2024-11-29 12:24 ص

هل الحرب حتمية فعلاً؟

2020-12-06
بقلم: سامي كليب
من قتل أهم قائد عسكري ايراني في بداية العام، وأهم عالم نووي في نهايته، لن يتردد في قتل كل من يشكل خطرا حقيقيا عليه، ذلك ان حسابات اسرائيل تصب في خانة القول انه مهما كان خطر الحرب كبيرا، فان ترك طهران تصل الى القنبلة النووية او استكمال شبكة الصواريخ الاستراتيجية الدقيقة من ايران الى العراق فسوريا ولبنان، هو أخطر بكثير من الحرب.


يجب الانطلاق من هذه القاعدة لتوقّع مآلات الأمور لاحقاً. وعلى هذا الأساس ستبني الادارة الاميركية المقبلة استراتيجيتها التفاوضية مع طهران مهما أبدى الطرفان من حسن نوايا. فمن غير المتوقّع ان يعود الرئيس المقبل جو بايدن الى الاتفاق النووي دون توسيع اطار التفاوض ليشمل الصواريخ الاستراتيجية الدقيقة ودور طهران في المنطقة.

لاحظوا ماذا حصل:

أولا : ركّز المحور المناهض لطهران من واشنطن الى تل أبيب فبعض الدول العربية، الى خنق ايران وحلفائها اقتصاديا وماليا واعلاميا منذ سنوات، وكثّف الضغوط في الأعوام القليلة الماضية. وهو نجح الى حد بعيد في ذلك، آملا في أن يؤلب البيئات المؤيدة ضد قياداتها، وفي أن يحرمها من مصادرها ومن تحريك ما بقي لها من مال.
ثانيا: انتقل المحور المناهض لايران من الحرب المباشرة والمُكلفة، الى نمط العمليات الدقيقة وذات الفعالية الأكبر معنويا وأمنيا، فاغتال مجموعة من القيادات الرفيعة العسكرية والعلمية، واخترق ايران بهجمات الكترونية، وهاجم رجالها ورجال حزب الله في سورية ووصل الى قلب الضاحية ( الطائرات المسيّرة).

ثالثا: انسحبت ادارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، وفرضت عقوبات تزامنا مع هذه الهجمات الاسرائيلية، على أمل أن تجرّ ايران الى التفاوض بشروط اميركية أو تدفعها الى عمل عسكري واسع، لترد عليه مع اسرائيل بدعم اميركي ودعم بعض الحلفاء الآخرين باستهداف واسع للمنشآت النووية ومصانع الصواريخ في قلب ايران.

رابعا: سعت أميركا واسرائيل الى جعل كل المحيط الايراني من الخليج الى أذربيجان معاديا لطهران، وقابلا باستخدام أراضيه لأي عمل عسكري ضدها، خصوصا بعدما وصل التهديد الحوثي الى حد استهداف الشريان النفطي الحيوي السعودية( آرامكو) ومؤسسات اخرى حساسة كُشف عن استهدافها او بقيت طي الكتمان.

حتى الآن، ورغم بعض الردود الايرانية (ابرزها قصف قاعدة عين الاسد الأميركية في العراق، واحتجاز سفن بريطانية ردا على احتجاز سفن ايرانية)، فان القيادة الايرانية هضمت كل الضربات، ورفضت دعوات ترامب للتفاوض، ولعلّها فتحت خطوطا مع ادارة بايدن عبر وسطاء، على معهود عادتها في استغلال التناقضات الانتخابية في أميركا والغرب.

اليوم وصلت الأوضاع الى نقطة حساسة جدا. فقد ثبُت تورط اسرائيل في اغتيال سليماني والعالم النووي محسن فخري زاده. وترامب المُغادر البيت الأبيض لن يزعجه أبدا توريط بايدن بمشكلة أمنية كبيرة في الشرق الأوسط. واسرائيل تُدرك ان ما هو ممُكن عسكريا في ما بقي من عصر ترامب، قد يصبح شديد الصعوبة او مستحيلا مع بايدن. وايران انسحبت من الاتفاق النووي وقررت رفع التخصيب الى نسبة 20 بالمئة ومنع الوكالة الدولية من تفتيش اي مواقع استثنائية. وترسانة الصواريخ تقريبا اكتملت عند حزب الله وزُرع لا شك الكثير منها في سوريا وربما عند الحشد الشعبي.   

