارات “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” و”الحريات العامة” و”تحرير الشعب العراقي- ثم السوري-” وغيرها، إنما هي كليشيهات كاذبة ومخادعة وتضليلية، وأن كل قصة “الإرهاب الدولي” خدعة كبيرة أيضاً، ما يستدعي في الاستخلاص المكثف وقفة مراجعة تقييمية حقيقية وجادة لدى المثقفين والإعلاميين العرب على نحو خاص جداً لإعادة صياغة الخطاب الإعلامي والأولويات العربية الحقيقية والمنطقية في قصة “الإرهاب” والحروب الامريكية-البريطانية على امتنا واوطاننا من بداياتها إلى نهاياتها.
كاتب فلسطيني
Nzaro22@hotmail.com
رأي اليوم