2024-11-28 11:44 م

الإدارة الأميركية الجديدة والخيارات الأردنية

2020-12-24
بقلم: محمد ابو رمان
تنفّس المسؤولون الأردنيون الصعداء بنجاح المرشح الديمقراطي، جو بايدن، إذ كان بقاء الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، أربعة أعوام أخرى في البيت الأبيض بمثابة كابوس حقيقي للأردن، كان سيضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ: الأول تأييد الصفقة والسير مع أجندة صِهر الرئيس جاريد كوشنر، التي تعني عملياً إنهاء القضية الفلسطينية، والثاني الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية أو في الحدّ الأدنى اتساع الفجوة معها، بالإضافة إلى تأزيم العلاقات مع الدول العربية التي سارت في ركاب التطبيع.
في الأثناء، نشط وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الفترة الماضية، منذ نتائج الانتخابات الأميركية، فعقد قبل أيام اجتماعاً مع وزيري الخارجية المصري والفلسطيني، في محاولة لرد الاعتبار لدور كل من الأردن ومصر، والتنسيق مع الفلسطينيين، في عملية ترتيب الأوراق وتنسيق المواقف وتحجيم الفجوة مع الدول العربية الأخرى التي بدأت في مسلسل التطبيع مع إسرائيل، لبناء خطاب عربي مشترك مرّة أخرى.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الأردن تجنب مسار المواجهة الديبلوماسية المباشرة أو الرفض الواضح، كما حدث عندما أعلن رفضه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصعّد ديبلوماسياً ضد هذا الإجراء، بينما اتخذ سياسة هادئة في التعامل مع صفقة القرن ومع عمليات التطبيع العربية. مع ذلك، لم يكن الموقف الأردني يرضي الإسرائيليين والأميركيين، وحتى الحلفاء العرب الذين قرّروا "تحطيم الجدار" والتطبيع مع إسرائيل. والآن مهمة الصفدي رأب الصدع العربي، وتقريب المواقف بين الفلسطينيين والدول العربية المطبّعة للوصول إلى موقف عربي متقارب، في ضوء المتغيرات الجديدة، وهي مهمة، وإنْ تبدُ الفرصة سانحة لها مع تولي إدارة بايدن واختفاء كوشنر، فإنّ المسألة ليست بهذه البساطة، لا على صعيد موضوع صفقة القرن وحل الدولتين، ولا على صعيد الموقف العربي المشترك!
على صعيد صفقة القرن، تؤشر التصريحات والمواقف الأولية للرئيس المنتخب إلى أنّ إدارته ستتراجع عن مشروع الصفقة، ولن تضغط على الفلسطينيين والأردنيين للقبول بها، وهذا مريح جداً بالنسبة للأردن، في الحدّ الأدنى. وفي المقابل، لن تعيد الإدارة القادمة النظر في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولن ترجع الحياة لحل الدولتين الذي مثّل دوماً عنواناً للديبلوماسية الأردنية، ما يعني، بالضرورة، أنّ سيناريو صفقة القرن، حتى وإن اختفت أوراقه رسمياً عن الطاولة، فهو الوحيد المطبق على أرض الواقع.

حقق الإسرائيليون مكاسب كبيرة خلال فترة ترامب، ولن يتنازلوا عنها، مثل نقل السفارة وتعزيز وجودهم في القدس وتغيير واقعها، والحصول على إذنٍ في الاستيطان والضم سيمارسونه عندما يتمكّنون، ووثيقة لموقف أميركي رسمي، يلغي أي أبعادٍ حقيقيةٍ في مفهوم الدولة الفلسطينية الموعودة، والأهم من ذلك الوصول إلى سلام إقليمي مع العرب، من من دون الانتظار للمرور عبر الفلسطينيين (كما كانت تتضمن المبادرة العربية للسلام). وطالما أن الواقع الفلسطيني والعربي المتدهور يخدمهم، فلماذا الاستعجال من الإسرائيليين؟!
على الطرف المقابل، لا يملك الفلسطينيون تقديم تنازلات أكبر، في وقتٍ يفقدون فيه العمق الاستراتيجي العربي، ولا يقف معهم سوى الأردن ديبلوماسياً. وفي النتيجة، يقوم الحل السلمي على ما يسمى حل الدولتين، بمعنى الدولة الفلسطينية الحقيقية ذات السيادة وعاصمتها القدس، ومتواصلة الأطراف لم يعد قائماً.

عملياً، ما قامت به إدارة ترامب أنّها قفزت بسيناريو الأمر الواقع قفزة كبيرة؛ فركّبته على القطار السريع خلال الفترة الماضية، وأصبح أقرب من أي وقت مضى، ثم جاءت عمليات التطبيع العربي لتُفقد الفلسطينيين أي عمق استراتيجي حقيقي، وتنهي مرحلة "مركزية القضية الفلسطينية" عربياً، أو محدّدا رئيسا في علاقة العرب مع الإسرائيليين، وهو الأمر الذي لن يتغيّر، بالضرورة، مع إدارة بايدن. وسينعكس هذا وذاك بالضرورة على مساحة الدور الإقليمي الأردني الذي قام على أساس العلاقة الجيو استراتيجية مع القضية الفلسطينية، والاشتباك والتفاعل الكبير مع الفلسطينيين، فحظي بأهمية خاصة، وبمجال واسع للحركة طرفا مهما في المنطقة.
ضمن هذه المعادلات الجديدة، لا يملك الأردنيون حلاّ أو جواباً لسؤال رئيس لا يزال مطروحاً منذ عقدين: ماذا لو فشلت التسوية السلمية وانتهى حل الدولتين؟ ما هي الخيارات الاستراتيجية لحماية المصالح الحيوية الأردنية على صعيد البعدين الإقليمي والداخلي؟ ما لا يجوز أن نقفز عنه هنا في حسابات صانع القرار الأردني أنّ الملفات متداخلة أردنياً - فلسطينياً (اللاجئين، القدس، المعادلة الديمغرافية، السياسية الداخلية الأردنية.. )، في ضوء الحقيقة الواضحة أنّ السلطة الفلسطينية لم تعد قادرة على الخروج من "الدور الوظيفي" الذي تم تأطيرها فيه، وأصبحت مربوطة بمعادلة الأمن الإسرائيلي في مقابل الحياة اليومية للفلسطينيين ودفع الرواتب للموظفين، ما جعل قراراً واحداً أقل بكثير من مستوى التحدّي يتعلق بوقف التنسيق الأمني غير ممكن التطبيق بالنسبة للسلطة؟!

على صعيد الموقف العربي المشترك، جرت مياه كثيرة تحت الأقدام، ومع إنهاء مركزية القضية الفلسطينية، فإنّ المنظورات المختلفة، وربما المتضاربة للأمن الإقليمي تتبدّى بوضوح في العلاقات البينية العربية. وإذا فرضنا جدلاً أنّ الأردن تمكّن من ردم الفجوة الواسعة بين موقف الدول المطبّعة والموقف الفلسطيني؛ فذلك لا ينفي واقعاً جديداً يتشكل اليوم يتمثّل في أنّ الدول العربية لم تعد تنظر إلى الدور الأردني بوصفه محورياً في موضوع القضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل.