2024-11-29 12:30 ص

نهاية الاستثنائية الأمريكية والترامبيّىة تفرّخ صيصانها

2021-01-10
بقلم : المحامي محمد احمد الروسان* 
انّ موضوعة الازدواجية في السياسات، والتي عادةً يمكن فهمها بلغة السياسة، الافتراق بين الفكر والممارسة، أو بلغة الابداع الانفصال بين الفكر والواقع، فانّ الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة التي هي الجزء الأساس في العدوان المعولم على سورية وفي سورية وما زالت، والأمم المتحدة التي دمّرت العراق وليبيا، والأمم المتحدة عفواً المرتشية من بعض العرب، والأمم المتحدة التي سلّمت السعودية رئاسة حقوق الأنسان في السابق، والأمم المتحدة التي خلقت الكيان الصهيوني وسلّحته نوويّاً، أما آن الأوان للتخلص من فيروسات التروتسك العربي المتصهين وغير العربي الصهيوني الآخر؟. نعم وهو الذي أسّس لدولة مع الصهيونية، حيث يجري التثقيف على قدم وساق لمسارات الدمج المختلفة، اذاً ثمة ماركسيّة ثقافوية في اطارات التصهين. السياسة الأمريكية تقوم على سياسة الأخطاء نفسها، بعبارة أخرى تقول كوادر الدولة العميقة، عبر مسارب ومسارات المجمّع الصناعي الحربي الامريكي ، والتي صارت هذه العميقة الفجّة تضعف جذورها، تعاني من انقسامات وصراعات بين أجنحتها المختلفة، وغزوة الكابيتول هيل رأس الدبوس... تقول: نحن امبراطورية الآن، وعندما نقوم بأي شيء فاننا نخلق واقعنا الخاص، وفيما يواصل الأعلام والمفكرون والباحثون دراسة ذلك، سنقوم بشيء آخر مجدداً لنخلق أشكالاً جديدة أخرى من الواقع، وسيكون بامكان الجميع دراستها أيضاً وبهذا الشكل سوف تترتب الأمور، فالتاريخ يصنعه صانعوا الحروب، أمّا كل ما يفعله الآخر من مراكز الدراسات والبحوث وحتّى في أجهزة المخابرات الحليفة وغير الحليفة في العالم، هو دراسة ما نفعله نحن بعمق، أمريكا تصنع الازمات وتعمل على ادامتها ثم ادارتها وفقاً لمصالحها. 74 مليون ناخب أمريكي(232 صوت من الكتلة الانتخابية – حسب النظام الانتخابي الأمريكي، والذي بات قديماً ولا يلبي المتغيرات وذو محددات قاصرة، وأثبتت الانتخابات الاخيرة ذلك)انتخبوا الرئيس المنصرف دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية الاخيرة، فهل تستطيع الدولة العميقة أن تصرف النظر عنهم وتتجاهلهم، وهي التي اعتبرت دونالد ترامب متمرد عليها؟ وهل يستطيع الناطق الرسمي باسم الادارة الجديدة، الرئيس المنتخب جو بايدن أن يتجاهلهم أيضاً؟! انّهم 74 مليون عنصري متطرف، وجلّهم من اللون الأبيض، العنصرية البيضاء تتصاعد، والترامبية كرؤية ونهج تتعمّق، وأمريكا في النهاية وبعد هذا الأنقسام الرأسي والأفقي ستتجه نحو الحرب الأهلية بالمعنى الاستراتجي، وهو ترجمة الانشطار الايديولوجي في الولايات المتحدة الامريكية، وأمريكا بعد غزوة أو واقعة الكابيتول لن تعود كما كانت رغم تراجعها في الأساس من قبل ومن بعد، انّها ندوب متقيحة عفنة على وجه أمريكا، كمؤشرات خلايا مميتة، تنتشر في هذه القلعة الفولاذية، والتي تعاني من شقوق وفجوات تتسع، ومع كل أسف، العربان في مملكات وساحات وحارات وأزقة وزنغات، القلق العربي وبكل اللغات، هم من يعملون على رتق هذه الشقوق بأموالهم، لكي تبقى أمريكيتهم المريضة واسرائيلهم التي تعاني من الهاجس الأمني حيث لا سياسة خارجية ولا داخلية لها، فقط عقدة الهاجس الأمني، مع بقائهم العربان في مملكات القلق، يعانون من عقدة استوكهولم(السجين يعشق سجّانه، والمخطوف يدافع عن خاطفه). واقعة