في مقدمة القضايا التي تقلقني وتشغلني هذه الأيام هي مخطط إعادة تفتيت وتقسيم سورية، فقد اقترح مسؤولون أمريكيون مراراً هذا المخطط قبل وبعد الحرب على سورية، حيث نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على موقعها خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بعد تقسيمها لبعض الدول الى دويلات صغيرة ضعيفة هشة بعد تدمير قدراتها، ومن تلك الدول سورية، من خلال محاولة تدمير القوى والقدرات العسكرية الوطنية هناك، فضلاً عن الحصار الكبير على الجيش السوري، والهدف بلا شك هو إسقاط سورية في مستنقع الإرهاب.
فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية الموغلة في وحل وبراثن التحالفات والحروب بين أطراف عدة، يدرك وجود تحالف أمريكي تركي لتحقيق مصالحهم وأهدافهم في سورية، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له تركيا لتلعبه في المنطقة، خاصة وأنها تعتبر الحليف الرئيسي مع الكيان اليهودي، وبذلك عملت تركيا في سورية منذ إنطلاق العدوان عليها على تقديم مبررات عديدة للتدخل العسكري للأراضي السورية، ولعبت دوراً أساسياً في دعم المجموعات المتطرفة وتأمين ملاذاً آمناً لها وتسهيل حركتها، والهدف الرئيسي كان ولا يزال لأردوغان هو تقسيم سورية وإقتطاع أجزاء من الدولة السورية وضمها إلى الإمبراطورية العثمانية.
يخطئ من يعتقد أن الإدارة الأمريكية جاءت على رأس تحالف دولي من أجل القضاء على داعش، وتطهير البلاد من هذا التنظيم لا أبداً! أميركا عائدة إلى المنطقة حيث أنشأت داعش بديلاً عن القاعدة العجوز بعد أن إستنزفتها وقامت بالدور الذي أسندته إليها، لذلك كان هدف اللعبة الجديدة هو نشر الفوضى الخلاقة وتفتيت وتقسيم سورية ، و الشيء المؤكد هنا هو أن الغارات التي بدأتها أمريكا لن تكون نهاية العمل العسكري الأمريكي في سورية بل ستكون بدايته.
وفي سياق متصل هناك أطراف خارجية عربية وإسلامية تدفع باتجاه تكرار السيناريو الليبي والعراقي في سورية، وفتح سوق جديد مشابه لأسواق الفوضى المسلحة الدموية التي إندلعت في المنطقة بين معسكرات خارجية كل طرف يدعم سوقه ويسعى الى الانتصار على غريمه، وهنا لا بد من الإنتباه الى أن الذين يعتقدون أن الفوضى المسلحة وإطالة أمد الحرب في سورية يمكن أن يكون مصدر إستقرار لهم، فهم مخطئون وكل التجارب التي مرت بها المنطقة تؤكد إن أضمن طرق الإستقرار تتمثل في منح سورية الأمان والسلام، فلا أمن للمنطقة بدون أمن سورية.
وفي حقيقة الأمر، فإن التقسيم في سورية مستحيلاً وغير واقعي ووهم كبير ولن يحدث، سواء لأسباب داخلية إذ لا يوجد في سورية كتل جغرافية ذات لون طائفي موحد، لأن الطوائف متداخلة فيما بينها، أما خارجياً فإن خيار التقسيم يُشكل خطاً أحمر للعديد من الدول، وفي مقدمتها تركيا والعراق وحتى لبنان، لأن هذه العدوى ستنتقل سريعاً إلى تلك البلدان، وهذا التقسيم سيفجر المنطقة، فتركيا لا تحتمل وجود إقليمين كرديين مستقلين أحدهما في العراق، والآخر في سورية، ولبنان لا يحتمل وجود دولة طائفية على حدوده الشمالية والشرقية، والعراق لا يحتمل كيانا كردياً يكون امتدادا لإقليم كردستان العراق، كما أن الأردن لا يحتمل قيام دويلات متعددة على حدوده.
إن المشهد الذي تشهده سورية اليوم يؤكد بأن المشروع الغربي"الشرق أوسط الجديد" يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب حلب وادلب ودير الزور، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية في تحقيق أي أهداف أو مكاسب سياسية، وأن مشروع تقسيم سورية قد انهار بعد أن انكشفت كل خيوط اللعبة، ورأى العالم ما يجري في العراق وليبيا واليمن من مجازر ودمار، لذلك فإن الجيش السوري يحقق انتصارات قوية على أرض الواقع، فهذه الانتصارات صدمت الغرب وحلفاؤهم من العرب الذين تفاجئوا بقوة الجيش السوري.
مجملاً.... إن سورية الموحدة، سورية المواطنة بعاصمتها دمشق المدينة الجامعة لكل المكونات والاتجاهات الفكرية والمنفتحة على الجميع، هي من ستكون الضمانة الأكيدة لأمان واستقرار كل السوريين وتقدمهم بثقة نحو مستقبل واعد، لذلك لكل هذه الأسباب يتحتم وقوف السوريين وبرغم جراحاتهم وآلامهم إلى جانب مشروع سورية الواحدة الموحدة لأنه لا سبيل غير هذا الطريق في الخلاص.
وأختم بالقول: ستبقى سورية وسيبقى السوريون ليعيدوا للدنيا ألقها من جديد، وليكن شعارنا هو وحدة سورية خط أحمر حاظراً قوياً مع شعارات خروج قوات الاحتلال الأمريكي منها، والتوقف عن دعم الإرهاب فيها ونهب ثروات الشعب السوري.
khaym1979@yahoo.com