ألقت مقاطعة ثلاثة من دول مجلس التعاون الخليحي «السعودية، الإمارات، البحرين» ومصر، لإحدى دول المجلس «قطر»، بظلال قاتمة على المشهد السياسي العربي بشكل عام، وأربكت السودان الخارج من ثورة ديسمبر في إدارة علاقاته مع «المحاور العربية» بصورة خاصة.
وعن المخاوف من إمكانية العودة للمربع الأول، بعودة الخلافات مجدداً، أكد وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحات لقناة الجزيرة، إعلان كافة الدول الموقعة التزامها بمبادئ قمة العلا. مشيراً إلى رغبة بلاده في الحوار مع الجميع والسعي لبناء علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.
ومع إشارات المراقبين لاختفاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن القمة، وابتعاث وزير خارجيته، ومخاوف من عدم استمرار المصالحة لما لقطر من صلات مميزة بتركيا وايران، زد على ذلك الجفوة بين دول المقاطعة وتلك الدول من جهة ثانية؛ إلا أن عبور المسافرين بين قطر والسعودية، يوم السبت، عبر معبر «سلوى» البري، وفتح المجال الجوي الإماراتي للطائرات القطرية اليوم الاثنين، بثَّ بعض التطمينات بإمكانية توصل الخليج إلى صيغة لإدارة تبايناتها الأيدولوجية.
وتبقى إمكانية إدارة حوارات ثنائية بين الأطراف لمعالجة كافة المشاكل العالقة خياراً مطروحاً، كما أشار وزير الخارجية القطري.
ترحيب سوداني
احتفى السودان بالاتفاق، وبصورة خاصة بما تضمنه بيان قمة «العلا» الختامي من تأكيد تواصل دعم المجلس للسودان لتعزيز أمنه واستقراره، وإشادة القمة بما تحقق من إنجازات في هذا الشأن بتوقيع اتفاق سلام جوبا، ورفع اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.
ونوهت وزارة الخارجية السودانية في بيان -نشرته في السادس من أبريل- باعتزازها بالعلاقات المتميزة التي تربط الخرطوم بدول مجلس التعاون الخليجي.
ووضعت قمة العلا نهاية لعبارة «المحاور» بعد عودة قطر إلى مجلس التعاون الخليجي، كما يقول الدبلوماسي السفير الطريفي أحمد كرمنو.
كرمنو أكد بعمق علاقات السودان الممتدة من آلاف السنين مع مصر من جهة، واستمرار علاقات استثنائية ومميزة تستند على تاريخ طويل أيضا مع السعودية من جهةٍ أخرى.
وأكد «كرمنو» أهمية عودة طبيقة العلاقات مع قطر، التي وصفها في حديثه لـ«التغيير» بالمترددة تجاه سودان ما بعد الثورة. وقد يعود تردد الدوحة ناحية الخرطوم إلى حادثة رفض المجلس العسكري في أبريل 2019 استقبال وزير الخارجية القطري، وهي الحادثة التي اتهم فيها نائب رئيس المجلس السيادي الحالي الفريق أول محمد حمدان دقلو جهات -لم يسمها- برغبتها في إحراج المجلس.
وعلى الرغم من تلك الأزمة الدبلوماسية؛ إلا أن الدوحة لم تتوقف عن دعم السودان في أيام الفيضانات وجائحة كورونا، وقدمت مبادرة «سالمة يا سودان» نموذجاً يستحق الإشادة من وجهة نظر السفير كرمنو.
والآن يبدو أن قطر تستعد لإعادة علاقاتها مع السودان لتنفي تهمة التصقت بها كثيراً وهي دعمها لحكومة المخلوع البشير ذات التوجه الإسلاموي.
وأكد كرمنو أن قطر نفسها اكتشفت أن الإنقاذ ترفع شعار الإسلام وتبتعد عنه في ممارساتها، مشيراً للفساد الذي استشرى بالبلاد، وبان في تبديد أموال المنح القطرية بشكلٍ خاصٍ.
عودة قطر كداعم رئيس للاقتصاد السوداني من شأنه أن يغير موازين الأوضاع الراهنة في البلاد للأفضل، وكشف مصدر دبلوماسي مطلع لـ«التغيير» عن زيارات متوقعة لمسؤولين قطرين في الأيام المقبلة.