وغزوة الكابيتول، هي الحقيقة القبيحة لهذا اليانكي، انّها نهاية الاستثنائية الأمريكية، وكيف نظرت هذه الأمريكا الى البلدان الاخرى بازدراء، وعكست الوجه الحقيقي لأمريكا، وحجم ونوعية وكمية الشرخ والانشطار في مفاصل الدولة، وشاهد العالم تللك المشاهد الهوليودية في داخل أروقة الكابيتول هيل، في بلد يتغنى بالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، وصدّعوا رؤوسنا بغنائهم والذي صار كمنولوج غنائي فج في باطنه، وتستلذ الأذن البشرية لسماعه في ظاهره وسطحيته. وأعتقد أنّ هذا المخاض الأمريكي غير المكتمل، سوف يتحوصل في الداخل الامريكي بعد غزوة الكونغرس، من قبل فئات ومجموعات ارهابية محلية، تنتمي الى كتلة 74 مليون ناخب، انتخبوا الرئيس المنتهي ولايته دونالد ترامب، وفي أكثريتهم ارهابيون محليون. اذاً ثمة فرز استراتيجي داخل المجتمع الامريكي ومفاصل مؤسسات أمريكا المختلفة، وثمة صراع عتبات استراتيجية محلية، وصلت الى القتال على عتبات وفي مقدسهم للأمريكيين(الكابيتول هيل)، انّه الصراع بين جناحي الدولة العميقة، حيث صارت جذورها تضعف شيئاً فشيئاً، وذهبت كل من وول ستريت والمجمّع الصناعي الحربي والشركات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات، في رسالة شهيرة، عكست الصراع بين جناحي الدولة العميقة في أمريكا، في ضرورة مصادقة الكونغرس على انتخاب جو بايدن، حيث بايدن فاز بالكتلة الانتخابية والمحاكم الأمريكية رفضت طعون دونالد ترامب. وهنا عندما تتحدث ديمقراطية المال والاعمال(وول ستريت)وشركات العسكر وغيرهم في المجمّع الصناعي الحربي، تخرس باقي الديمقراطيات وخاصةً العربية منها، ومع ذلك، لن يكون هناك أي تغيير في جذر السياسة الامريكية ازاء أو اتجاه المنطقة وقضايانا وصراعنا الاستراتيجي مع الكيان، واتجاه وايران وبرنامجها النووي. سماحة المرشد الايراني علي خامئني في حديثه الأخير، حدد ورسم خارطة طريق بمضامين استراتيجية بل وفوق استراتيجية، وقبيل تسلّم جو بايدن الرئيس المنتخب سلطاته الممنوحة والمرسومة له وفق الدستور الأمريكي، من قبل عميق مفاصل وتمفصلات الدولة العميقة في أمريكا خلال العشرين من هذا الشهر الجاري، وكما رسمها أيضاً للرئاسة الايرانية الحالية – رئاسة روحاني، والرئاسة القادمة في حزيران هذا العام 2021 م، أيّاً كان الرئيس: حسين دهقان، أو أحمدي نجاد، أو قاليباف، أو جواد ظريف، أوأي أحد آخر، حيث الانتخابات الرئاسية في ايران حزيران العام الحالي، وملخص ما قاله المرشد في حديثه ذلك: ايران ليست في عجلة من أمرها من عودة واشنطن الى أسس ومضامين الاتفاق النووي(لسنا مستكتلين لعودتكم)، وعليكم الغاء العقوبات التي فرضها رئيسكم المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد انسحابه الاحادي من الاتفاق، الذي تم رسملته وترسيمه باتفاق صادر عن مجلس الأمن الدولي، وعندها مسارات ومسارب عودتكم تكون سالكة للعودة – وان عدتم عدنا – هذه هي المحددات والشروط الايرانية. وأكّد انّ الدور الاقليمي لأيران أمر محسوم منه وضروري لأمن واستقرار المنطقة، وأنّ تقوية الحلفاء والاصدقاء للجمهورية الاسلامية الايرانية ان في سورية، وان في اليمن، وان في فلسطين المحتلة، وان في لبنان المراد اعادة لبننته من جديد، عبر محاولات نزع سلاح المقاومة هناك، كل ذلك استراتيجة ثابتة غير متغيرة، من شأنها أن تقود وبعمق، الى استقرار المنطقة والحفاظ على أمنها، كما رسم المرشد