2024-11-24 08:46 م

شركات عسكرية خاصة تعبث بالأمن العربي

2020-12-29
إسطنبول: تستغل شركات عسكرية خاصة عابرة للحدود، الأزمات الأمنية التي تعيشها العديد من البلدان العربية لدخول “سوق الموت” مقابل مليارات الدولارات تدفع لها ولمرتزقتها الذين تجندهم من بقاع مختلفة من العالم لتأجير خبراتهم القتالية في معارك بلا قيم.

فمن العراق إلى ليبيا مرورا بسوريا واليمن تنشط عدة شركات عسكرية خاصة أمريكية وروسية وإماراتية، لحساب دول وجيوش تسعى لتخفيض النفقات والخسائر البشرية وتجنب الإحراج الدبلوماسي والمساءلة القانونية خاصة عند وقوع جرائم حرب تسعى هذه الدول للتملص منها عبر تحميل الشركات الخاصة مسؤولية القتال المنفلت.

وتنشط في العالم العربي عدة شركات عسكرية خاصة لها فروع وامتدادات في العديد من الدول وبأسماء مختلفة، بالإضافة إلى شركات أمنية محلية ودولية يقدر عددها بالمئات، ويختلف نشاطها عن الشركات العسكرية في طبيعة المهام.

فبينما تقوم الشركات العسكرية بمهام قتالية وتجنيد مرتزقة ودعم جيوش ومليشيات مسلحة على الأرض، فإن الشركات الأمنية تركز على حماية الشخصيات والمنشآت والتدريب والاستشارة الأمنية والاستخبارات والحرب السيبرانية (الإلكترونية)، وقد تتداخل مهام الشركات العسكرية مع الأمنية وتتكامل أحيانا.

وتقدر وزارة الخارجية الفرنسية قيمة عائدات شركات الأمن الخاصة بحوالي 400 مليار دولار، بحسب دراسة للباحث الأردني وليد عبد الحي، ذكر فيها أن مجموع أرباح هذه الشركات في الوطن العربي هو 45 مليار دولار ما بين 2011 و2014.

ومن أشهر الشركات العسكرية التي تجند مرتزقة للقتال في بؤر التوتر العربية، ثلاث شركات خاصة:

“بلاك ووتر” الأمريكية

شركة أمريكية سيئة السمعة، تورطت في جرائم قتل بحق مدنيين عراقيين، وأدين 4 من أفرادها بالسجن بين المؤبد و30 سنة، لقتلهم 14 مدنيا عراقيا، بينهم طفلان، في بغداد عام 2007، في مجزرة أثارت غضبا دوليا من استخدام المرتزقة في الحروب.

لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصدر في 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عفوا عن عناصر “بلاك ووتر” الأربعة، ما أثار استياء عراقيا.

وبرز اسم “بلاك ووتر” مع احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وحصول الشركة على عقود أمنية في البلاد.

وتأسست الشركة في عام 1997 وفقا للقوانين الأمريكية على يد إريك برنس، الضابط السابق في مشاة البحرية “المارينز”.

وتعتمد على مرتزقة من المتقاعدين والقوات الخاصة من مختلف أنحاء العالم مقابل تعويضات مالية مجزية، وتقدم خدماتها العسكرية والأمنية للحكومات والأفراد بعد موافقة الإدارة الأمريكية.

وبسبب الفضائح التي لاحقتها إبان احتلال العراق، غيرت “بلاك ووتر” اسمها إلى “Xe Service” في 2009، ثم “أكاديمي” في 2011، بعد أن استحوذت عليها شركات منافسة وأصبحت تحت لواء مجموعة “كونستليس” القابضة، التي تنشط في 20 بلدا وتوظف أكثر من 16 ألف شخص، بحسب بيانات الشركة.

ويتركز نشاط “بلاك ووتر” باسمها الجديد حاليا في اليمن، حيث كشفت تقارير إعلامية بينها صحيفة “نيويورك تايمز”، أن توقيع مؤسسها برنس، على عقود مع الإمارات والسعودية للقتال في اليمن إلى جانب التحالف العربي.

وبلغ عدد من جندتهم الشركة في 2015، نحو 1500 مرتزق من كولومبيا وجنوب إفريقيا والمكسيك وبنما والسلفادور وتشيلي، قتل بعضهم في المعارك خاصة بتعز.

“فاغنر” الروسية

تمثل “فاغنر” الروسية إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية بعد أفول نجم “بلاك ووتر” الأمريكية.

وبدأ نشاط “فاغنر” في الوطن العربي انطلاقا من سوريا منذ 2014، حيث تشرف على شركتين أمنيتين تتمثلان في: “صائدو داعش”، و”سند” للحراسة والخدمات الأمنية.

وتتولى “فاغنر” تدريب عناصر الشركتين، لحماية الاستثمارات الروسية على غرار مناجم الفوسفات وحقول النفط والغاز في البادية السورية ومحافظة دير الزور (شرق).

ومن الدلائل على تورط “فاغنر” و”صائدو داعش” في القتال، مقتل نحو 250 عنصرا منهما، ومقاتلين من جيش النظام والقوات الرديفة له في قصف جوي أمريكي في 8 فبراير/ شباط 2018.

وقتل في هذه الغارة 20 عنصرا من شركة “صائدو داعش”، عند تقدمهم للسيطرة على حقول النفط شرق نهر الفرات، التي كانت بقبضة تنظيم “داعش”.

وتستعين “فاغنر”، بمرتزقة “صائدو داعش” و”سند” في القتال سواء داخل سوريا أو حتى نقل المئات منها إلى ليبيا للقتال إلى جانب مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

لكن “فاغنر” لا تعتمد فقط على المرتزقة الموالين لبشار الأسد، بل تضم قائمة طويلة من الجنسيات بدءا من الروسية والصربية والأوكرانية والمولدافية والأرمينية وحتى الكازاخية.