محاور داخلية
منذ بداية المقاطعة الخليجية في العام 2017، ارتبكت الخرطوم التي انتهجت حياداً «خجولاً» في عهد الرئيس المعزول «البشير»، وتأرجحت كياناتها السياسية والعسكرية بعد الثورة في علاقاتها مع دول المحاور، فمالت بعضها إلى السعودية والإمارات، كما أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الزعيم الأزهري، ناصر أبو طه.
أبو طه اتهم الائتلاف الحاكم «قوى الحرية والتغيير» بعدم اتفاقها على المصالح القومية.
وفي حديثه لـ«التغيير» قال أبو طه إن الجانب العسكري في الحكومة الانتقالية لا يمتلك سوى العلاقات الخارجية بعد أن صار «ورقة محروقة» مع الشعب.
وأضاف: «بالنسبة للشعب الجانب العسكري متهم بفض اعتصام القيادة، وبأنه معطل لعمل الحكومة الانتقالية عبر حجز موارد الدولة».
«الحكومة الانتقالية لن تتمكن من رسم سياسات خارجية دائمة، باعتبار أن السياسات الخارجية تبنى على المصالح وعلى الاستمرارية» وبحسب وجهة نظر السفير كرمنو فإن الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري هي حكومة مؤقتة، سينتهي عهدها بالانتخابات.
وأضاف كرمنو في حديثه لـ«التغيير»: «مبدأ تأسيس العلاقات الخارجية يرتكز على المصالح وحسن الجوار».
وتأسيس علاقات للخرطوم مع كافة دول الخليج بحسب أبو طه يحتاج لرؤية تستند على مصالح البلاد الداخلية. وبوجود هذه الرؤية فقط يمكن أن يستفيد السودان من حدث هام مثل المصالحة الخليجية.
بالنسبة لأطراف السلام الموقعة على اتفاق جوبا، فإن المصالحة الخليجية أتت في ظرف دقيق يعيشه السودان، ويرتبط بمرحلته الانتقالية.
وتوقع القيادي بالجبهة الثورية ياسر عرمان أن تؤثر «قمة العلا» إيجاباً على الاقتصاد السوداني وأمن البحر الأحمر.
وأكد عرمان لـ«التغيير» أن الاستقطابات الإقليمية والدولية تضر بمصالح السودان والمنطقة ككل، لحاجته الملحة لأجواء إقليمية ودولية خالية من المطبات السياسية، متمنيا استمراريته.
وكلاء أمريكا
ربط المراقبون انتهاء الأزمة الخليجية بانتهاء الأوضاع الاقتصادية المتردية في السودان، مع توقعات بأن تسهم تلك الدول في دعم الفترة الانتقالية، وهو الأمر الذي شكك فيه خبير العلاقات الدولية «أبو طه» مشيراً إلى الدعم الاماراتي السعودي الذي تم الإعلان عنه بعد الثورة ولم يتم تسليم الخرطوم سوى نسبة ضئيلة منه.
وأضاف أبو طه: «لن يدعموا السودان في ظل عدم تأكدهم من الأوضاع الداخلية بصورة قاطعة».
وزاد بأن السودان يجب ألا يعتمد على الدعم الخارجي إلى الأبد، متهماً القوى السياسية السودانية بركضها خلف المحاصصات وفشلها في إدارة الأزمة بسبب الفوضى وعدم الكفاءة.
من جهته توقع الدبلوماسي كرمنو بأن تكون المساعدات عبر أمريكا التي ينتظر أن تستخدم نفوذها وهيمنتها في المنطقة لدفع الخليج بمساعدة الخرطوم لانتشاله من أزمته الحالية.
واتفق أبو طه مع كرمنو في أن التعويل الأكبر سيكون على أمريكا، واصفا دول الخليج بـ«وكلائها في المنطقة» حد تعبيره.
وأعرب عن سعادته بالخطوات المتسارعة التي تمضي في العلاقات بين الخرطوم وواشنطن.
وكانت زيارة وزير الخزانة الأمريكية، وتوقيع الاتفاق على القرض الأمريكي التجسيري، خطوات مهمة في اقتراب انفراج الأزمة الاقتصادية بمساعدة أمريكية، وفق ما قاله السفير كرمنو.