في حديثه لعميق الدولة الايرانية، في ضرورة أن لا تتصرف طهران بطريقة تضعف الحلفاء والأصدقاء. وبلا شك أنّ ايران، ستخضع مسألة رفع العقوبات لفترة تجربة لمعرفة مدى التزام جديد الادارة الامريكية الجديدة، وحددت ايران الحادي والعشرين من شباط القادم، ان لم ترفع العقوبات سوف يتم عدم تنفيذ البروتوكول النووي الاضافي، وسيصار الى طرد المفتشين الدوليين، مع العلم أن الاقتصاد الايراني، في حالة نمو اقتصادي ايجابي رغم العقوبات وجائحة الكورونا، وفي حالة المماطلة والرفض في التزام الأطراف الدولية الاخرى بالاتفاق النووي، فانّ ايران تستطيع أن تستمر أربع سنوات أخرى من العقوبات المختلفة دون أن يرف لها جفن، وهي التي عادت الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة فوردو البحثية. حيث تقنيّاً يتم انتاج من 17 الى 20 غرام من اليورانيوم المخصّب كل 24 ساعة، تقريباً من 8 الى 9 كغم شهرياً وصولاً الى 120 كغم، وكما حددها البرلمان الايراني، لا بل وبفعل تقدم المعرفة النووية الايرانية في مجال التخصيب، تم تخفيض المدة اللازمة لأنتاج من 17 الى 20 غرام الى النصف من القيد الزمني، أي الى 12 ساعة – نصف يوم. وأي عودة لمنشأة فوردو الواقعة في قلب الجبال الايرانية، الى كنف الاتفاق النووي سيحتاج الى دفع أثمان وأثمان من جانب الطرف الأمريكي والأوروبي، والتخصيب بنسبة 20% ليس له علاقات بمنع انتشار الاسلحة النووية، وكما أعلنت وزارة الخارجية الروسية مؤخراً. وأوروبا التزمت لفظيّاً فقط بالاتفاق بعد انسحاب ترامب منه، وحتّى الألية المالية التي خلقتها أوروبا للتعامل مالياً مع ايران لتبقي على التزامها بالاتفاق – التريكست - لم تنجح ولم تفعّل بسبب خبث الأوروبي والتهام دوره بالكامل من قبل الامريكي على مدار أربع سنوات خلت هي فترة حكم الرئيس الزئبقي دونالد ترامب. لا شك أن جو بايدن سيحاول التفاوض مع ايران من جديد ليحصل على تنازلات، وفرض حدود على البرامج الصاروخية الايرانية في وقت لاحق، وهذا مرفوض ايرانياً بالمطلق، وتكتيكياً أي تفاوض سيكون من خلال خمسة + 1 وكما رسمته طهران من زاويتها. وسيحاول حلفاء أمريكا في المنطقة، وفي ساحات وحارات وزنغات ومملكات قلقهم على الخليج، بأموالهم وأموالهم فقط: أن ينتزع جو بايدن من ايران ما عجز عنه دونالد ترامب، وقطعاً وبكل اللهجات المحكية سيفشلون ويفشلون. وايران قالت صراحةً: الدفاع عن الحلفاء والأصدقاء ودعمهم هو بمثابة مدعاة للتعاون من أجل استقرار المنطقة وأمنها الاقليمي. جو بايدن صرّح بعد غزوة الكابيتول هيل: سأعمل على عكس قرارات ترامب في مجالات عدة، ولم يحدد ان في الداخل الامريكي فقط، وان في الخارج الامريكي، وما هي حدود عكس القرارات ومدياتها ومفاعيلها وتفاعلاتها، تصريحاته جاءت مطلقة، والمطلق يؤخذ على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده – ننتظر لنرى. والدولة العميقة في أمريكا رغم تصدّعها بفعل الطارىء عليها ترامب على مدار سنوات أربع وبعد غزوة الكونغرس، تعلم أن أي حرب على ايران الان أو لاحقاً وعلى المدى الطويل سوف تقويّ الصين وروسيا، وتضعف وتستنزف أمريكا عسكريا واقتصاديا وأمنياً. وكانت الرسالة الايرانية العسكرية الاخيرة، في الكشف من قبل الحرس الثوري الايراني عن قاعدة عسكرية مليئة بالصواريخ البالستية الدقيقة بعيدة المدى ومتوسطة المدى وتحت الأرض وذات اطلالات استراتيجية على الخليج، بمثابة رسم وترسيم للتوازانات الاستراتيجية العسكرية، ورسائل الى الاسرائيلي وحلفه حلف الأسرلة في المنطقة، عبر استراتيجيات الاسهال المائي التطبيعي، حيث هذا الحلف فشل حتى اللحظة، وسيبقى قائم على الاقتصاد والبروبوغندا الاعلامية المخابراتية فقط لا غير، خاصةً وانّ الانتشار العسكري الأمريكي في الخليج والمنطقة ليس تموضعاً قتالياً بل استعراض للقوّة وفقط حتّى الان. *مرحلة الناطق الامريكي جو بايدن والتحالف الروسي السوري: بالعادة تتحوصل استراتيجية السياسة الخارجية لأي دولة، لمجموعة معينة من الوسائل والطرق، لضمان تحقيق أهدافها عملياً وفقاً لمصالحها العليا، وتبحث بشكل مستمر ودائم، عن حلفاء أو شركاء مؤقتين ليساعدوا في تحقيق غرض معين كجزء أساسي من هذه الاستراتيجية الهادفة. وهذه المسألة كما هي مهمة بشكل أساس بالنسبة للدول الأصغر غير الاقليمية، أو دول الساحات والتنفيسات، المهتمة بتشكيل تحالف مع راعي قوي، فهي مهمة أيضاً وبعمق، مع اختلال التوازن الحاد في العلاقات الدولية في العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، وتستعيد أهميتها في هذا القيد الزماني المعولم الان، حيث الحرب الباردة بين عدّة اقطاب دولية تبعث من جديد في عالم مختلف نوعاً ما وفي ظل جائحة كورونا المفتعلة، فهي مسألة مهمة أيضاً بالنسبة للدول الكبيرة التي تشارك في السياسة العالمية، ومهتمة مثل الدول الاصغر، ببناء أنواع مختلفة من التحالفات والشراكة، بل وأكثر منها في بعض الأحيان. وقد أثبتت التحركات الدبلوماسية الأخيرة أن الحفاظ على مثل هذه العلاقات على قدم المساواة يتطلب من الأطراف الحفاظ على توازن الحدود المفروضة على تنازلاتهم المتبادلة بدقة، وأن يتأكدوا باستمرار من أنها متوافقة والى حد ما دون افراط او تفريط. بحيث يتم إجراء هذا الأخير للحفاظ على الثقة في الظروف المتغيرة بسرعة والتي غالباً ما تكون خارجة عن سيطرتهم، والأهم من ذلك، لضمان عدم وضع كلّ منهما للآخر أمام خيار مستحيل، وهو ما حدث بين الولايات المتحدة وتركيا داخل الناتو، ومؤخراً بين اتحاد روسيا وبيلاروسيا. تظهر تحولات السياسة الأمريكية في عهد أكثر من ادارة سابقة لعقود وحتّى نهايات ادارة ترامب الحالية، كيف يمكن أن تتخذ الفوائد المرجوة من علاقات الحلفاء منحى سيئاً، بعد أن فشلت في التكيف مع عالم فقدت فيه الولايات المتحدة هيمنتها العالمية، اختارت في عهد أوباما، وممكن في عهد جو بايدن بادراته الأولى، والتي ستكون بمثابة ادارة ثالثة لأوباما، وعلى وجه الخصوص في عهد ترامب، إهمال الدبلوماسية التقليدية التي تتضمن إيجاد طرق لموائمة المصالح المتباينة المحتملة للحلفاء. وتجسدت هذه السياسة في ما يتعلق بأوروبا، بالانسحاب من اتفاقيات الشراكة التجارية متعددة الأطراف، واستخدام الناتو لممارسة الضغط على الحلفاء، وفرض العقوبات، واستخدام طرق أخرى لاكتساب مزايا اقتصادية وسياسية أحادية الجانب. ويمثل الشرق الأوسط دلالة أكبر في هذا الصدد، إذ تأرجحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مدة قصيرة جداً من الزمن، بين طرفي نقيض في المنطقة، بحيث شعر حلفاء أمريكا في الخليج بالقلق عندما قام أوباما، الذي كان يتطلع إلى أن يكون على الجانب الصحيح من التاريخ، بسحب دعمه لمبارك المتوفي، بسرعة عندما اندلعت الاحتجاجات في مصر في شباط/فبراير 2011 م، وعندما انسحبت الولايات المتحدة فعلياً أمام إيران في الصراع على النفوذ في العراق. إنّ تحول ترامب الواضح تجاه