2024-11-28 07:36 م

دول ابار النفط والغاز تتهاوى !

2020-11-22
بقلم: طلال سلمان
ليس مستغرباً هذا التلهف الخليجي على “مجاملة” الرئيس الاميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بتوقيع معاهدات الاعتراف والصلح مع العدو الاسرائيلي.. لقد باعوا كرامة “شعوبهم” ومعها اندفعوا إلى إنعاش اقتصاد العدو، براً وبحراً، عبر شحنات من البضائع والمصنعات التي لا تنتجها المعامل والمصانع في فلسطين المحتلة.
ولقد حققت دولة الامارات الفوز بالسباق عبر ارسال باخرة محملة بما لذ وطاب إلى ميناء حيفا.. ولم يكن مفاجئاً أن “يتفرغ” نتنياهو، فيترك ما بين يديه لكي يستقبلها شخصياً عند رصيف رسوها في الميناء.. وفي سباق الخيانة اقدمت مملكة البحرين على ايفاد وزير الاقتصاد فيها، ليبحث وجوه التعاون والتبادل التجاري مع العدو الذي صار صديقاً حميماً وشريكا في التطلع إلى الغد الافضل.
والخيانة مرض معدٍ، والخائن للخائن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ثم أن هذا “الاجتماع” يغري من بقي خارجه فيتقدم للانضمام إلى قافلة الخيانة مستغربا أن يبقى أحد خارجها.
إن ما نشهده من وقائع وتطورات وانحرافات في سلوك بعض القادة في الدول العربية يعيد طرح مسائل جدية ومعقدة ربما يكون قد فات أوان طرحها .. من ذلك:
1- هل كان ضرورياً أن تقام “دولة” فوق كل بئر نفط او عند كل مسيل للغاز في هذا الوطن الكبير؟
2- الأوطان تقيمها شعوبها وليس مدى غنى أو فقر اهلها.. أما آبار النفط والغاز فتأتي بغير اهلها العاجزين علماً وكفاءة وعدداً عن استثمارها وحماية مصير “الأرض”، الاصغر من أن تكون وطناً لشعب قادر ومؤهل على حماية ارضه بثرواتها.
3- وهذا يعيد المسألة إلى مصدرها الاصلي، فمن قرر إقامة هذه “الدول”؟ وهل كان في هذه “الدول ” من السكان ما يمكَن فعلاً من اقامة “دولة”، خصوصا وان الصحراء بلا حدود، وان المستعمر كان المتحكم في ترسيم الحدود، في ضوء المعلومات الجيولوجية والاستكشافات التي اجراها في غياب ” البدو”، الا الذين لا تربطهم صلة عضوية بأرضهم “المن رمال”.. بل انهم يقيمون خيامهم ويمشون بقطعانهم من الجمال والغنم والماعز بما يتناسب مع تبدلات الطقس وتعاظم او تدني “الطوز” أي العواصف الرملية التي تطفئ العيون.
من هنا يمكن فهم قرار المستعمر الاجنبي في تقسيم هذه البلاد، بحيث سمح “بدول” هشة، ونصب حكاماً لا يفقهون شيئاً ولا قيمة للأرض، في نظرهم، الا حيث تتوفر بعض المراعي للغنم والماعز فينصبون خيامهم انطلاقاً من حاجة قطعانهم. وليست مصادفة أن الشيخ شخبوط، أول حاكم لدولة الامارات العربية المتحدة (وهي ست مشيخات جمعها البريطانيون في دولة واحدة) كان يتقاضى نصيبه من عائدات النفط مالاً سائلاً يجمعها في كيس يربطه ويضعه تحته فيجلس عليه، فاذا زاد أضاف كيسا آخر إلى مقعده متجنباً أن يخبط رأسه بسقف الخيمة.
اليوم فقط، أو أكثر من أي يوم مضى، بتنا نفهم حرص المستعمر- بريطانيا بالأساس – على إقامة دول تتضمن رمالها أو سواحلها احتمالات بوجود النفط والغاز. فاذا ما ظهر هذا او ذاك من أسباب الثروة كانت لغير القادر على التصرف بها، وظل القرار بيد صاحب القرار بإقامه الدولة.
ولو كانت أرض الخليج، بكاملها، لدولة واحدة لاختلف الوضع جذرياً.. فحيثما هناك شعب ودولة يمكن لهذه الدولة أن تقرر في شأن ثروتها سواء بإدارتها ذاتها او بالشراكة – بداية – مع شركات كبرى قادرة على انجاز الحفر والانتاج والتصفية، ومن ثم تصدير هذا النفط وتوظيف مردوده في خدمة أهل الارض.
ولقد استخدم هذا الشعار بشكل مزور في الماضي القريب، أي حين رفعته الحركة الصهيونية تبريراً لمطالبتها ثم غزوها لفلسطين العربية عبر مباشرة الاستيطان فيها، حتى اذا وقعت الحرب العالمية الثانية دفعت الحركة بالآلاف المؤلفة من شبابها للانخراط في جيوش الحلفاء ( بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد) تمهيداً “لتصدير” هؤلاء المقاتلين المدربين جيداً ليقاتلوا الشعب الفلسطيني الذي عزَ عليه السلاح وعزَ على الفدائيين التدريب ودراسة الخطط العسكرية والسلاح الثقيل، فكانت الهزيمة المرة للعرب جميعاً، وفيهم مصر الملكية (أيام فاروق)، في حين انخرط المقاومون في سوريا في تشكيلات مقاتلة خارج الجيش.. بينما كان الملوك والامراء في نوم عميق، اللهم ما عدا الامير عبد الله ابن الشريف حسين الهاشمي الذي نال شهادة مكللة بالعار حيث سمح البريطانيون (والمجتمع الدولي) بضم الضفة الغربية إلى الاردن لتقوم المملكة الاردنية الهاشمية.
… وكان منطقياً أو مقدراً ومحسوباً أن تتقدم اسرائيل لتنهش الضفة الغربية فتضمها إلى كيانها الجديد.. وها هي اسرائيل تتقدم الآن لتضم الاغوار إلى كيانها الاستعماري الاستيطاني. وفي اغوار الاردن أكثر من مقام تذكاري لأبطال معركة فتح دمشق، أبرزها ضريح ابي عبيدة الجراح.
ومن يفرط بأرضه لن يكون له وطن! وهؤلاء المتسابقون إلى الصلح مع العدو الاسرائيلي من الشيوخ وأشباه الشيوخ بين قبائل متناثرة ليسوا أهل أرض وليسوا مواطنين أصحاء وأصحاب حق في ارضهم.
.. ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح في ميت ايلام!
(السفير العربي)