وبالنظر إلى هدوء الجبهة السورية خلال السنوات الأخيرة، تركز “فاغنر” قوتها الرئيسية في ليبيا، خاصة في محافظتي الجفرة وسرت، وامتد نشاطها إلى غاية الجنوب الغربي، الذي تعتبره فرنسا منطقة نفوذها التاريخية.

ومن شأن الإعلان عن بناء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان على البحر الأحمر في 2020، استقطاب عدد أكبر من مرتزقة “فاغنر” إلى شرق إفريقيا.

وبدأت “فاغنر” نشاطها في السودان منذ 2018، تحت غطاء شركة “أم إنفست” للتنقيب عن الذهب، لكن الولايات المتحدة أدرجتها ضمن قائمة العقوبات في 15 يوليو/تموز 2020، واتهمتها بمحاولة تقويض المسار الديمقراطي في السودان.

وفرضت واشنطن عقوبات على يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة “فاغنر” الملقب بطباخ بوتين، كما أدرجت الشركة نفسها على لائحة العقوبات.

“بلاك شيلد” الإماراتية

لم تكن هذه الشركة الأمنية معروفة، قبل تَفَجُّر فضيحة خداعها لشباب سودانيين تم نقلهم إلى الإمارات للعمل في الحراسة الخاصة، لكن الشركة دربتهم عسكريا بغرض نقلهم للقتال في ليبيا كمرتزقة إلى جانب مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، وأيضا إلى اليمن.

ورغم نفي “بلاك شيلد” هذه الاتهامات التي كشفتها صحيفة “الغارديان” البريطانية في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2019، إلا أن الملف سرعان ما تحول إلى قضية رأي عام بعد احتجاج مئات السودانيين أمام السفارة الإماراتية بالخرطوم في يوليو الماضي.

كما أعلن المستشار القانوني للضحايا السودانيين عمر العبيد، مطلع ديسمبر الجاري، بدء استعدادات لرفع دعاوى قضائية إقليمية ودولية بحق 10 شخصيات إماراتية وسودانية وليبية، بتهمة الاتجار بالبشر.

ويكشف تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتش ووتش” على موقعها الإلكتروني واستند إلى لقاءات مباشرة مع الضحايا، أن الشركة الإماراتية تعاقدت مع أكثر من 270 شاباً سودانياً للعمل في الإمارات حراس أمن، لكنها خدعتهم بعد سلسلة طويلة من الإجراءات حتى زجت بهم في “أتون الحرب في ليبيا دون علمهم”.

ويوضح التقرير أن الشباب السوداني وجدوا أنفسهم جنبا إلى جنب مع المقاتلين الليبيين التابعين لحفتر، بعد إقناعهم بأن مهمتهم حراسة المنشآت النفطية المحيطة بتلك المنطقة (الهلال النفطي)، “لكن مع الوقت انخرطوا في أعمال القتال”.

إسرائيل وإيران تستثمران بالشركات الأمنية

وإلى جانب “بلاك ووتر” و”فاغنر” و”بلاك شيلد” توجد عدة شركات عسكرية وأمنية خاصة تنشط في الدول العربية على غرار شركة “جي فور أس” العملاقة.

وتأسست “جي فور أس” في 1901 بالدنمارك ويوجد مقرها الرئيسي في بريطانيا، وتملك أكبر جيش خاص في العالم يفوق 533 ألف موظف من جنسيات مختلفة.

وتتوزع فروع نشاطاتها في 85 دولة، ولها 14 فرعا في الدول العربية منها 9 فروع في دول الخليج العربي، خاصة الإمارات.

وتولت بعض المهام في سجن غوانتانامو، وتبلغ مداخيلها السنوية 8.8 مليارات دولار بحسب إذاعة “مونتي كارلو” الفرنسية، لكن فضائحها الكثيرة وأزمة كورونا أدخلاها في أزمات مالية وتحاول عدة شركات دولية منافسة شراءها.

وأما في إسرائيل فتوظف 8 آلاف شخص، حيث تتكفل بحراسة سجن “عوفر” وإدارة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، ونظرا للضغوط التي مارستها عليها حملة مقاطعة إسرائيل “بي دي أس”، قررت “جي فور أس” الانسحاب منها.

ويكشف الباحث الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، أن 10 شركات أمنية إسرائيلية خاصة، ومنها شركة AGT ومقرها سويسرا، تعمل في دول عربية هي: العراق، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات، وعُمان، ولبنان، والأردن، والسعودية، واليمن.

ومع تطبيع بعض الدول علاقات مع إسرائيل من المتوقع أن تتسلل الشركات الأمنية بكثافة إلى دول الخليج وعلى رأسها الإمارات لتقديم خدماتها في الحراسة والأمن السيبراني.

كما تصنف تقارير إعلامية المليشيات الشيعية التي تنشط في العراق وسوريا كشركات أمنية تابعة لإيران، ولكنهم “مرتزقة عقائديون” قادمون من باكستان وأفغانستان والعراق للقتال ليس فقط من أجل المال ولكن من أجل الطائفة أيضا.

وأسست هذه المليشيات المقربة من إيران شركات أمنية بسوريا والمتمثلة في “العرين لخدمات الحراسة”، و”الدرع للحراسات الأمنية”، و”الفجر لخدمات الحراسة والحماية”.

وتعاظم دور الشركات العسكرية والأمنية العالمية على حساب الجيوش العربية التقليدية من شأنه إفقاد هذه الدول استقلالية قرارها وجعلها مكشوفة أمنيا أمام أي تهديدات مستقبلية.

(الأناضول)