المملكة العربية السعودية على مدار أربع سنوات خلت، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية متعددة الأطراف بشأن البرنامج النووي الإيراني، والسياسة اللاحقة المتمثلة في ممارسة(أقصى ضغط) على إيران، هذا كله قد أثّر سلباً على العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما تسبب في حدوث انقسام في مجلس التعاون بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفشلت الولايات المتحدة في تهدئة مخاوف دول الخليج العربية بشأن مصداقيتها كحليف، وأخيراً، أضافت التنازلات للكيان الصهيوني، التي لم يجرؤ أيّ رئيس أمريكي على تقديمها من قبل(بصرف النظر عن مدى تعرج سياساتهم في الشرق الأوسط)، تحولات جديدة لهذه القضية، ونتيجة لذلك، تقترب إدارة ترامب على الرحيل، محملةً بعبء غير مسبوق من المشاكل في علاقاتها مع حلفائها في شمال الأطلسي، في عزلة شبه كاملة بسبب تصرفاتها غير القانونية في مجلس الأمن الدولي، فيما يتعلق برفع العقوبات الإيرانية، وفقدت هيبتها الأخلاقية والسياسية بشكل عام. كما فشلت روسيا في المدة الزمنية نفسها، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، في التوافق مع اتفاقية أمن أوروبا، ونظراً للتوسع الإقليمي لحلف الناتو وعدم فعالية مثل هذه الآليات الجماعية مثل رابطة الدول المستقلة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، واجهت روسيا أسئلةً تتعلق بالسياسة التي يجب أن تتبعها للمضي قدماً على شاكلة: هل ترى روسيّا نفسها في المستقبل كمركز مستقل للسلطة المطلقة؟ أم تريد أن تكون لاعباً مؤثراً ضمن التحالفات الجديدة واتحادات الاندماج؟ تبدو الإجابات عن هذه الأسئلة اليوم واضحة إلى حدٍّ ما. تتخذ روسيا لنفسها مساراً خاصاً في علاقاتها مع الغرب، وتتصرف وفقاً لمصالحها الخاصة، ولكنها لا تغلق الباب أمام حوار متكافئٍ بغرض البحث عن نقاط تواصل بشأن الصراعات ذات المشاكل المعقدة، وفي الوقت نفسه، بذلت روسيا جهوداً لبناء نظام فرعي من التحالفات الدولية، لموازنة العلاقات الثنائية بين الناتو والاتحاد الأوروبي. قادت هذه الجهود إلى دبلوماسية متعددة الأطراف، مسترشدة بمبدأ استعدادها للذهاب أبعد ما يكون، إلى حيث الطرف الآخر يستعد للذهاب إليه، وتشكلت نتيجة مثل هذه الجهود منظمة معاهدة الأمن المشتركة CSTO في المجال العسكري - السياسيي، وتحالف بريكس(البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)في المجالات الجيوسياسية، والمجموعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية (EurAsEC) والاتحاد الجمركي في المجال التجاري والاقتصادي. بعد غياب قصير في التسعينيات، عادت روسيا إلى الشرق الأوسط، ولم تعُد مقيدة بالأيديولوجيات المبتذلة، لقد تغير نموذج العلاقات الروسية العربية ذاتها وتطور على نطاق واسع، يحيث أُعطيت الأولوية لمثل هذه المعالم السياسية الخارجية الروسية، مثل تحقيق الأمن القومي في مواجهة التهديدات الجديدة المنبثقة عن عدم الاستقرار المزمن في المنطقة، ودعم الشركات الروسية، والتدابير لمواجهة التدخل الخارجي الذي يهدف إلى تغيير النظام أي نظام أو نسق سياسي في المنطقة، من أجل المصالح السياسية(في الحالات القصوى، يمكن أن يتم بالقوة، ولكن سيتم في الغالب ذلك عن طريق إنشاء شبكات قائمة على المصالح المتوافقة. كانت هذه الخطوط الرئيسة التي اعتمدتها روسيا في مسارها بعد عام 2011 م، عندما دخل الشرق الأوسط حقبة مطولة