2024-11-24 10:26 م

وقاحة الملك «الخجول»: التطبيع مقابل الصحراء

2020-12-12
لم يتأخَّر المغرب وملكه، محمد السادس، لملء مقعد الرباط الشاغر على قاطرة التطبيع. انضمّت هذه الأخيرة إلى نظيراتها أبو ظبي والمنامة والخرطوم، في رحلةٍ بدأ باكراً يتّضح مسارها ومحطة وصولها. وإن تنابذت هذه الدول أو تخاصمت في ما بينها، ستجتمع نهايةً ضمن حلفٍ يرى فيه الطرف الأميركي غايةً في ذاته. غايةٌ ستُعزِّز، بنظره، من حدّة الاستقطاب في المنطقة، وستتأتّى على أمرٍ واقع سيصعب، يوماً تلو آخر، الانقلاب عليه. تُشكِّل إيران ومحور المقاومة لُبّ الغاية، وما هدف الحلف الهجين هذا، إلّا إخضاعها عبر تسويات لاستنقاذ الكيان العبري وحلفائه الجُدُد في منطقة سريعة التحوّل.
بسهولة متناهية، جرت مقايضةٌ هي الأكثر سطوعاً من بين اتفاقات التطبيع الأربعة التي جاءت برعاية ومباركة أميركية؛ كأن يقول المغرب: نُصالح إسرائيل إذا منحتمونا السيادة الكاملة على الصحراء الغربية. لم يجد دونالد ترامب ريباً في أن يبيع ويشتري ما لا يملكه أصلاً، طالما أن «الصفقة» ستقوّي شوكة إسرائيل في المنطقة، وستضعف، توازياً، «أعداءها». الاتفاق/ المقايضة قُرِّش سريعاً، ولم يحتج سوى تغريدة من الرئيس الأميركي - تقول الرباط إن مفاوضات بين الجانبين سبقتها -، ليتسلّط الضوء على ثَمن التطبيع الذي وصفته جبهة «البوليساريو» بـ«الغريب»، وإنما «غير المفاجئ»، من دون أن تأتي على ذكر الاتفاق نفسه. ويجيء الاتفاق الأحدث من سلسلة «أبراهام»، وربّما الأخير لهذا العام، الذي جرى الإعلان عنه بعد مكالمة هاتفية بين ترامب ومحمد السادس، أمس، قبل نحو شهر من انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الذي لا يزال يطبّق سياساته بحشد المطبّعين لنيل رضى إدارته، ومن ورائها إسرائيل. على أن توقيت التطبيع كان سيبدو ملتبساً بعض الشيء، لو لم يكن ثمنه سيادة المغرب على منطقة الصحراء، ولا سيّما أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن كانت ستبارك الخطوة وتدعمها كونها ترى في «اتفاقات أبراهام» قدراً لا مناص منه.
في زيارته الأخيرة إلى المغرب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكّد مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد شنكر، أن الولايات المتحدة تُقدِّر «دعم جلالة الملك المستمر والقَيّم للقضايا ذات الاهتمام المشترك مثل السلام في الشرق الأوسط»، مذكِّراً بأن البلدين سيحتفلان، العام المقبل، بمرور 200 عام على صداقتهما، «حينما سنحيي الذكرى المئوية الثانية للمفوضية الأميركية في طنجة، وهي أقدم معلم دبلوماسي أميركي في العالم». عاد ترامب بالذاكرة إلى القرن الثامن عشر، ليربط اعتراف المغرب بالولايات المتحدة في عام 1777، باعتراف الأخيرة، للمرّة الأولى في تاريخها، بسيادته على الصحراء الغربية، على افتراض أن اقتراح الرباط «الجادّ والواقعي بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية، هو الأساس الوحيد لحلّ عادل ودائم من أجل السلام والرخاء»، بخلاف الخيار «غير الواقعي» والمتمثّل في إقامة دولة مستقلّة في الصحراء، وفق ما جاء في بيان للبيت الأبيض. وحثّ البيان الجانبين على «بدء مناقشات دون تأخير، استناداً إلى خطّة الحكم الذاتي المقدَّمة من قِبَل المغرب، باعتبارها إطار العمل الوحيد للتفاوض على حلّ مقبول من الطرفين».
موافقة ترامب عل تغيير سياسة بلاده «المحايدة» إزاء الصحراء الغربية، حيث تعتزم واشنطن فتح قنصلية لها في إطار الاتفاق، شكّلت المحرّك الرئيس للحصول على موافقة المغرب السريعة على التطبيع. صحيح أن قضية الصحراء الغربية، والموقف الأميركي منها، طغيا على الاتفاق برمّته، إلى درجة أن محمد السادس تجلّى في هيئة منتصر لم يحتج إلى تقديم أيّ تنازلات، لكن «الانفراجة التاريخية الأخرى» على حدِّ تعبير ترامب، ستؤدّي هي الأخرى إلى إقامة الرباط علاقات دبلوماسية كاملة، واستئناف الاتصالات الرسمية مع إسرائيل (والمنقطعة منذ عام 1994)، والسماح بعبور رحلات جوية وأيضاً برحلات طيران مباشرة من إسرائيل وإليها. وبحسب مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، الذي أشرف ومساعده آفي بيركوفيتش على الاتفاقات الأربعة، «سيقوم الطرفان بإعادة فتح مكاتب الاتصال في الرباط وتل أبيب على الفور بنيّة فتح سفارتَين»، كما «سيعزّز الطرفان التعاون الاقتصادي بين الشركات الإسرائيلية والمغربية». أمّا «الهدية» الثانية التي قدّمتها إدارة ترامب إلى حليفتها، الرباط، في إطار التطبيع، فجاءت على شكل موافقة واشنطن على بيع المغرب طائرات مسيّرة كبيرة ومتطوّرة من طراز «إم كيو-9 بي» التي تطوّرها شركة «جنرال أوتومكس»، وعددها أربع على الأقل، بحسب ثلاثة مصادر تحدّثت إلى «رويترز»، وأكّدت أن الصفقة التي وقّعتها وزارة الخارجية، ستحتاج إلى موافقة الكونغرس الذي مرّر للتوّ صفقة سلاح للإمارات بقيمة 23 مليار دولار.
(الاخبار)