2024-11-25 07:42 م

ماذا تخطط "إسرائيل" ضد حزب الله؟

2021-01-16
شارل ابي نادر
إنها المرة الأولى التي يشير فيها أحد المعلقين الإسرائيليين إلى معادلة جديدة في الصراع بين المقاومة و"إسرائيل"، وهنا يكمن لبّ الموضوع.

لا يمر يوم من دون أن نسمع تعليقاً أو تحليلاً أو إشارةً واحدةً على الأقل إلى حزب الله، من قبل مسؤولين عسكريين أو سياسيين إسرائيليين، أو من قبل إعلاميين أو محللين عسكريين.

لا يمر يوم من دون أن نرى أو نسمع تقريراً أو تقدير موقف أو ما شابه، من قبل مراكز أبحاث ودراسات إسرائيلية، جميعها تصب في خانة التصويب على المقاومة اللبنانية وصورايخها، وبأن "إسرائيل" ستكون عاجزة عن ضبط قدراتها، وأن عمقها معرض بنسبة كبيرة للاستهداف، وأن منشآتها الحساسة، الحيوية والاستراتيجية، ستكون أهدافاً أكيدة لصورايخ حزب الله الدقيقة.

هذا غير ما يقال وبشكل جدي، وعن قناعة إسرائيلية على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والشعبية، إنه في أية مواجهة مقبلة بين الطرفين ("إسرائيل" وحزب الله)، سيكون لوحدات الرضوان في الحزب مناورة هجومية داخل مستوطنة أو أكثر في الجليل المحتل.

بالأمس، ومن ضمن هذه المنظومة الإعلامية التي تركز على حزب الله، طالعنا معلق الشؤون العسكريّة الإسرائيليّة ألون بن دافيد، في مقال له في صحيفة "معاريف"، بأنّ "حزب الله نجح حتى اليوم في مراكمة صواريخ دقيقة لمديّات متوسطة وبعيدة"، ليؤكد "أن الحزب جاهز للرد بالنار على أيّ هجوم إسرائيلي على الأراضي اللبنانيّة".

إشارة المعلق الإسرائيلي الأهم كانت في قوله: "إنّ التهديد الاستراتيجي الجوهري على إسرائيل ليس موجوداً في سوريا، بل في لبنان، وحتى الآن إسرائيل تتجنب معالجته". 
هنا يكمن لبّ الموضوع، إذ أنها المرة الأولى التي يشير فيها أحد المعلقين الإسرائيليين إلى هذه المعادلة الجديدة.

وبالتالي فإن ما ذكره بن دافيد من أن التهديد الاستراتيجي الجوهري على "إسرائيل" لا يأتي من سوريا بل من لبنان وأن "إسرائيل" تتجنب معالجته، ينطوي على إشارة واضحة إلى أن "إسرائيل" بدأت تفكر في معالجة هذا التهديد.

وحيث لا يمكن استبعاد الرسائل الإسرائيلية غير المباشرة إلى حزب الله بشكل خاص أو إلى الدولة اللبنانية بشكل عام، من خلال المعلقين أو المحللين الإسرائيليين، فإن هذا التعليق يحمل في طياته تهديداً مبطناً، للرد على إجراءات يقوم بها حزب الله، ويعتبرها الكيان مؤذية له أو مؤثرة سلباً عليه، في المدى القريب أو في المدى البعيد.

 من الطبيعي أن تفكر "إسرائيل" بهذه الطريقة اليوم، إذ باتت قدرات حزب الله تشكل خطراً داهماً عليها، لن تستطع السكوت عنه بعد اليوم، إلا إذا قررت الاستسلام لتصاعد قدراته، واقتنعت أن لا مجال لمواجهته وتركت مصيرها لقراره باستهدافها ساعة يريد.

إذا وصلت "إسرائيل" إلى هذه القناعة (الاستسلام لقدرات حزب الله)، سيكون هذا الأمر - طبعاً هذا في تفكير قياداتها - قاتلاً لها، وسيتحقق هدف الحزب الاستراتيجي وهو "إزالة إسرائيل من الوجود". 

هذا لناحية ما تراه "إسرائيل" مناسباً لأمنها ولوجودها، أي معالجة قدرات حزب الله في المكان الفعلي في لبنان وليس في سوريا. وباعتبار أنَّها حاولت حتى الآن كثيراً في هذا الإطار وفشلت سياسياً، داخل لبنان وخارجه، وديبلوماسياً، في الإقليم وفي العالم، وعسكرياً، وبالتحديد عبر معاركها بين الحروب في سوريا التي تعتبرها نقطة رفد حزب الله الأساسية بالقدرات الصاروخية أو المُسيرات أو بتجهيزات التصنيع والدقة، فلم يتبق لها إلا وسيلة المعالجة العسكرية المباشرة، من خلال عملية نوعية أو خاصة أو واسعة تستهدف حزب الله في لبنان، علّها تستطيع تدمير قدراته النوعية التي تشكل التهديد الجدي الاستراتيجي لوجودها. 