من إعادة الإعمار نتاج الحروب، كان هذا النهج البراغماتي مسؤولاً إلى حدٍّ كبير عن الحفاظ على علاقات الشراكة التجارية مع مصر والعراق والجزائر، والتي شهدت جميعها تغييرات في النظام، فضلاً عن بناء علاقات متماسكة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، إذ لا تقف الخلافات القائمة بشأن تسوية النزاعات في وجه التعاون الثنائي في التجارة والاقتصاد وتنسيق السياسات في أسواق الطاقة العالمية. تحقق روسيا بعض المكاسب من قدرتها على الحفاظ على علاقات الشراكة التجارية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية وغير الإقليمية في صراعات الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا والأكراد وحزب الله وإيران والمملكة العربية السعودية والسلطات الفلسطينية في رام الله وغزة. ومن الواضح في الوقت نفسه، أنه يتم استخدام المفهوم الشائع لموسكو باعتبارها وسيطاً محايداً أو وسيطًا نزيهاً، بشكل متكرر لأغراض غير لائقة، مثل تحميل موسكو المسؤولية عن أفعال أو تقاعس الأطراف الأخرى في المنطقة أو خارجها. لا توجد جهة فاعلة واحدة في صراعات اليوم متعددة الأوجه والجديدة، قادرة على الإمساك بجميع خيوط التسوية بين يديها. بلا شك، أصبحت روسيا وسورية حليفين تدريجياً منذ اندلاع الحروب في الدولة الواقعة في الشرق الأوسط في عام 2011 م، وهذا ما أكده زعيما كلا البلدين، ويُعدّ أمراً مسلّماً به في الغرب ودول أخرى في المنطقة، حيث التشابكات المعقدة للعلاقات في سورية وحولها. تتمتع روسيا وسورية بتاريخ طويل من التعاون في العديد من المجالات. وكان البَلدان على علاقة وثيقة وبخاصة إبان رئاسة الرئيس حافظ الأسد، رجل الدولة البارز الذي حظي باحترام عالمي. إذ تم التوقيع على معاهدة صداقة وتعاون في ذلك الوقت، لكنها كانت أكثر من وثيقة إطارية ولم تفرض أي التزامات قانونية دولية محددة على أيّ من الطرفين. كانت هذه علاقات ثقة صمدت أمام اختبار الحرب مع "إسرائيل" عام 1973 في مرتفعات الجولان والحرب الأهلية في لبنان (1975-1989)، إذ قاتل الجيش السوري بمشاركة المستشارين العسكريين السوفييت بشكل غير مباشر. كما كانت هناك خلافات حول الوضع في الحركة الفلسطينية والموقف الشخصي لياسر عرفات، ومع ذلك، تم حلّ هذه الخلافات بالحوار المنتظم القائم على الثقة على أعلى مستوى والمشاورات السياسية العسكرية الوثيقة. كانت العلاقات الروسية السورية في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما "انسحبت" روسيا، المثقلة بمشاكلها الداخلية، من الشرق الأوسط، في حالة تدهور. بعد انتخابه رئيساً، قام بشار الأسد بالالتفات نحو أوروبا، وبخاصة فرنسا أيام جاك شيراك، بكونها مركزاً لاحتواء الولايات المتحدة، التي اتهمت سورية بدعم المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي . قام الرئيس بشار الأسد بالزيارة الأولى لروسيا في عام 2005 م. وغطّت الاتفاقيات التي تم التوصل إليها على أعلى مستوى مجموعة واسعة من القضايا في مجال التعاون العسكري-التقني والاقتصادي في سياق تسوية سورية لديونها بالكامل، وأعطت دفعة جديدة لتطوير العلاقات الثنائية في ظل الظروف الجيوسياسية المتغيرة. والعلاقات الدولية يصار الى مدننتها عبر الروسي، وعسكرتها بفعل الأمريكي، وما زالت كارتلات حكم في مفاصل وتمفصلات، المؤسسة السياسية والأستخبارية والعسكرية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبالتماهي والتساوق والتنسيق، مع منحنيات الدولة العميقة في أمريكا، عبر تقاطعات للرؤى مع جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ) و وول ستريت وشركات النفط الكبرى، بحيث يسعى الجميع لتدمير الوجود الروسي في المنطقة والعالم، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها وأحسن خلقها بخبث مجتمع المخابرات الأمريكي والبريطاني والفرنسي وبالتعاون، مع استخبارات البنتاغون والاستخبارات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في أوكرانيا، كنتيجة للاستعصاء في المسألة السورية وتماسك صلابة الموقفين الروسي والصيني والإيراني. نواة الجيوش الأمريكية وأركان كوادرها وقياداتها، ما زالت تعتبر أنّ مجموعات القاعدة ومجتمعات الدواعش والمجاميع الأرهابية الأخرى، وفرق ما تسمى بالخوذ البيضاء القاعديّة الأرهابية، والتي هي(أي الخوذ البيضاء)تعبير حقيقي وحي على ازدواجية السياسات الامريكية، والتي أسّستها المخابرات البريطانية الخارجية عبر أحد ضبّاطها، وصرفت عليها المال الكثير لغايات التدريب والاعداد، خياراً قابلاً للتحالف مع واشنطن وحلفائها بشكل مستمر، لتوجيه ضربات لاحقة وحالية لسوريا مع بدء معركة تحرير ادلب من الأرهاب المعولم، لضرب أركان الجيش العربي السوري والبنى التحتية الأستراتيجية له، بعد الاعداد لفبركات لمسرحيات كيميائية في ادلب ولصقها بدمشق كذباً وزوراً وبهتاناً، لتبرير لعمليات عسكرية جديدة، خاصةً وأن عناصر ما تسمى بالخوذ البيضاء التي تم تهريب جزء منها من الجنوب السوري الى الأردن سابقاً، نقلت الى ادلب في الشمال السوري، والتقوا مع ذات العناصر الذين تم تهريبهم الى الكيان الصهيوني، ثم نقلوا الى ادلب عبر طائرات أمريكية حربية خاصة، ويتم الآن الأعداد لمسرحيات الفبركة عبر غرفة عمليات استخباراتية بريطانية فرنسية أمريكية اسرائلية بدعم واضح من ملياردير اليهودي شيلدون اديلسون، وبدفع هندسي من الموساد والمسيحيين الأنجليين في الداخل الأمريكي وكوادرهم، وتنفيذها عبر الأداة الأرهابية في الميدان الادلبي المسماه، بمنظمة الخوذ البيضاء – تنظيم القاعدة نفسه، بالتعاون مع ما تسمى بهيئة تحرير الشام الأرهابية، من خلال الأرهابي حسين الشرع المعروف بالجولاني وباقي الأفاعي الأرهابية الأفرنجية، من عناصر الحزب الأسلامي التركستاني الأيغور والذين تم اسكانهم في قرية الزنبقي وغيرها، حيث تم تسليمهم عبوات عديدة من غاز الكلور وغيره للقيام بالعمل الأستفزازي(المخابرات الصينية واستخبارات الجيش الصيني في حالة طوارىء واجتماعات مستمرة مع السوريين والروس والأتراك في الداخل السوري)، والغريب هنا أنّ القطاع الخاص البريطاني والقطاع الخاص الفرنسي، متورطون في هذا العمل الأستفزازي الأرهابي المفبرك، والذي هو جزء من حرب هجينه على سورية والمنطقة، وسيصار الى الكشف عن أسماء الشركات المشاركة لاحقاً، والكميات التي وردّتها الى الداخل السوري الشمالي الادلبي، ومؤشرات صحة كل ما ذكر وهو ما كشفته المخابرات والأستخبارات الروسية، تكمن في وصول المدمره الأمريكي يو اس اس سوليفان الى منطقة الخليج محمّلة بستة وخمسين صاروخاً من نوع كروز، مع وصول القاذفاة الأستراتيجية الأمريكية 1- محمّلة بأربعة وعشرين صاروخاً مجنّحاً جو أرض، الى القاعدة الأمريكية السرطانية العيديد في مشيخة قطر، حيث الهدف واضح من كل ذلك متموضعاً في تفاقم الوضع في المنطقة، وعرقلة عملية السلام في الداخل السوري لعرقلة عملية اعادة الأعمار، وتشويه صورة الرئيس بشار الأسد مع تصميمهم على ازاحة الرئيس الأسد عن الحكم، وكتابة دستور سوري مشابه لدستور 24 أذار في لبنان(مع بدء أعمال اللجنة الدستورية في مقر الامم المتحدة في جنيف). وسوف يتفاقم كل ما ذكر سابقاً، بعد تسلّم جو بايدن مهام الناطق الرسمي باسم الادارة الديمقراطية الامريكية، حيث تحالف الاسلام السياسي مع الديمقراطي كونه طبيعي جداً وسوف يعود، وقد تم على مدار ثمانية أعوام لغايات العبث في خرائط المنطقة والعالم، وبدماء الحدود الطبيعية أي بدماء الجغرافيا، ومن يلعب بالدم المسال في عروق الجغرافيا ستلعب الاخيرة بعقله ودمه(سورية نموذجاً والعراق كذلك). ولفهم جلّ المشهد الدولي وانعكاساته على المشاهد الأقليمية في أكثر من منطقة وأزيد من مكان وساحة وتفاعلات ذلك وتداعياته، لا بدّ من استدعاء الجغرافيا والتاريخ كلسان لها، الكيان الصهيوني يعمّق امتداداته الأفقية والعامودية في القارة الأفريقية، حيث جل أجهزة المخابرات الأممية ذات المكانة والنوع، وبالتعاون مع المافيات المحلية والأقليمية المعولمة، تعمل هناك تحت عناوين الأستثمارات وعمليات الأغاثة الأنسانية، وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، باسناد من ما تعرف باسم مؤسسات المجتمع المدني والشركات المتعددة الجنسيات، فأين الدور المصري والدور المغربي والدور الجزائري من هذا الدور الصهيوني والذي تتفاقم هندسة فعله، ودور باقي العرب وساحاتهم، الدور المضاد بالمفهوم الأستخباري والسياسي والدبلوماسي والأقتصادي والمالي؟!. وتل أبيب والتي صارت تل حبيب، تسعى إلى أن تكون عضو في الإتحاد الأفريقي كعضو مراقب أو كامل العضوية، وهذه مهمة الموساد الأفريقية – الموساد والتوغو، فأين المخابرات العربية والتوغو؟ الدولة الوطنية السورية ومجتمع مخابراتها ورغم الحرب الكونية عليها، هي الدولة الوحيدة التي أشارت ونبّهت إلى خطورة هذا التمدد وأثره على الأمن القومي العربي والإسلامي، وتعمل وبعمق مع المخابرات الروسية والأيرانية والصينية ومخابرات حزب الله في القارة الأفريقية، في متابعة هذا الأنتشار السرطاني لدور الكيان الصهيوني والحد منه، عبر عمليات مخابراتية وعسكرية واقتصادية ساكنة نمسك عن ذكرها الان تقوم بها المخابرات السورية والمخابرات الروسية والمخابرات الصينية، كل ذلك رغم الحرب والمؤامرة عليها، حيث باتت الحرب في نهايتها عبر فعل البوط العسكري السوري المتفاعل مع مناخات انجازاته. اذاً سورية ورغم كل ما جرى لها، فرعها الخارجي لمجتمع مخابراتها يعمل بعمق مع حلفائه في ساحات القارة الأفريقية، صوناً للأمن القومي العربي والاسلامي، والدول العربية الساكنة في حراكاتها، أجهزتها الأمنية متفرغة لمواطنيها؟ يا الله كم هي مضحكة مبكية هذه المفارقة بهندسة احداثياتها وقولبتها. التي تفرض استراتيجيات الدول المختلفة الفاعلة والمقرّرة ازاء أي منطقة هي الثوابت الطبيعية الجغرافية، وتعمل الدواعي التاريخية على تحريكها لتلك الأستراتيجيات الخاصة، بالفاعلين من الدول أو حتّى الحركات والجماعات ذات الأذرع العسكرية، والتي تكون أقل من دولة وأكبر من حزب أو حركة أو جماعة. والجغرافيا أي جغرافيا، نعم قد تكون صمّاء لكنّ التاريخ هو لسانها، وصحيح أنّ التاريخ هو ظلّ الأنسان على الأرض، فانّ الجغرافيا الصمّاء هي ظل الأرض على الزمان. 
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
Mohd_ahamd2003@yahoo.com