2024-11-28 10:38 م

بين تنصيب وتنسيب: اختلاف الرئاسة بغربهم وشرقنا

2021-01-22
بقلم: نادية عصام حرحش
توجهت انظار العالم الى حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد هذه المرة، للتأكد من خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي جعل العالم يتنفس الصعداء لخروجه الأخير من البيت الأبيض.
بدت مراسم خروجه وزوجته كمراسم الجنائز، ولا اعرف كم كانت اغنية  amazing grace  التي تم تأديتها في دقائق تلت ذلك المشهد من اجل الاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد أكثر قربا لمشهد خروج ترامب الجنائزي. للمرء ان يتخيل جماهير العالم بينما يشاهدون خروج ترامب الأخير بتكسير صحون ربما، او رش ملح او ماء، او اغنية وداع لا عودة مرجاة منها او دعاء او تقديم اضحاي احتفالا بهذا الخروج الأكيد.
فالعالم بعد ترامب ليس العالم الذي دخل ترامب اليه قبل أربع سنوات، فلقد اثبت ترامب ان جمهورية الموز قائمة وان شخصيات سمبسون ليست كرتونية فقط، وان العالم يمكن ان يشترى بالأموال وان لكل أمرئ سعر وان العنصرية يتجلى لونها الأبيض ضد الأسود وان الاستشراق الذي وصفه لورنس لعرب الصحراء قائم. لبس أصحابه البدلات وسكنوا القصور وصفوا اساطيل السيارات امامهم ولا يزالوا بنفس الانحناء واستصغار العربان امام الأجنبي الأبيض الأشقر.
خرج ترامب من البيت الأبيض والطغيان صار سمة العالم والتشدد هو ما يجمع المتفرقين والتعصب الاعمى هو عنوان التكتلات الأقوى.
ويبدو كذلك لنا نحن شعوب العالم المسحوق تحت الدكتاتوريات كأمر واقع لا مخرج منه مراسم احتفال تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد من تسليم للسلطة بغبطة وسلام ايدي وابتسامات حتى ولو كانت ظاهرية فقط، كأنه فعلا عجيبا خارج عن المألوف. ولا نزال نعول على قوة تحليلاتنا بانهيار أمريكا القادم لأن ترامب واتبعاه لن يتركوا البيت الأبيض الا اسودا، وان الديمقراطية هشة نثرها ترامب كالرماد. الا ان الديمقراطية في تلك البلاد رغم هشاشتها التي أثبتها ترامب تبقى ديمقراطية.
فانتهى طاغوت ترامب بانتهاء مدته. خرج مطأطئ الرأس، مرغماً، ولكنه لم يستطع الا ان يقبل بالهزيمة، لأن الديمقراطية ليست المعضلة بالنهاية، ولكن النظام الذي يتبنى الديمقراطية او غيرها هو المعضلة. وما شاهدناه اليوم هو انعكاس لحقيقة لا نعرف نحن الشعوب التي تنتظر الانتخابات وان أتت تكون محسومة لصالح نظام دكتاتوري متجبّر.
ربما نتابع بالكثير من الحسرة، اخفاق ترامب بإثبات تحليلاتنا الشرقية عن واقع شعوب العالم – كأمريكا هنا- فربما، كالمنهزمين دوما، تمنينا ان ينتصر الطغيان لنتوحد مع الغرب بالدكتاتوريات المهيمنة على شعوبها، فيصبح الغرب حاله كحالنا، رئيس باقٍ لطالما بقي على الحياة. لا يخلعه الا الموت عن كرسي الحكم.
ربما نتابع ببعض الحسد، وبعض الغيرة، والكثير من الامل، لعلنا نرى يوما كهذا يحصل ولو مرة. ربما يحصل عنا فعل الثورات او الانقلابات او المؤامرات كل أربعين سنة، او كما دوما ننتظر قدرة الله وفعل عزرائيل.
ففي بلادي مثلا، تحصل الانتخابات كل عقد ويتم الترويج والتلويح والوعد والعيد بإجرائها لعقد اخر من الزمن، والتغيير الذي نصبو اليه ليس الا اضغاث أحلام.
ففصيل مهيمن لا يتمخض منه حتى وجه جديد، لا يغامر حتى بطرح اسم اخر غير اسم الرئيس الذي اقترب من التسعين، ومع ذلك ترفع شعارات التجديد والتغيير ويبقى الشباب عنوان المرحلة القادمة.
وفصيل مهيمن اراحه الانقسام ورضي باقتسام منافع السلطة ليضمن البقاء الابدي كذلك.
وشعب يراوح مكانه بانتظار الانتخابات كانتظار القدس لصلاح الدين.
فعندنا بالشرق الرئيس يستمر بالحكم بالتنسيب وينصّب نفسه أبدياً على شعبه، وعندهم بالغرب ينصبون من فاز بانتخابات صوت كل فرد فيها يشكل حسماً للديمقراطية.
وتستمر الفروقات ما بيننا وبينهم بنقطة لا تعتلي حرف العين، ونبقى كما قال الشاعر(عائض القرني)  هم الغرب.. ونحن العرب، والفرق بيننا نقطة.  هم يتفاهمون بالحوار.. ونحن بالخوار، والفرق بيننا نقطة. هم يعيشون مع بعضهم البعض في حالة تحالف.. ونحن في تخالف، والفرق بيننا نقطة. هم يتواصلون بالمحابرات.. ونحن بالمخابرات، والفرق بيننا نقطة. عندهم المواطن 100 % مزبوط.. وعندنا 100 % مربوط، والفرق بيننا نقطة. عندهم المواطن وصل الحصانة.. وعندنا لا زال في الحضانة، والفرق بيننا نقطة. عندهم إذا أخطأ المسؤول يصاب بالإحراج.. وعندنا يبدأ بالإخراج، والفرق بيننا نقطة. عندهم يهتم الحكام باستقلال شعوبهم.. وعندنا باستغلال شعوبهم، والفرق بيننا نقطة. المستقبل لأبنائهم غناء.. ولأبنائنا عناء، والفرق بيننا نقطة. هم يصنعون الدبابة.. ونحن نخاف من ذبابه، والفرق بيننا نقطة. هم يتفاخرون بالمعرفة.. ونحن نتفاخر بالمغرفة، والفرق بيننا نقطة. هم صاروا شعب الله المختار.. ونحن لا زلنا شعب الله المحتار، والفرق بيننا نقطة.
كاتبة فلسطينية