هذا الاستهداف المباشر لحزب الله في لبنان وتدمير قدراته النوعية، تراه "إسرائيل" مناسباً لها كنتيجة لو تحقق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيكون أسلوب هذا الاستهداف مناسباً لها ولأمنها ولعمقها ولمستوطناتها، أم أنها عبر هذا الأسلوب ستعرّض كل ما ذكر لخطر أكيد؟ وبذلك تكون قد جنت على نفسها وعادت ووقعت في المحظور الذي طالما تجنبته وابتعدت عنه واعترفت به، وهو التأثيرات الكارثية لقدرات وصواريخ حزب الله الدقيقة عليها.

إذاً، تعيش "إسرائيل" اليوم في دوامة لا تحسد عليها، فهي حتماً نادمة على تقاعسها عن منع اكتمال ما وصل إليه حزب الله من قوة ومن أسلحة نوعية، وربما تعتبر أنها أخطأت استراتيجياً عندما حاذرت المواجهة المباشرة والاستهداف الجدي لحزب الله في لبنان، وهي مطالبة اليوم (من مسؤوليها وخاصة العسكريين منهم) باتخاذ إجراء ما، يعوض لها ما خسرته من متابعة تصاعد قدرات حزب الله من ناحية. ومن ناحية أخرى سيشكّل هذا العمل العسكري إجراءً استباقياً يحميها من تأثير تلك القدرات عليها في أية مواجهة، سواء كانت هي البادئة بها أو جاءت المبادرة من حزب الله.

عملياً، يمكن حصر مروحة الخيارات التي يمكن أن تتخذها "إسرائيل" في هذا الإطار بالتالي: 

أولاً: عملية عسكرية واسعة ضد لبنان وضمناً ضد حزب الله، وفي هذا الخيار تمتلك "إسرائيل" القدرة على إحداث دمار كبير وغير مسبوق في لبنان عبر أسلحتها الجوية والصاروخية، ولكن عملياً، لن تستطع حسم معركة القضاء على قدرات حزب الله بشكل كامل، حيث تؤكد التجارب السابقة قدرته في الميدان - مهما كان مستوى الضغط الجوي - على الاحتفاظ بنسبة ولو بسيطة من الصواريخ النوعية، والتي ستصيب عدداً غير قليل من المنشآت الحيوية والاستراتيجية داخل الكيان، ما سينتج خسائر لن تستطيع "إسرائيل" تحملها، حتى ولو تم تدمير قسم كبير من لبنان.

ثانياً: عملية اغتيال واحد أو أكثر من قادة حزب الله بهدف إحداث صدمة داخل الحزب تفقده القدرة على التماسك، وتعتبر "إسرائيل" أنها بذلك قد تضرب التوازن الموجود في إدارة الحزب للمعركة الطويلة بمواجهتها. واستناداً إلى التجارب السابقة في اغتيال قائد أو أكثر من حزب الله أو من محور المقاومة، كانت النتيجة أن الأخير يصبح متماسكاً أكثر في معركته وفي إدارته للمواجهة الواسعة بوجهها، وهذا الأمر كانت "إسرائيل" تتوصل إليه دائماً وتلمسه لمس اليد.

 ثالثاً: عملية خاصة مركبة ونوعية عبر الاستهداف الجوي والصاروخي أو من خلال عمليات تفجير خاصة، تستهدف "إسرائيل" من خلالها واحدة أو أكثر أو أغلب منشآت صواريخ حزب الله النوعية والدقيقة ومصانعها ومخازنها، وذلك وفق شرط أساسي تعمل عليه بشكل مركّز وهو عدم سقوط ضحايا مدنيين أو مقاتلين لحزب الله، الأمر الذي قد تجد من ورائه فرصة للإفلات من المواجهة الواسعة، حيث تضع استهداف المنشآت المذكورة من دون سقوط ضحايا، من ضمن مسلسل المعارك بين الحروب الذي تمارسه في سوريا، وتكون ردة فعل حزب الله عليه مقبولة (هي تعتبر هكذا وليس حزب الله طبعاً). 

يمكننا أن نستنتج، ربما، من حركة المراقبة الجوية المكثفة للقاذفات أو للمسيرات الإسرائيلية فوق لبنان في المرحلة الأخيرة وطلعاتها المنخفضة والمركزة، أن "إسرائيل" تعمل ليل نهار على تكوين بنك أهداف واسع يتعلق بمنشآت حزب الله الصاروخية، النوعية بالتحديد، وبأنها اتخذت القرار الذي أصبح لا مهرب منه، وهو استهداف هذه القدرات النوعية  فقط لا غير.
(الميادين)