الوضع العام صار أكثر خطورة بكثير مما كان عليه قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982. فنحن أمام حزب دقيق التنظيم، سري العمل، متنوع الأسلحة، اكتسب خبرة 10 سنوات في أشرس أنواع القتال على الاراضي السورية. هو يختلف بذلك تماما، عن تشتت المنظمات الفلسطينية والوطنية اللبنانية قبل 82، واختراقها الاستخباراتي من كل الدول العربية والعالمية..

بالمقابل ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين يعتبرون حزب الله عقبة أمام أنقاذ الوضع الاقتصادي، وثمة أموالاً اميركية كثيرة دُفعت لتشجيع النقمة، وثمة آلة اعلامية واسعة اشتغلت بعمق على هذا الأمر. وثمة تطويقا دوليا وعربيا للبنان لمنع أي اختراق سياسي او انتعاش اقتصادي قبل اضعاف الحزب. فالمسألة ليست محصورة بمشاركة او عدم مشاركة الحزب في السلطة وانما، بقدراته العسكرية والصاروخية التي يجب ان تضعف او تُشل.

حين تصل الأمور الى هذا الحد من الاحتقان، فالانفجار ممكن وحتمي. ولكن.

يقول البعض إن حزب الله حافظ على الحدود ومنع عصر الاختراقات منذ احتكاره شؤون المقاومة. وان التفاوض المقبل بين اميركا وايران سيهديء الأوضاع ويردع اسرائيل. وإن اسرائيل ليست بحاجة للحروب في عصر الانفتاح العربي عليها وانها مع حلفائها تستطيع عزل لبنان وسوريا تماما وافقارهما اكثر مقابل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية والامنية مع الدول العربية الاخرى. وان لبنان عاجلا أم آجلا سيلتحق بالتفاوض لأجل مصالحه الاقتصادية والنفطية، ذلك ان دول العالم قاطبة تدفع باتجاه التفاوض من اميركا الى روسيا فاوروبا.

ربما كل هذا صحيح، لكن اسرائيل ترى ان اللحظة الآنية مؤاتية تماما لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة، ذلك ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ايران وعند حلفائها، والدعم العربي لاسرائيل ضد ايران حاليا، والفرصة الاميركية المتاحة، أمور قد لا تتكرر في أي لحظة أخرى، وان ايران وحلفاءها قد يعودون الى الانتعاش لاحقا في حال قررت ادارة بايدن الذهاب صوب الصفقات الكبرى.

الشيء الوحيد الذي ما زال يدفع الى التردد، هو عدم القدرة على معرفة حجم وقوة الرد على أي عمل عسكري اسرائيلي،  خصوصا ان الصواريخ الاستراتيجية لدى حزب الله لم تكن في الحسابات الاسرائيلية سابقا. كذلك فان القيادات العسكرية الاميركية منقسمة تماما حول هكذا عمل عسكري خطير في أواخر عهد ترامب، فالمؤسسة العسكرية الاميركية غالبا ما تضم صقورا وعقلاء، ويبدو ان العقلاء يستمرون في لجم الاندفاعة الاسرائيلية.... لكن الى متى؟ وماذا لو ان الاغتيال الاسرائيلي المقبل استهدف من هو أهم من عالم نووي في ايران او لبنان ؟ او حصل تطور في الجولان ومحيطه؟ فالصفقة الوحيدة المقبولة اسرائيليا هي تجريد ايران وحزب الله من قدراتهما الصاروخية. وهذا هدف ثابت. المنطقة فعلا على برميل بارود".